إنّـما تُكشَفُ الغُمّة بِـأَحْيَاءِ الأُمَّــة - العدد #104 |
20 سبتمبر 2025 • بواسطة سـامـي • #العدد 4 • عرض في المتصفح |
«وإذا كنا قد انتابتْنا غفوةٌ طويلة تَخَلّفنا بسببها عن رَكْبِ الحضارة، فإنّ كلمة (اقْرَأ) لا تزال قادرة على إيقاظنا، وحَفْزِنا لنعود سيرتَنا الأولى.»
عـدنان سـالم. |
|
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله |
ميثاق النشر: |
أكتب باسم الله الخالق الرازق المٌعلّم، ابتغاء مرضاة الله، ثم لنفع نفسي وأمتي. لا أكتب من أجل حظ دنيوي. لكن أريد أن يكون قلمي سيّـالا في الخير، وأن تكون الحروف التي أنسجها مخترقةً جدار القلوب الحيّة، صادحة بالحق موجّهة إلى الطريق الصحيح. وأن يكون التزامي بالنشر ذائدا عني غمرات اللهو والتيه، فالنشرة تجعلني أقف وقوفا نفسيا أراجع فيه الذات، ثم التفكير في الموضوعات التي ينبغي الحديث عنها، وهل يصلح الحديث عنها الآن أم لا؟ هذا أمرٌ اخترته وأسأل الله التوفيق. |
![]() اضطهادٌ ونزوح، وطغيانُ عدوٍّ وخذلانُ أمةٍ؛ فإلى متى يطول ليلُ الظلم، وأين العملُ الذي يُنبت فجراً جديداً؟ |
قبل النفوذ في لُبّ الرسالة |
في هذه الظّلمة الحالكة من الهموم والأحزان والخذلان التي تعيشها "الأمة المُسلمة" نسألُ: |
أجد أنّ إحدى "الملذات" -لا أعلم هل جانبت الصواب بقول كلمة "اللذة" لكن أراها الأقرب- التي أرى أن نفسي ونفوس غيري من الناس تتلذذ بها وهي لوم الآخر، لدرجة أننا نوقف كل شيء ونظل نلوم الآخر ونبالغ، لا أعلم هل هي لذّة أو فرار من الحقيقة؛ حقيقة أننا كلنا تحت مظلة التقصير والخذلان إلا من رحم ربي. متى أعلم أنني أنا مقصّر تجاه قضايا الأمة، مِن ما يحدث في غزة وفي الضفة الغربية وما يجري في تركستان من تغييب للهوية الإسلامية للإيغور، وغيرها من القضايا التي تحتاج لمسلم "قارئ" يعرف ذاته ومستعد أن يرفع من شأن أمته، لا بالمقال، بل بالحال والأفعال! |
إن كل ما يجري الآن هو نتيجة لعقود من التيه في غمرات الفساد وتغييب وعي الأمة بين شبابها ونُخبها وتهميش دور الأسرة، ودور التعليم التربوي، وفتح الباب بمصراعيه للوافد من "الخَمَجِ الغَرْبِيّ" ليحلّ بديلا عن منهج هذه الأمة "الينبوع الصّافي" في تربية الأبناء والشباب وتغذيتهم بثقافة الميوع والخمول، حتى صار الشاب المسلم لا يعرف هويته بل ويتمرد على بيئته، وصار الجهلُ نديما للأمة بين الفتيان والشيوخ والأمهات والأباء. فلا تجد أحدهم يمسك كتابا يقرأه أو يبحث عن كتاب ليملأ به خزانته ليقرأه لاحقا... |
![]() |
طبيعة صلة الأمة بالقراءة اليـوم! |
لقد نجح الغربُ في وضع حدود "سايكس بيكو"² بين الدول العربية الإسلامية؛ جغرافيا وثقافيا... ونجح أيضا في وضع حدود بين الأمة والقراءة، فلا يُقرأ الكتاب إلا إذا كان كتاب المنهج الدراسي (والذي يُحمَل كُرها). وكثيرا ما تتردد على المسامع هذه العبارة "أمة اقرأ لا تقرأ" التي تصَوّر وضع هذه الأمة التي كُرّمت بآخر وحيٍ من السماء وأوّل ما نزل منه فعل أمر إلهي {اقرأ}. |
لقد أصبحت الأمة في وضع متردّ كإنسان وقع من علو فمات وانتهى أجله بمجرد سقوطه. وعندما نبحث عن الأسباب الكامنة وراء هذا السقوط، ونتأمل واقعنا الحالي، فإن ذلك راجع فيما نعتقد، إلى أنّ "أمة اقرأ لا تقرأ"، وأن واقع القراءة واقع مأزوم. الأمة... وسؤال القراءة - ألم وأمل- الدكتور الحسن الحمدوشي، منشورات مركز الشهود للبحوث العلمية والدراسات الحضارية بفاس، قضايا معرفية: العدد 2 |
