«لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا...» العدد #1

21 يوليو 2025 بواسطة سـامـي #العدد 1 عرض في المتصفح
«لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا...»

     بادئ بدء صلوا على خير الورى النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
 هذا أول عدد ألقيه لحضرتكم في هذه النشرة أرجو الله تعالى أن ينفعني وإياكم به ويجعلنا من المهتدين العاملين.
---------------------------------------------------------------------------------------------------
                               ميثاق النشر

سأشارككم بدءًا من هذا العدد إلى ما بعده من أعداد، ماأرى فيه نفعا وصلاحا وإصلاحا، مستأذنا الخبير العليم ومستعينا به وقارئا وكاتبا ومتعلّما باسمه فهو ربي الذي خلقني ثم علّمني فهداني. {اقرأ باسم ربّك الذي خَلَقَ ● خَلَقَ الإنسانَ مِنْ عَلَقٍ ● اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ● الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ ● عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ●}سورة العلق: 1-5.
إنني في هذا الفضاء لست بحاجة لإطراء أو محمدة على ما يُكتب، بل سأكون في أمسّ الحاجة إلى الدعاء بالهداية والتوفيق وأن أكون عاملا مُستعمَلا لهذا الدين، لا مُستَبْدَلا والعياذ بالله. 
-----------------------------------------------------------------------------
                    
‘‘إن الرّسول لسيفٌ يُستضاءُ به   مُهَنّدٌ من سيوف الله مسلولُ‘‘1 كعب بن زهير. 

1- شرح ديوان كعب بن زهير، د. محمد علي سلامة، ص: 67.

«لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا...»

     كثيرا ما نلفي هذه "العبارة النبوية" في عدد من الخُطب والمواعيظ والدروس التربوية التي تذكرنا بآخر أيام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عبارة تحمل في طياتها الكثير من الألم والخوف على المحبوب الذي يُخشى عليه من الأذى والضياع، وتنذر بانقطاع الحبل الواصل بين السماء والأرض، كلمات تزلزل الجماد قبل الحيّ... لأن النور الذي جالسه الصحابة رضوان الله عليهم واستضاءوا به، حان موعد رحيله منهيا بذلك وظيفته الموكولة إليه من الله عز وجلّ. هذا النور الذي قال عنه سبحانه وتعالى: {إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وقال عنه أيضا: { وإنّك لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وسُئِلتْ عنه أمُّنا عائشة رضي الله عنها: كيف كان خُلُقُهُ؟ فتجيبُ: كان خُلُقُهُ القُرآنُ. يخبر المؤمنين والمؤمنات والبشرية جمعاء بدُنوّ موعد الرحيل والالتحاق بالرفيق الأعلى. آخر عام يلقاهم فيه ويودّع الكلّ؛ الحاضر والغائب.
-آهٍ آهٍ حينما يغيب عن الإنسان شخصٌ قد ألف صحبته ولم ير منه إلا الخير بل ويوجّهُه إلى ما ينفعه، ويعزّ عليه أن يحيد عن الهدى. أنّى للفؤاد أن يصبر على فراقه؟-

«لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا...»

     دقيقة لوسمحتم... ليست غايتي الوقوف على العبارة كالوقوف على الأطلال والبكاء والاستبكاء. وإنما للنهوض والاستنهاض.
العديد من الدروس كما أشرت آنفا أفاضت في الحديث عن هذه الكلمات النبوية في سياق خطبة الوداع في حجة الوداع في آخر وقوفٍ للنبي صلى الله عليه وسلم بجبل عرفة.
لكن هنا لن أحدثكم عن تلكم الأمور التي أظن أنها لا تخفى عن علمكم، وإنما أنا بصدد الإشارة إلى شيء أهم أستخلصه من هذه الكلمات النبوية المُوَدّعة. وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم عبدٌ من عباد الله خلقه الله عز وجل وكتب له أجَلَهُ كَأَيِّ مخلوقٍ على هذه البسيطة، واصطفاه سبحانه ضمن رَكْبِ الرُّسُل، وأُولِي العَزْمِ، ليُبَلِّغَ رِسَالَاتِه. فكانت مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلِّغَ رسالات الله، فهو مُبَلّغٌ عن الله تعالى. { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } المائدة: 67.
 فالمفهوم من هذه الآية أن من الواجبات المنوطة بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام أن يبلّغ رسالة الله ويدعوَ إلى الله وإلى منهج الله. وهذه الرسالة هي القرآن الكريم الذي هو كلام الله المنزَّل على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلّم.

    لكن هل هذه الوظيفة انقضت وانتهت بوفاته -بأبي هو وأمي-؟ وهل هذه الوظيفة هي حكر على النبي صلى الله عليه وسلم وحده؟ ألا يمكن أن يكون المؤمن داعيا إلى الله يحذو حذو الأنبياء حاجزا لنفسه مقعدا في الرّكْبِ النبوي المُمتدّ من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم؟ وكيف ذلك؟  

    إن النبي صلى الله عليه وسلم بعبارته تلك يقول إن مهمته قد انتهت، لكنه ترك لنا شيئا وهو كلام الله؛ القرآن الكريم وسنته صلوات الله عليه؛ أي إن المسلم بعد رحيل رسول الله ﷺ  ينبغي أن يكون مبلّغا داعيا إلى الله بالقرآن الكريم وَفق المنهج النبوي.
فلا تعني عبارته تلك أنه حينما يرحل نقعد نبكي ونستبكي. بل لننهض ونعلي الهمة والعزم.
وهذا ما فعله الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة النبي صلى الله عليهم ومع ذلك فهم نفوس بشرية حزنوا وبكوا وصدموا لوفاته، لأنها أعظم مصيبة تحل عليهم، لكنهم ماتركوا الحزن وحجم المصيبة يشغلهم عن تبليغ رسالة الله وتلقي الهدى المنهاجي من القرآن الكريم والسنة النبوية.        

