فَـــتَــبَــيّــنُـــوا - العدد #103 |
5 سبتمبر 2025 • بواسطة سـامـي • #العدد 3 • عرض في المتصفح |
التَبَيُّن والتثبُّت ركيزتان في السلوك الإسلامي
|
|
![]() غربل الخبر، فما كل ما يُقال يُؤخذ |
صلّوا على المختار سيد الأبرار مــحـــمّــد بن عبد الله ﷺ |
في عالم SAM يتردّد صدى جديد… إنه العدد رقم 103#. الرحلة بدأت، والأفق مفتوح أمامنا بلا خريطة ولا حدود. كل عدد هو إشعار خفيّ من الكون، وكل خطوة تقرّبنا أكثر نحو الوصفة المثالية. التوسّع انطَلق… والسّحر الحقيقي لم يُكشف بعد. هل ستكون معنا لتكتشفه؟ |
قبل أيام وفي عطلة الأسبوع بالتحديد سابَق الإعلام العسكري للعدو الصهيوني بنشر خبر استشهاد الناطق الرسمي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بعد قصف شديد لإحدى المناطق المدنية بغزة استشهد على إثرها أزيد من 40 شخص وبعد الصيحة التي صاحها الساسة الصهاينة بينهم نتنياهو والإعلام الصهيوني، وترويجهم لخبر استشهاد "أبي عبيدة" الناطق الرسمي، سارع بدوره "الإعلام العربي" في بثّ الخبر ونشر التغريدات تلو الأخرى عن "مقتل" أبي عبيدة كما تغرّد "قناة العربية" التي ابتهجت واكتست البُردة بلـون زَهْرِيّ لتُبدي لمشاهديها الفرحة والسرور وكأن القدس قد رجع!! أو على أقل أقل تقدير أن الحرب قد انتهت وجنح الطرفان إلى السّلم! |
ثم ماذا حصل تَشَارَكَ الناس صور الرجل وخُطبه الفصيحة، منهم من حزن، ومنهم من شمت، ومنهم من صُدم وظل في حالة من الصدمة، ومنهم من ثبت وذكر الله واسترجع وتذكر قوله تعالى: ﴿ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ ومنهم من لم يصدّق وأعاد النظر وتصفّح جذر الخبر، ورأى أن قائل الخبر هو "العدو الصهيوني" ثم إنه لا يوجد تيَقُّن تام من ذلك، وحركة المقاومة لم تُفنّد ولم تؤكّد! |
قفا نتأمل في هذه الواقعة ولا نماري في استشهاد الرجل من عدمه، ما ينبغي الحديث عنه هو ما سيتبين لكم في هذه السطور. |
كيف بالسامع والقارئ والمشاهد أن يأخذ الخبر من العدو مُغمض العين؟ وكيف اختل ميزان استقبال الأخبار عند المسلمين فصار كل خبر يمرّ عليهم يتلقّفونه بالتصديق وتخزينه في الأذهان كأنه معلومة صحيحة ووحيٌ مُنزّل؟ ألا يوجد في القرآن الكريم والسنّة النبوية ما يهذّب هذا السلوك، ويصحح التصور لدى الإنسان المسلم ليصلح تصرّفه تجاه هذه الأخبار التي تُبَثُّ له صباح مساء؟ ألَيس من الرزانة والتأني الوقوفُ أمام الخبر والتثبّت من صحته؟ وهل صار كل ما يُخبر به يشارَك ويُنقل بسرعة الضوء دون وضعه في إطار التساؤل النقدي ( هل ينفع مشاركته مع العامة أو الخواص من الناس، هل من الصلاح بثّه في هذا الوقت بالذات أم لا؟ هل يجب تصديق كلّ من هبّ ودبّ دون التفحّص؟) |
«كــلّ يُـؤخَذ من قَولِه ويُرَدّ؛ إلا صاحب هذا القَبرِ» الإمام مالك بن أنس رحمه الله ( إمام المدينة)، ورويت عن ابن عباس بلفظ مشابه. يقصد بها أنّ أقوال الناس تحتمل الخطأ فلا تُؤخذ بالتصديق والتسليم بدايةً، إلا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم. |
حينما نعود لكتاب الله وهو القرآن الكريم لكونه كتاب هداية وباعتبار أننا ندعو الله في الصلوات الخمس مجتمعة سبعة عشر مرة بدعاء واحد نذكره في كل ركعة هو: {اهدنا الصّراط المستقيم} من سورة الفاتحة، فيكون جواب الدعاء مباشرة متلوا في سورة البقرة التي تلي الفاتحة { ذلك الكتاب لا ريب فيه هُـدًى للمتقين} فلا غَرْوَ أننا نرتشف منه أولا قبل الأخذ من أي مَشْرَب من مَشَارِبِ الفُنَاة. |
فبينما نتصفّح السور تلو الأخرى نجد آيات محكمات لا تحتاج لتأويل، بل تحتاج لتدبُّر معانيها وتخلُّقٍ بمراد الله منها، تجدها في سور الطوال مثل سورة النساء، وتجدها في سور المفصّل مثل سورة الحجرات؛ آيات بينات تصحح الخُلُق الإنساني وتهذّب شهوة استقبال الخبر ونقله، وتذكّر بعواقب ترك التبيّن والتثبّت من الأخبار؛ لأنه مهلكة للفرد وللأمة المسلمة في الحياة الدنيا والآخرة. |