إن جوهر مشكلة أمتنا أن طائفة من شبابها والتي يفترض أنها تُمثّل القاعدة الصلبة للحاضر وأساس المستقبل في عزوف تام عن القراءة المثمرة والبانية، فنجدهم قد قطعوا كل صلة بعالم القراءة، وحتى علاقتهم بوسائل التعليم ووسائل التواصل الإلكترونية الجديدة أضحى التعامل معها عشوائيا، ولا توظف في جوانبها الإيجابية الصحيحة، بحيث طغى الجانب الترفيهي الترويحي على الجوانب الأخرى المهمة والمفيدة في التّثقيف وبناء الوعي، وتسديد التصورات. ممّا أدى بالأمة إلى صناعة "إنسان النصف" الذي ينظر من زاوية واحدة. وهو ما يؤكّده مالك بن نبي -رحمه الله- بقوله إن: "إفساد النهضات يكون بإنتاج إنسان النصف." وهو الإنسان الذي يُلح بشدة بطلب حقوقه ولكنه لا يقوم بالحد الأدنى من واجباته التي عليه. |
لذلك تجده في تفكيره وثقافته وتدبيره يفتقر إلى أبسط المعلومات التي تؤهله ليكون إنسانا كاملا... |
لكن مهما عمّر هذا الهوانُ الحَضَارِي فإنّ زمن الأمل والعزّة آتٍ لا مردّ له، لكنه لن يأتِيَ بعصا سحرية فجأة تجده أمامك؛ لأن هذا الكون محكوم بسنن كونية، لا بد من السبب الذي يحقّق المبتغى. |
ومما هو معلوم فإن سباق الأمم نحو النهضة الحضارية لا يكون إلا بالتقدم العلمي، وخير مثال على ذلك اليونان لما كانوا أكثر تمسكا بالعلم أنتجوا علوما ومعارف في الحكمة والفلسفة والشعر... وسيطروا على جزء كبير من العالم أيام الإسكندر المقدوني تلميذ أرسطو. |
وهكذا نجد في التاريخ البشري أنّ رُقِيَّ أيّ حضارة -أيّا كانت- إذا لازَمَهَا دفْعٌ علميّ حقيقي فإنها ستضحى في مقام الغالب لا المغلوب. |
إذا أردت أن تهدم حضارة، احتقر مُعَلّما، أذل طبيبا، همّش عَالِمًا، أعطِ قِيمَة للتّافِهِين. المفكّر مالك بن نبي. |
تشير مقولة ابن نبي التاريخية إلى أنّ انهيار الحضارة يكون بتهميش أهل العلم -باختلاف مجالاتهم- وقد بدأ بذكر المعلّم لأنّ منه تتجذر الحضارة فإذا غاب اندثر ما بعده، وهنا لا بد أن نستحضر في أذهاننا كيف نهضت سينغافورة، وماليزيا؟ بَدَآ بالتعليم وتثقيف الأجيال فصارا على نحو ما هم عليه الآن. |
فالحرص على العلم والتعلم معناه التطوير المستمر والإلمام بكلّ جديد والإمساك بزمام المنافسة وتحقيق النجاح والفوز على المنافسين. |
ليس بإمكان أي واحد منا أن يغيّر وَضْعَ عزوف الأمة عن القراءة بعصا سحرية أو بحركة "لَحْظِيَةٍ مَوْسِمِيَة" ليُذَكّي فيها روح القراءة ويجعل أفرادها شغوفين ونهمين ومحبين للقراءة. |
لكن الواجب يفرض علينا كلّ واحد من موقعه أن نقوم بتحليل ودراسة أسباب عزوف الأمة عن القراءة، والاجتهاد في تذليل وتيسير هذه الصعاب ليتحول من مجتمع غير قارئ إلى مجتمع قارئ، لأن المجتمع القارئ مجتمع متحضّر، مجتمع له موقع في التاريخ... |
إن المنافسة المتوحشة الدائرة بين دول العالم في وقتنا الراهن، لا يمكن مسايرتها ومعرفة مستجداتها ومواجهتها إلّا بصناعة مجتمع قارئ. |
ولا يمكن أن تعزّ أمة إلا بالعلم، فبالأحرى الأمة التي أنزلت عليها أول آية من الوحي الإلهي {اقرأ} فبتمسُّكها بهذا الأمر الإلهي عزّت وارتقت، وإذا ابتغت ما دونها ذَلَّـتْ وتَشَرْذَمَتْ. |
لا حياة لمن لا يقرأ!! |
نعم، لا حياة لمن لا يقرأ، لمن لا يبرمج حياته على القراءة البانية الهادفة، التي تنير البصائر وتفتح العقول، وتشرح الصدور، فإن الذي لا يقرأ كالميت بل أضلّ سبيلا. |
