وقتيّة الحياة

وقتية الحياة؛

لا سبيل للهرب من الحياة، ستمضي عاجلًا أو آجلًا، وسيكون نهايتك الممات، ستكون وحيدًا في النهاية تاركًا كل شيء وكل أحد.

لنسهو عن ماضينا ولنتخلى عن الخوف من القادم لا شيء يستحق أن تظل حاملًا همه، لتكن عالقًا في اللحظة الحالية فقط، الآن واليوم والحاضر هو ما يستحقك، عش بكل حواسك لا ببصرك وجسدك فقط بل بروحك ومشاعرك وقلبك!

أبقِ عقلك نشطًا في حياتك ودع ألمك جانبًا وكفاك انفصالا عن واقعك، فلن ينتهي البؤس على أية حال ولئن لمت الزمان وسببت القدر.

لا عتب على الحياة، العتب عليك!

الدنيا لن تعطيك قبل أن تأخذ منك، لن تهديك الحب قبل أن تعلمك الوحدة، لن تؤتيك المال قبل أن تذوق الفقر، لن تنال السلام قبل أن يضطرب فؤادك، لن تنضج قبل أن تغوص في الحماقة، لن تشيب قبل أن تشب ولن تموت إلا إذا حييت أولًا!

وكيف تحيا؟!

أن تتوقف عن عيش الموت وامتهان الجمود وجعل الأيام تنسلب من عصبة يدك، ألا تتفنن الخضوع للصعاب وتنسى أهم المعارك، أن تبدأ قبل أن تنتهي!

فكما قال الشاعر السوري، "إبراهيم الحوراني":

"توسَّمِ الخيرَ في كلّ الامور ولو

شاهدتَ نارَ الرزايا في بوارقها

واستنجد الصبرَ في حرب الخطوب وخذ

رجاءَك النصرَ سيفاً في مفارقها

ولا يسؤك غروب الشمسِ في غسقٍ

فانها كلَّ صبحٍ في مشارقها"

إلى متى وأنت تريد ولا تريد؟ تأمل ولا تفعل؟

ترجو ولا تنجو؟

إلى متى والأمسُ أقرب إليك من الغد، إلى متى وأنت أسير جحيمٍ مؤصدة أوقدتها بنفسك؟

أوليس العيش أحب إليك من الموت؟

أوليس النهوض غايةٌ أفضل من الرقود؟

أولا تريد أن يقال حَلِمَ وحقق، بدلًا من حَلِمَ وبدَّد؟

إن الهدف لا يضيع بل يُنسى، تلهيك الحياة عنه بما هو فانٍ وتزيغك عما هو أبقى، تزيّن لك راحتك وتصعب لك أبسط خطواتك، تدعوك للبحث عن السعادة وتغيبك عن مفتاح الرضا، تلهيك عن الحق فتزور الردى، وما أبشع من غريزة المرعى بلا صنعة والمضي بلا أمل والسير دون رغبة؛ إن للوقت وتيرة لا تتقدم أو تتأخر بل هي عقاربٌ محسوبة دقيقة محاكة بدراسة، وإن له نداءً لن يسمعه الأصم وشعاعًا لن يراه الأعمى، وطريقا يتيه به الأعرج.

لا تنتظر زلة لتغادر؛ ولا دفعة لتتطور، ولا كلمة لتبتسم ولا ظروفًا لتنجح، فقط واجه، تخطى واستمر، انتزع مرادك واستشعر كل لحظة أنت بها حي، تأمل كل موضع جمال ولا تشتت عقلك بالمحال، صمم وخطط واختر، وأعزم القرار وأعقد النية واركب خيلك واجمح به في مفرقِ الأعداء.

لعل النصر حليفك، ولعل القادم أفضل وما تخشاه يخشاك وما توده يودك، لعلك أمهلت نفسك وقتًا طويلًا في التفكير والأمر يتطلب أخذ خطوةٍ فقط.

لأن الحياة أقصر مما تعتقد وأسرع مما تظن لا تضعها وأنت تتأقلم وتحاول الاعتياد على بؤسك، بل اصنع الأيام التي تناسبك وانغمس باللحظة واعمل بجد حتى وإن كانت دقائقك الأخيرة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وبيدِ أحدكم فَسِيلة فليغرسها"

وقال الله تعالى: "وقلِ اعملوا فسيرى الله عمَلَكم ورَسولُه والمؤمنونَ"

فاعمل عملًا مرموقا يطلع عليه ربك جلَّ وعلا، ورسولك الكريم.

الحياة مؤقتة والعمر مكير، فاحرص عليه بدقة وقدِّم الكثير!

ندى سمير