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنَ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٍ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِّنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ سورة النساء، الآية: 94. في رواية ورش عن نافع: السَّلَمَ. |
َٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْماَۢ بِجَهَٰلَةٖ فَتُصْبِحُواْ عَلَيٰ مَا فَعَلْتُمْ نَٰدِمِينَۖ (6) وَاعْلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اَ۬للَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِے كَثِيرٖ مِّنَ اَ۬لَامْرِ لَعَنِتُّمْۖ وَلَٰكِنَّ اَ۬للَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ اُ۬لِايمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِے قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ اُ۬لْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَۖ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لرَّٰشِدُونَ (7) فَضْلاٗ مِّنَ اَ۬للَّهِ وَنِعْمَةٗۖ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞۖ (8) سورة الحجرات، الآيات: 6-8. وفي قراءة حمزة والكسائي وخلف العاشر: فَتَثَبَّتوا. |
سنورد تفاسير هذه الآيات لمعرفة سياقها ومعانيها أولا واستنباط هداياتها المنهجية ثانيا. |
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مرّ رجل من بني سُليم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غنم له، فسلم عليهم، قالوا: ما سلم عليكم إلا ليتعوّذ منكم. فقاموا فقتلوه وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ [النساء: 94] إلى قوله: ﴿ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [النساء: 94]" |
عند ذلك نزلت الآية المذكورة فحذرت المسلمين من أن تكون الغنائم الحربية أو أمثالها سبباً في رفض إِسلام من يظهر الإِسلام، مؤكدة ضرورة قبول إِسلام مثل هذا الإِنسان. |
يقول السيد قطب -رحمه الله-: احتراسا من وقوع القتل ولو كان خطأ؛ وتطهيرا لقلوب المجاهدين حتى ما يكون فيها شيء إلا لله، وفي سبيل الله. . يأمر الله المسلمين إذا خرجوا غزاة، ألا يبدأوا بقتال أحد أو قتله حتى يتبينوا؛ وأن يكتفوا بظاهر الإسلام في كلمة اللسان [ إذ لا دليل هنا يناقض كلمة اللسان ]. |
ومن ثَمّ يهتدي المرءُ من خلال الآية إلى أنّ ما يجلبه التثَبُّت من وافر المغانم الدنيوية والأخروية خير له ممّا يفوته من عَرَض الدنيا عند استعجاله إيّاه، وتركِه الأناة فيه. |
أما الآية الثانية فأراها هي العلاج المتين لهذا السلوك المُعْوَجّ، فقد أورد أهل التفسير سبب نزولها: ذكر كثيرٌ من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، حيث بعثه رسول الله ﷺ على صدقات بني المصطلق، وقد رُوي من طرق؛ منها ما رواه أحمد عن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي قال: قدمتُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعاني إلى الإسلام فدخلتُ فيه وأقررتُ به، ودعاني إلى الزكاة فأقررتُ بها، وقلتُ: يا رسول الله، أَرجِعُ إليهم فأَدعُوهم إلى الإسلام وأداءِ الزكاة، فمَن استجاب لي جمعتُ زكاته، وترسل إليَّ يا رسول الله رسولًا إبّان كذا وكذا ليأتيك بما جمعتُ من الزكاة، فلما جمَع الحارثُ الزكاة ممن استجاب له، وبلغ الإبّان الذي أراد رسولُ الله ﷺ أن يبعث إليه احتُبِسَ عليه الرسولُ ولم يأتهِ، وظنّ الحارث أنه قد حدَث فيه سُخْطَـةٌ من الله تعالى ورسوله، فدعا