﴿ أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة الأنعام، الآية: 122. |
انظر كيف صوّر الله حالَ مَن كان على ضلالة ثم هداه الله إلى الإيمان، وجعل المشهد في رؤية استفهامية هل من هو على الهدى يساوي من هو على ضلالة؟ فلا يمكن أن نساويَ بين الحي والميت، وهكذا، الذي استنار بنور الإيمان وعَبَد الله على بصيرة ليس كمن تاه عن العلم بالله وجهل أمر وجوده... |
أَأَنتُم أيّها المؤمنون كأولئك الشياطين أو كأولِيَائِهِم الذين يجادلونكم بما أوْحَوْهُ إليهم مِن زُخْرُف القول الذي غروهم به، ومن كان ميتا بالكفر والجهل فأحييناه بالإيمان وجعلنا له نورا يمشي به في الناس وهو نور القرآن وما فيه من العلم الإلهي والهداية بالآيات إلى العلم النظري، كمن مثله أي صِفَتُه ونَعْتُهُ الذي يُمَّثِّل حاله هو أنه خَابِطٌ في ظلمات الجهل والتقليد الأعمى وفساد الفطرة ليس بخارج منها لأنها قد أحاطت به وألْفَتْهَا نَفْسُهُ فَلَمْ يَعُدْ يشعر بالحاجة إلى الخروج منها إلى النور بل ربما يشعر بالتألم منه فهو بإزاء النور المعنوي كالخفاش بإزاء النور الحسي. نصّ مقتبس من موقع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم لمؤسسة البحوث والدراسات العلمية بفاس، تفسير المنار لرشيد رضا، الآية: 122 من سورة الأنعام. |
أرجو أن يكون القارئ قد استوعب الرابط بين الآية وما نحن فيه... |
اعلم أن حياة المؤمن تكمن أولا في قراءته لوجوده؛ قراءة فيها استفهامات عدّة: لماذا أنا هنا؟ ما الغاية من وجودي، ما الهدف من جعلي من ضمن هذه الأمة؟ إن كنت واحدا منها إذًا يجب أن أكون على قدر هذا الاصطفاء، وهذا الاصطفاء لا يناله من لا يقرأ، فالله اصطفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب وأمره بالقراءة، وكان في ذلك ضمّاتٌ شديدة بلغت من النبي الأمي الجُهد، لتكون الرسالة كالآتي: هذه أمانة ثقيلة ستنزل عليك فقُـم ولا تقعد واقرأ، كُنْ قارئا، صَيّر نَفْسَكَ قارئا، لا يمكن أن تعبد الله وأنت لست بقارئ. إنها أمانة القراءة التي تهدف إلى عمارة الأرض لا خرابِها. |
أرى أن قلمي السيّال سيتوقف في هذه المحطّة من النشرة، ليقتبس فقرات من كتاب الهدى المنهاجي في سورة العلق للدكتور الشاهد البوشيخي -حفظه الله- وأترككم مع نفحات الهدى المنهاجي. |
الهدى المنهاجي في سورة العلق |
″إنّ التفوق في العلم هو الخيار الاستراتيجي ليعود المسلمون إلى التاريخ، وتعود الأمة سائدة قائدة رائدة، أي عندما تريد أن تكون حيث وضعها الله تعالى في الموقع الطبيعي لها الذي هو الشهادة على الناس، وذلك إنّما يكونُ بالعلم. إن التفوق في العلم بلغة اليوم هو الخيار الإستراتيجي، والطريق المُعَبَّدُ للإمَامَة الحضارية. |
ومعنى هذا أن أكبر حظ في مِيزانية الدولة ينبغي أن يتجه إلى العلم، وإلى تكْوين الأطر العلمية، فإن ذلك ينبغي أن يُقَدّم على ما سواه في الأمة الإسلامية، كما أن البحث العِلْميّ ينبغي أن تكون له الميزانية الضّخمة التي لا تُعَادِلها ميزانية أخرى، لأن العلم له الريادة، فالعلمُ هو الذي يشُقُّ الطريق في الصخر، والعلم هو الذي به يتم الابتكار، هو الذي به يتم تعبيد الطريق تجاه التفوق، تجاه الإمامة الحضارية، إذ لا يمكن لأمَّةٍ أن تنطلق تجاه المسار الصحيح الذي يؤهلها لأن تدرك ما سواها وتتَفَوَّق عليه، بدون علم. لهذا كان الانطلاق من العلم هو الخيار الإستراتيجي. هذا الخيار لن تندم الأمة إذا دفعت فيه أقصى ما تستطيع، لأنّه الشيء الذي ينْبني عليه ما سواه. وهو لا ينْبني على سواه. |
