نشرة بدر آل مرعي البريدية - العدد #3 |
14 يوليو 2025 • بواسطة بدر آل مرعي • #العدد 3 • عرض في المتصفح |
نثر المعشرات (1)
|
|
الموت جميعًا |
في قصّة وفد تُجيب، وقبل أن ينتهوا من تسليم الصدقات سألهم رسول الله ﷺ قال: »هل بقي منكم أحد؟ « قالوا: نعم. غلام خلفناه على رحالنا هو أحدثنا سنا، قال:» أرسلوه إلينا «، فلما رجعوا إلى رحالهم، قالوا للغلام: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقض حاجتك منه، فإنا قد قضينا حوائجنا منه وودعناه، فأقبل الغلام حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني امرؤ من بني أبذى، يقول: من الرهط الذين أتوك آنفًا، فقضيت حوائجهم، فاقض حاجتي يا رسول الله. قال: »وما حاجتك؟ «، قال إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي، وإن كانوا قدموا راغبين في الإسلام، وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم، وإني والله ما أعملني من بلادي إلا أن تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني، وأن يجعل غناي في قلبي. |
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأقبل إلى الغلام -: »اللهم اغفر له وارحمه، واجعل غناه في قلبه « ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه، فانطلقوا راجعين إلى أهليهم، ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم بمنى سنة عشر، فقالوا: نحن بنو أبذى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »ما فعل الغلام الذي أتاني معكم؟« قالوا: يا رسول الله، ما رأينا مثله قط، ولا حدثنا بأقنع منه بما رزقه الله، لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها، ولا التفت إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »الحمد لله، إني لأرجو أن يموت جميعًا«، فقال رجل منهم: أوليس يموت الرجل جميعًا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »تشعب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا، فلعل أجله أن يدركه في بعض تلك الأودية، فلا يبالي الله عز وجل في أيّها هلك». |
نثر المعشرات |
1- من معاني هذا الحديث: أن أهل الكرم الكبار يهتمّون لتفاصيل ضيوفهم، فسيّد الخلق ﷺ لم يغفل عن هذا الغلام المرافق لهم. |
2- فيه: أن المهموم بشيء ينطق به دون تحضير، فهمّ الآخرة مرافق للغلام، لذا جعلها حاجته فورًا. |
3- فيه: أن الصادق يكفيه معرفة الطريق ليمضي، فقد عاش الغلام على حال واحد دون تبدّل حتى مات. |
4- فيه: صفاء قلب أصحابه بثنائهم عليه، ونقلهم لمحاسنه، ولم تأخذهم شهوة الحسد ليطعنوا ويلمزوا. |
5- فيه: أن الزهد يجمع للقلب، ويوحّد العبد، ويعصمه من شتات الأمر. |
6- فيه: أن الشأن في الحياة والممات شأن الأرواح لا الأجساد، فالموت جميعًا معناه: جميع الروح، أما الجسد فموته واحد. |
7- فيه: أن الصالح مصلح، ولو كان حييًا زاهدًا في الظهور، فقد صحّ أنه ثبّت قومه لما ارتدت العرب، فقام فيهم مذكّرًا بالله والإسلام، فلم يرجع عن الإسلام منهم أحد. |
8- فيه: أن معايير التفضيل والتقريب عند الكبار مختلفة، فقد قدّمه ﷺ في الذكر، والدعاء، والاهتمام، مع أنه كان في حاشية القافلة ولم يتصدر. |
9- فيه: أن التوحيد والزهد يورثان العبد عزّة عن تتبع ما يتوارد الناس عليه ويقتتلون، فقد قالوا عن الغلام: »لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها، ولا التفت إليها«، وهذا مشهد سموٍ وشموخ. |
10- فيه: أن الموفّق لا يحاسب نفسه بمعيار الحلال والحرام وحده، بل بأثرها عليه في سيره إلى الله. |
التعليقات