بسَرَوات قومه [أي: أشرافهم]، فقال لهم: إن رسول الله ﷺ كان وقَّتَ لي وقتًا يرسل إليَّ رسولَه، ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله ﷺ الخُلْفُ، ولا أرى حَبْسَ رسولِه إلا من سُخْطَةٍ كانت، فانطلِقوا بنا فنأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وبَعث رسولُ الله ﷺ الوليدَ بنَ عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمَع من الزكاة، فلما أنْ سارَ الوليد حتى بلغ بعض الطريق فَرِقَ [أي: خاف] فرجع حتى أتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبَعَثَ البَعْثَ إلى الحارث، وأقبل الحارث بأصحابه، حتى إذا استقبلَ البعثُ وفَصَلَ عن المدينة لقيهم الحارث، فقالوا هذا الحارث، فلما غشيهم قال لهم: إلى مَن بُعِثْـتُم؟ فقالوا: إليك، قال: ولِمَ؟ قالوا: إن رسول الله ﷺ بعَث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعتَه الزكاة وأردتَ أن تقتله، قال: لا والذي بعث محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالحقّ ما رأيتُه بَـتَّةً ولا أتاني، فلما دخل الحارث على رسول الله ﷺ قال: «منعتَ الزكاة وأردتَ قتل رسولي؟»، قال: والذي بعثك بالحقّ ما رأيتُه ولا أتاني، وما أقبلتُ إلا حين احتُبِسَ عليَّ رسولُ رسولِ الله ﷺ، خشيتُ أن يكون كانت سُخْطَـةٌ من الله تعالى ورسوله؛ قال: فنزلت الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} إلى قوله: {حَكِيمٌ}[الحجرات: 6-8]. أخرجه أحمد وابن أبي حاتم والطبراني» |
كان هذا هو السياق الذي روي من طرق عدة في هذه الآية. |
أما تفسير الآية فسنورد ما أتى به سيد قطب -رحمه الله-: |
ومدلول الآية عام، وهو يتضمن مبدأ التمحيص والتثبت من خبر الفاسق؛ فأما الصالح فيؤخذ بخبره، لأن هذا هو الأصل في الجماعة المؤمنة، وخبر الفاسق استثناء. والأخذ بخبر الصالح جزء من منهج التثبت لأنه أحد مصادره. |
فكيف الأخذ بالخبر ممن هو خارج الجماعة المسلمة بل وهو في خانة العدو الذي يمكر للإسلام ليل نهار وقد جُرّب مع الأنبياء من يعقوب عليه السلام إلى رسول الله محمد ﷺ فكانت شيمته الكذب وبثّ الفتن؟ |
هذا هو المنهج القويم الذي أتى به الإسلام وأمر الله به رسوله والمؤمنين أن يتخلقوا به، فأين نحن منه؟ |
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « التَّأَنِّي مِنَ اللَّهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ » أخرجه البيهقي والطبري |
ثم إن الاستعجال في استقبال الخبر وبثه بين الناس إذهاب للمروءة وإظهار للبلادة والسفاهة وإسقاط المؤمنين في اللّغو وجلب للمضرّة وكثرة الكلام بلا فائدة. |
وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله: إنما كانت العجلة من الشيطان لأنها خفة وطيش وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم، وتوجب وضع الشيء في غير محله، وتجلب الشرور وتمنع الخيور، وهي متولدة بين خلقين مذمومين: التفريط والاستعجال قبل الوقت). |
وأؤكد على أمر آخر أراه من الأمانة أن أنصح به نفسي وممن يقرأ نشرتي، إن رأيت الناس اجتمعوا كالموج الهائج على الخبر الذي لا مصدر له ولا موثوقية في أصله وفيه، وتناقلته ألسنتهم فاعتزلهم وتذكر قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ الإسراء: 36. |
أنهي هذا العدد بقول الله تعالى: |
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾ سورة الأحزاب، الآيات: 70-71. |
---------------------------------------------------------------------------------------- |
مــراجــع: |
صحيفة: AP News |
مُقترحات: |
- بما أنّ يوم الجمعة ذكرى المولد النبوي أدعوك للاستماع لمقطع مصور للدكتور فريد الأنصاري -رحمه الله- يوتيوب |
التعليقات