2)من مستلزمات الانطلاق من العلم: أن الإصلاح يبتدئ من الفكر وليس من السلوك، السلوك تابعٌ لما في القَلْب، لما في العقل، سَمِّهِ ما شئت، المُهِم البدْءُ من الداخل الذي يسميه بعضُهم: التصوُّر، ويسميه بعضهم بالعقيدة أو ما شاء أن يُسَمِّيه، المُهم تلك الأمور التي تكون في الداخل، نوع الأفكار التي عندك في الداخل هي التي ينبغي أن يطْرأ عليها التّصْحيحُ أولا. لأن السلوك ينبني على ما هُنالك من فكر، فالفكْرُ الأعوجُ يُعْطي السُّلُوك الأعوجَ. والفكر الصحيحُ يعطي السلوك الصحيحَ، والتصَوُّر الصحيحُ ينتُجُ عنه السلوكُ الصحيح، ولذلك فالعملُ تابعٌ للعلم ولا عكس، ولذلك أقول: الباطنُ مقدَّمٌ على الظاهر، وهذا واضح في قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : "ألاَ وَإِنّ في الجَسَدِ مُضْغَة إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّه، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّه، ألاَ وَهِي القَلْب"( صحيح البخاري)؛ لأن {اقْرَأْ} لا تخاطبُ الأنْفَ، أو الأذْن، أو الرِّجل، ولكنها تخاطب القلب البشري الذي تُحْدِثُ فيه التحوّل، تخاطبُ باطن الإنسان، على حسب ما يقع في هذا الباطن من تحوُّلٍ من الفساد إلى الصلاح ومن المرض إلى الصحة، يكون التحوُّل بعْدُ في السلوك، وعلى حسب الرُّسوخ الذي يقع في هذه الحقائق الصحيحة يكون الثباتُ في الخارج عند الابتلاء. |
3) ومن مستلزمات النقطة الأولى كذلك: البَدْءُ بالأصل قبل الفرع. |
فالفردُ أصل، والجماعة فرع؛ لأن الجماعة مكوّنة من أفراد، والدولة مكونة من أفراد، والأمة مكونة من أفراد، وهكذا، وكذلك الفرد مكوّن من قلب وجوارح، فإذَنْ دائما الأصْل يقدَّم على الفرع؛ لأننا حين نصلح النقطة المركزية تلقائيا ينصلح ما سواها تبعاً لها، فإذن إصلاح الفرد هو الذي يتَّجِه له الأمر أولاً، ثم إصلاح الأُسر والجماعات يأتي تلقائيا، ثم الأسرة الصالحة والجماعة الصالحة تصبح أصلا لما يَتْلُو بعد من كُتَلٍ، وكُلُّ كُتْلَة تكون نواة لغيرها تُعتَبَرُ أصلا لغيرها وفرعاً عن أصلها، فدائما نِظامُ الأولويات يحْكُمه هذا المبدأ: "الأصْلُ قبل الفرع"، والأصْلُ الأول قبل الأصل الثاني، والأصل الثاني قبل الثالث، والثالث قبل الرابع، وهكذا وهكذا.. ولذلك كان الخطاب لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- ليقرأ ويُقرئ غيره، ويعْلَم ويُعلِّم غيره. |
4) ومن مستلزمات اقرأ باسم ربّك: التبرُّؤ من كل حَوْل وطوْل، هذه نقطة مهمة جدّاً؛ لأن الأمْر بالقراءة ليس أمراً تكْليفيا بما لا يُسْتطاعُ، فالرسول –صلى الله عليه وسلم- لم يكن متعلما القراءة حتى يقرأ شيئا مكتوبا، ولكنه أمرٌ تكوينيٌّ، أي "صِرْ قَارئا" بحول الله وقوته. |
لأن المفعول حين يُحْذَف يكون التركيز على الفعل، وهنا حُذِف المقرُوء، فكان التركيز على فعل القراءة، أي "كُنْ قارئاً" باسْم ربّك، لتكون قراءتك باسم ربك -وأنت أُمِّي- من أعظم المعجزات الدّالة على نبوتك، ويكون إقراؤك لأمتك وتزكيتُها بالعلم الرباني لتصبح خير أمة من أعظم معجزات الوحي الصانع لأمة فريدة في التاريخ الحضاري. |
