طقوسي للكتابة فائقة المثالية! (1) - العدد #2

بواسطة م. طارق الموصللي #العدد 2 عرض في المتصفح
يبدو "الكتابة داخل صندوق" عنوانًا غريبًا لنشرة بريدية، صحيح؟
ومع ذلك، ستزول تلك الغرابة حين تعلم أن الاسم تعبير عن المساحة التي يحق ليّ العمل داخلها على مشاريعي الكتابية.

حيزٌ صغير يمكنني الكتابة داخله: طاولة وكرسي قبالة نافذة المطبخ التي كثيرًا ما أسرح بالمنظر خارجها..

أطلال وعُمران. ألا يُعبّر ذلك عن طبيعة الحياة ذاتها؟

يا لهذا الجو المثالي للإبداع!

مرّ عقدٌ على قراءتي تدوينة لأستاذي رؤوف شبايك يبرر من خلالها تأخر نشر تدويناته بحجة (مشاغل الحياة). خاطبته حينها -في عقلي- قائلًا:

أيعقل ألا تمتلك ولو ساعة للكتابة مساءً؟

محاطًا بأكياس الخضار وروائح البهارات وصرخات أطفالي، أنجزت معظم مشاريعي الكتابية. لكن الأهم: انسحبت من مشاريع عدّة. وبذا اكتشفت أن المثل الشائع: يتحول كل جندي بعد المعركة الخاسرة إلى جنرال(*) صحيحٌ تمامًا!

سأعود لهذه النقطة، إنما بعد الإجابة على السؤال التالي:

كيف أكتب؟

غالبًا ما أبدأ مع الأوراق المصفرة ذات الملمس الخشن أعلاه. ولكونها أوراق متفرقة، فيسهل انتقالي من فكرة إلى أخرى وتدوين الأفكار غير المترابطة، لأعمل على ربطها عبر الترقيم أسفلها. وإن جمع الترقيم ورقتين أو أكثر، تحوّل الترقيم إلى "ترميز"!

من الطبيعي أن يشتّ عقلي أثناء الكتابة، وسواء أكانت الفكرة (اللحوحة) ذات صلة بموضوع الكتابة أم لا، فأنا أدونها على ورقة منفصلة. لذا، فمن الطبيعي أن تتجاوز المسودات غير المكتملة الثلاثة مئة صفحة!

جديرٌ بالذكر هنا أن عملي السابق -محاسب Accountant- أكسبني عادة إجراء جرد /ربع سنوي/ لتلك المسودات. أحيانًا، قد تشكل مادتها طرف خيط لمشروع جديد. وفي أحايين أخرى يكون الدهر قد أكل على تلك المشاريع وشرب، فلم تعد تثير اهتمامي، فأرمي الأوراق فورًا.

والآن نعود إلى "جنرالنا المفترض".

التمساح!

بحكم انطوائيتي، فقلّة من يتواصلون معي، وهذا ما كان يُغريني بإبقاء الهاتف الذكي إلى جانبي.
لكن ذلك كان أشبه بالجلوس على مقربة من تمساح مُكمم الفك؛ معرفتك بإحتمالية تحرره من الحبل تجعلك على أعصابك.

لذا، مع الوقت، آثرت السلامة وقررت وضعه في غرفة ثانية. وهنا واجهتني مشكلة مختلفة:
يحتمّ عليّ عملي ككاتب مستقل التأهب لسماع صوت الفرصة حين تطرق بابي، وإبقاء هاتفي بعيدًا عنيّ، فوّت عليّ بعضها.

لن أكابر وأقول بأنني لم أهتم، فلا أحد يستمتع برؤية الأوراق المالية تتطاير بعيدًا عنه! غير أنني اهتديت إلى طريقة لتخفيف وطأة حدثٍ مؤسف كهذا، سأحدكم عنها في الوقت المناسب.

