شـامـل | تدريس الأدب وإشكالية صقل المهارات | العدد #02 |
بواسطة أحـمـد الحـجـيلـي • #العدد 2 • عرض في المتصفح |
لطالما كان الأدب رفيق الإنسان، شاهداً على تطوره ونموه، ورفيقاً ينمو بنمو صانعه، ويَسمُو بعلو شأنه. فالأدب مجال يزهو بمشاعرنا، وتُكتب حروفه برِقَّة أناملنا، لذا فإنَّ رحلة الحفاظ عليه طويلة وشاقة، لا تختصر بطرقٍ محددة، ولا تُلخَّص بأسلوب واحد. لكل فرعٍ أدبي طريقته وأسلوبه الخاص في الحفاظ على رونقه في أثناء نقله إلى الأجيال اليافعة.إنَّ الحفاظ على الأدب ليس مهمة سهلة في هذا الزمن المتشعب، المليء بعوامل التشويق وعناصر الجذب والمشتتات الفارغة والملهيات الخاوية. لذا، نجد أنفسنا اليوم في فترة زمنية حساسة للغاية فيما يتعلق بتدريس الأدب، حيث لا يزال تدريسه بمعزل تام عن التطور الهائل خارج أسوار القاعة الدراسية. بالإضافة إلى ذلك، فهو منفصل تمامًا عن الأدوات والمهارات التي يجب على دارس الأدب صقلها خلال رحلته التعليمية.هذه المهارات ليست موحدة عبر جميع فروع الأدب، بل تتنوع بتنوعه وجماله. ولذلك، ينبغي أن تكون أدوات كل توجه أدبي مصقولة بما يتناسب مع احتياجاته؛ فمهارات الرواية تختلف عن الشعر، ومهارات النثر تختلف عن المسرح. ومن أخطر المشكلات التي تواجه تدريس الأدب هو غياب الجانب العملي، والاكتفاء بالتلقين والفهم اللحظي غير الدائم، إلا عند قلة من المتعلمين المولعين بالأدب، الذين يحاولون تعزيز هذه العلوم بجهود ذاتية، معتمدين على التجربة والخطأ في رحلتهم.
|
|
الأدوات البحثية المتخصصة وشُح المصادر الأدبية: |
من الأخطاء الجسيمة، بل الكارثية، في تدريس الأدب هو غياب المناهج المتخصصة في الأدوات البحثية الأدبية. فالطالب يجد نفسه في حالة من التشتت عند محاولة كتابة أي بحث أكاديمي أو ورقة علمية، مما يؤثر في جودة البحث ومنهجيته، بل وحتى على ثقته بقدراته. |
بإضافة إلى ذلك، تعاني العملية التعليمية من شُح المصادر الأساسية والاعتماد على مصادر ثانوية بعضها ذو قيمة علمية، وبعضها الآخر مبني على أفكار تفتقر للموثوقية. لذا، يجب وضع منهج دراسي متخصص في تطوير الأدوات البحثية الأدبية، ليس منهجًا عامًا وشاملاً، بل منهجًا متعمقًا يركز على فروع الأدب المتعددة، ليكون أداة للطالب وركيزة أساسية في فهم الأدب. إن هذه العشوائية في إدارة تدريس الأدب تؤدي إلى نفور بعض الطلاب من المادة، بل وربما كراهيتها، مما ينعكس سلبًا على تعاطيهم معها. |
التعاطي المغلوط في تدريس الرواية والمسرحية: |
لم تكن الرواية والمسرحية يومًا مجرد قصص يرويها الأستاذ ليطلب من الطلاب فهم حبكتها ومناقشتها في ورقة الامتحان. فهذه الأعمال الأدبية تكشف دهاليز النفس البشرية، وتوضح تفاعل الإنسان مع محيطه، كما تشرح كيف تؤثر المعتقدات الدينية والاجتماعية على الفرد، وتُبرز تطور الأفكار في حقب تاريخية معينة. |
فعلى سبيل المثال، «رواية أوليفر تويست» لا تقتصر على كونها قصة جميلة، بل تسلط الضوء على الانحطاط الاجتماعي، والجشع، والتسلط، وانعدام الرحمة في المجتمع الإنجليزي خلال القرن التاسع عشر. أما في المسرح، فإن «مسرحية هاملت» تُظهر الصراع النفسي العميق والتردد الذي يؤدي إلى عواقب وخيمة. |
لذلك، يجب ألا يُدرَّس الأدب على أنه مجرد سردٍ لأحداث، بل ينبغي أن يُتناول بأسلوب تحليلي يتيح للطلاب استيعاب مفاهيمه بعمق. ويمكن تحقيق ذلك عبر دمج أدوات البحث العلمي الأدبي، وتطبيق مناهج تحليلية تسمح للطالب بابتكار أو تأليف أعمال أدبية تعكس استيعابه للمفاهيم المطروحة. كما يمكن تعزيز التجربة العملية من خلال تمثيل المسرحيات داخل الجامعات بحضور الأساتذة والطلاب، مما يسهم في تنمية مواهب الطلاب سواء في الكتابة أو الإخراج أو النقد الأدبي. |
تدريس وتعلم الشعر: الإحساس قبل الكمِّ: |
يُعد تدريس الشعر إشكالية لا يمكن التغاضي عنها، إذ لا يعتمد تعليمه فقط على شرح عناصر القصيدة، بل يجب أن يركز على استشعار معانيها والارتواء بجمالها. لذا، لا يكفي أن يُلقَّن الطالب القصائد ويُحلل عناصرها، بل يجب أن يُدفع إلى التفاعل الحسي معها. |
من أهم الأدوات والمهارات التي ينبغي ترسيخها في تدريس الشعر هي التركيز على الإحساس بالنصوص الشعرية. فلا يمكن للطالب فهم المعاني العميقة دون تنمية شعوره الداخلي وجعل الأحرف والصور الشعرية تلامس وجدانه. على سبيل المثال، يمكن تكليف الطلاب بكتابة قصائد عن موضوعات محددة، كالتحدي والنجاح أو الحرية والاستعباد، ثم يقوم زملاؤهم بتحليل هذه القصائد واستخراج عناصرها الشعرية. بهذه الطريقة، يتحول المنهج من تلقيني إلى عملي، مما يُمكن الطلاب من اكتشاف مواهبهم الشعرية، ويساعدهم على تطبيق ما تعلموه بشكل فعّال. |
الخاتمة: |
الأدب هو جوهر المكنون الإنساني، وهو انعكاس لنتاجنا الثقافي، وقيمنا، ومبادئنا، وروح ثقافتنا، وأصالة تاريخنا. لذا، فإن الحفاظ عليه ليس خيارًا، بل واجبًا. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تطوير منهجية علمية أدبية متخصصة تُبنى عليها الجذوع الأدبية، سواء في الرواية، أو المسرح، أو الشعر، أو النثر. |
لا بد أن تكون هذه المنهجية متقنة ومُجوَّدة، بحيث تحقق نتائج مرضية، وترسخ الأدب في وجدان الطالب، ليس فقط كمعرفة نظرية، بل كمهارة عملية يستفيد منها مدى الحياة. فالإدماج الفعّال للطالب في العملية الأدبية لا يهدف فقط إلى اجتيازه للمقرر الدراسي، بل إلى اكتشاف مواهبه، وإخراج جوهرته المكنونة، وتزويده بالأدوات التي تجعله قادرًا على الإبداع والتطوير في المجال الأدبي. |
التعليقات