وهذا التعبير ﴿ اَ۪قْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ يراد منه أمران كبيران لابد أن نستصحبهما باستمرار، وهما: الاستئذان، واستمداد الحوْل، كأنك تقول: أستأذن الله تعالى وأتوكل عليه، أي لا أمارس فعل القراءة إلا بعد استئذان الله، ولا أمارسه بحولي، ولكن أمارسه بحول الله وقوته وقدرته. |
وإذا كان من المعلوم تاريخياً أن الأحكام كانت تصْدُر باسم الكاهن، أو الساحر أو ما أشبه، فإن الواقع أيضا يعرف أحكاما تصدر باسم مجلس الثورة أو باسم رئيس الجمهورية أو ما أشبه. فالتعبير إذن هنا ﴿ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ يُرادُ منه تصحيح هذا. |
وفي مقامنا هذا، ما أمرت به الشريعة يجب أن نُقْدم عليه متوكلين على الله وحده كائنا ما كان، لا عَلى حوْلنا ولا على قوتنا؛ إذ لا حول لنا ولا قوة مهما أعددنا. |
وهذه النقطة مركزية، خصوصاً وأن الله تعالى علّم المسلمين درساً من حُنَيْن في ظروف صعبة حيث قال لهم: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ اِذَ اَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَئْاٗ ﴾ [التوبة: 25] التفات القلب إلى غير الله يجْلُب الهزيمة. فقلبُ المؤمن لا ينبغي أن يتوكل إلا على الله، وألا يتجه إلا إلى جهة واحدة لا شريك لها هي جهة الله جل جلاله، وإنْ أعَدَّ ما أعَدَّ، وإن أعْدَدْنا ما أعْدَدْنا، أفراداً أو جماعة أو دولة أو أمة. قال الله تعالى ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اَ۪سْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٖ﴾ [الأنفال: 61] ولكن مع الإعداد لابد من التوكل على الله؛ لأن التوكل هو القوة التي لا قوة فوقها. |
هذا الرسول –صلى الله عليه وسلم- لم يكن قارئا ﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِۦ مِن كِتَٰبٖ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَۖ إِذاٗ لَّارْتَابَ اَ۬لْمُبْطِلُونَۖ﴾ [العنكبوت: 48] ولكنه صار قارئا بحول الله وقوته. |
الهدى الثاني: أول العلم العلم بربنا: خالقًا ومعلِّما لنا ثم العلم بالإنسان (من حيث هو إنسان) مخلوقا ومعلَّما من ربنا(...) " انتهى الاقتباس. |
*** |
تتوارى هذه الكلمات في الأفق، لتدع لك في القلبِ أثرًا، كما يترك الشهاب خطَّه في السماء... من عالم Sam إلى موعدٍ جديد. |
مراجع: |
- القراءة أولًا، عدنان سالم. |
هوامش: |
¹ بيت من قصيدة "نرى يدك ابتلت" للشاعر عبد الحسين محمد علي الأعسم (القرن 13 هـ). |
مقولات راقت لي: |
عبّـاس محمود العقّاد: "لستُ أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لأزداد عمراً في تقدير الحساب. وإنّما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني، والقراءة هي التي تعطيني أكثر من حياة، لأنّها تزيد من الحياة من ناحية العمق..." |
أبـو طيب المتنبي: "خير مكان في الدنيا سرج سابح.. وخير جليس في الأزمان كتاب." |
مالك بن نبي: "الأمّة التي لا تقرأ تموت قبل أوانِها" |
الجـاحظ: "يذهب الحكيم وتبقى كُتُبه، ويذهب العـقل ويبقى أثره." |
عبد الله كنون: "المكتبة هي معبد الفكر ومعتكف المفكرين، وهي المعمل الذي تصنع فيه العقول، وتصاغ الأذواق." |
هنري والاس: "أحيانا تكون قراءة بعض الكتب أقوى من أي معركة." |
سُئل فولتير عمّن سيقود الجنس البشري؟ فأجاب: "الذين يعرفون كيف يقرؤون" |
*** |
في العدد القادم… مـوعـدنا مع الـــذكــرى! |
التعليقات