[سيكون لطفًا كبيرًا منك أن تشارك العدد مع مَن تظنه يُعاني من ذات المشكلة]

فرقة الأطفال للاقتحام

يدعيّ البعض أن بمقدورك وضع حاجز بين حياتك المهنية والشخصية، إذ يكفي إعلام أفراد أسرتك بأنك [تعمل] ليؤمّنوا لك الخلوة المثالية. لكن هل تريد دليلًا على بطلان هذا الإدعاء؟
في الواقع، أنت تملكه بالفعل بعد مشاهدتك الفيديو الشهير التالي:

اعتراف: شكّل الأمر هاجسًا بالنسبة ليّ طيلة شهور.
فمن جهة، لديّ من المشاريع ما يتطلب 3 أعمار بأكملها لإنجازه. لذا، تخلّف أي مقاطعة تحدث جرحًا عميقًا داخلي (وغضبًا مكبوتًا.. لن أنكر ذلك أيضًا).
ولكن، وعلى الطرف الآخر، سألت نفسي أكثر من مرة: لِمن أحاول بناء ذاك المجد؟ أو بعبارة أدق: لِما أبذل كل ذلك الجهد في العمل؟
يُفترض أن تكون الإجابة: لتأمين مستقبل أطفالي.

وهنا تعود بيّ الذاكرة، كل مرة، إلى محاولات أبي المستمرة تأمين مستقبل مشرق ليّ ولإخوتي. لكن جاء ذلك على حساب الماضي.. والذكريات.
فكل ما أذكره عن والدي -خلال سنيّ طفولتي ومراهقتي- أنه ذاهب إلى العمل أو عائد منه.
ولا تستحضر ذاكرتي، رغم كونها مشهود لها بالقوة، أي موقف شاركني فيه لعبة Fifa أو حتى مباراة حقيقية!

ثم ماذا حدث؟ جاءت الحرب، ودُمر المنزل الذي اشتراه لتأمين مستقبلي.

وهكذا أصبحت بلا ماضٍ.. ولا مستقبل. فكل ما أملكه هو الحاضر، وأنا أريد قضاءه مع أطفالي.

ابتعدت عن الموضوع الأساسي، صحيح؟ عذرًا

إذًا، أين كنّا؟ آه صحيح.. كنا نتحدث عن المشتتات.

حسنًا، بما أننا متفقون على تعذر مقاومة اقتحام حياتنا الشخصية لصديقتها المهنية (وأخص بحديثي العاملين عن بعد والكُتّاب على حدٍ سواء)، فكيف نتعامل مع الأمر؟
سهلة!
الجميع يعلم أن الوحيد الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم هو الله جلّ جلاله. إذًا، لما لا نستغل نقطة الضعف تلك، وأقصد النوم، في جيش المقتحمين لصالحنا؟

تكشف هذه الصورة السرّ الكامن خلف إنجازي مشاريعي التي أفخر بهاـ كهذه الإجابات على كورا (1) (2) (3) أو التدوينة التي أتمنى أن تغدو شهيرة ذات يوم 👈 أول جرعة كيماوي: حين تغدو الحياة وردية.. أكثر من اللازم!

بالضبط، أنا كائن ليلي (أو بمعنى أصح: اُضطررت أن أكون كذلك). أنام بمجرد ذهاب الأطفال إلى مدارسهم، واستيقظ مع إيابهم. أقضي النهار معهم واستغل أي فرصة لانشغالهم فأكتب.

لا يهم المكان، فكثيرًا ما أكتب من داخل الحمّام (أعزكم الله)، وهكذا تمضي الأيام.

أفكر أن تكون (أدوات الكتابة) موضوعًا للعدد القادم. ما رأيكم؟

-----------

(*) أي أنه يبدأ في وضع خطط الفوز "المُفترضة" دون وجوده في موقع القيادة أثناء المعركة الحقيقية. يُعاير بالمثل كل شخص ينصح غيره بالتصرف في موقف لم يختبره الناصح يومًا.

ممدوح نجم1 أعجبهم العدد
مشاركة
الكتابة داخل صندوق!

الكتابة داخل صندوق!

عن الكتابة وطقوسها غير المحكية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من الكتابة داخل صندوق!