                        تِلكَ المُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها                وَما لَها مِن طِوَالِ الدَّهْرِ نِسيانُ

َقصيدة في رثاء الأندلس لأبي البقاء الرندي مطلعُها: لكل شيء إذا ما تمّ نُقصان  فلا يُغَرُّ بطِيبِ العيش إنسانُ

      ولعلّ قصة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مع العجوز تختزل هذه المسألة عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال أبو بكر لعمر - رضي الله عنهما - بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : انطلق إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها، فلما انتهينا إليها بكت. فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمينَ أنّ ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: إني لا أبكي أني لا أعلم أنّ ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن أبكي أنّ الوحي قد انقطع من السماء، فَهَيَّجَتْهُمَا على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم.
فأمُّ أيمن رضوان الله عليها تفقَهُ ما حصل للأمة بفقدان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أعود مرة أخرى، الصحابةُ رضي الله عنهم مباشرة بعد وفاته صلوات الله عليه نهضوا واستنهضوا الأنفس ليبقى أمر الدين قائما، ولا يُستَثْنى منهم أحد، فكلٌّ في ثغره وموضعه الذي هو فيه عمل لهذا الدين بما يناسب الزمان المكان.

«لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا...»

    حينما أخبرهم رسول الله بأن العام المقبل قد لا يلقونه لم يكن يعني ذلك أن كل شيء انتهى، والتعامل الذي كان مع الوحي تعطّل. لا ليس هذا هو المطلوب والمقصود، إن كل شيء ظلّ على حاله ماعدا أن الوحي توقّف نزوله بوفاة خاتم النبيين.

    إن  تلقيَّ الوحي بالتدبر في آياته والتأمل في معناها، وتشخيص النفس البشرية والواقع به، والتخلُّق بهُدَاه، والتدبير به.
هو نواة المنهج النبوي في تلقي القرآن الكريم، فحينما تركَنَا النبي صلى الله عليه وسلم، تركَنَا مع الهُدى المَحْض الذي به نهتدي إلى الصراط المستقيم الذي نطلبه في صلواتنا المفروضة سبعة عشر مرة.

خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبشروا وأبشروا أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: نعم، قال: فإنّ هذا القرآن سَبَبٌ طرفُهُ بِيَدِ اللهِ وطَرَفُهُ بأيديكم فتمسّكوا به فإنّكم لن تضلّوا ولن تهلكوا بعدَهُ أبداً.

الدرر السَنية: صحيح ابن حبان.

    فلعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يلقى أمّته بعد عامه ذاك، ولكن منهجه ورسالات الوحي هي من ستلقاهم.
فلم يأفل نجم النبوة بوفاة خاتم النبيين، وإنما ظلّ ساطعا بارزا في هذه الأمة وكأن نبيها حيّ.

وإنما أفُولُ النجم النبوي بِتَرْكِ الأمّةِ لهذا الحبلِ الممدود من السماء؛ تَدَبُّراً وتَدْبِيراً واحتكاما وتَحْكِيمًا، ومِنْ ثَمَّ تأتي نِقْمَةُ الاستبدال، هذا إن لم تسْبِقها لَطَمَاتٌ تُحيِي الأفراد والمجتمعات من الغمرات.

الختام

أرجو الله أن أكون قد وفقت في الحديث عن هذا الموضوع والإحاطة بما هو عملي أكثر مما هو نظري.
الأمة لازالت حيّة يلزمها فقط العودة إلى ما صلح به أوّلها، العودة إلى كلام الله ليس مجرد حفظ ألفاظ وإنما تدارسا وتدبرا بنية وقصد الاهتداء والتعامل مع الواقع.

وأخيراً أسأل الله أن يرفع عن إخواننا المستضعفين بغزة الجوع والقهر والظلم، وأن يأمن روعاتهم ويسترهم ويغنيهم فهو الغني الحميد. ويكشف الغمة عن هذه الأمة.
اللهم رب الناس ملك الناس إله الناس انصر عبادك المستضعفين في شِعب غزة وامددهم بمدد من عندك فإنك الرزّاق ذو القوة المتين مالك الملك بيدك الخير وأنت على كل شيء قدير.

***

اقتراحات:

بعض القنوات التي أحببتها ورأيت أنها هادفة وتنفع الشباب:

قناة تاريخنا تعرّفت  على هذه القناة من خلال أول مقطع فيديو شاهدته للدكتور محمد إلهامي مع مقدم برنامج 100 سؤال في التاريخ. محتوى القناة رائع، وأخص بالذكر سلسلة مائة سؤال مع محمد إلهامي، تستحق المشاهدة والإنصات.
قناة أسطرميد تنشر هذه القناة دروس ومواعيظ الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله. من أفضل المقاطع الموجودة سلسلة منازل الإيمان أنصح بالإنصات لها.

                                     سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

م. طارق الموصلليوكيل البداويAmine Ouhadi3 أعجبهم العدد
مشاركة
SAM

SAM

نشرة SAM، عدسات ترصد الأحداث من زوايا مختلفة وبلمسة إبداعية تلهمك في كل عدد.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من SAM