عذب الكلام- العدد #30

بواسطة عهد #العدد 30 عرض في المتصفح
خميسكم سعيد(:

يقول أجدادنا «الكلمة اللي تستحي منها.. بدّها».. هل كان لأجدادنا ذكاء عاطفي مختلف لم يؤرخ؟

وقود روحاني

في أحد أشهر قصائد نزار قباني، تغنت ماجدة الرومي بقصيدته «كلمات» وفي مختصرها تعبر امرأة عن حزنها جراء الكلمات التي حملتها بعيدًا نحو عوالم مذهلة ورومانسية برعاية قبطانٍ معسول اللسان، إلى الهبوط الحاد لأرض الواقع -مجددًا-. ومن منطلقٍ فلسفي أطرح بين يديك «قوة الكلمات» وتأثيرها الساحق على النفس البشرية الحساسة.

أحب دومًا التأمل في هذه الذات المتناقضة، «طول بعرض» ولكن تعييها وتداويها كلمة.. كيف لا؟ والكلمات -في سياق غير رومانسي مثلما كتب نزار- كفيلة أن تشعل الحروب، وتنفث على النيران، وتجمع القبائل، وتفرق الجماعات، وتحط بصاحبها في النار، أو حتى تكفل دخوله الجنة.. فصدق من قال «اللسان سلاح ذو حدين». لكن في ظلٍ اسلامي حُكّم هذا اللسان وفق ضوابط تهذبه، فالكلمة باستطاعتها أن تهدي للحق، وأن تترك أثرًا عظيمًا على النفس فـلذا قال الرسول صلّ الله عليه وسلم «الكلمة الطيبة صدقة». 

*الركادة*

*الركادة*

الكلمة المناسبة

ما هي الكلمة المناسبة؟ هي الكلمة التي في محلها، موزونة، وتلمس الوتر، وتطبطب على النفس. وعلى شيوع مفهومها إلا أنني أراها نعمة قليل من يتمتع بها ويتنعم فيها، فهي توفيق من الله عز وجل، توفيق أن يسخر لك من يناولك الكلمة المناسبة، وتوفيق أن يسخرك أنت لتقولها. وعلى العموم، فالكلمة المناسبة تأتي من مفهوم نفسي عميق له ممارسات عديدة لاتقانه، فتقبع تحت مظلة "Emotional Validation" أو تترجم لـ «التقدير العاطفي» ويعني تقدير مشاعر الشخص المقابل كيفما كانت ومهما بدت، ثم بعد تقديرك وفهمك يوفقك الله بحوله إلى القول المناسب والصحيح.

ولا يقتصر التقدير العاطفي على على «الكلمة الطيبة» ولكن من شأنه احترام مشاعر الآخر، فإن كان سعيدًا شاركته السعد، وإن كان حزينًا قدرت مشاعره بلا نقد واستخفاف، وهذه هي الزاوية التي يركز عليها التقدير العاطفي؛ فالكلمة الطيبة لها أثرها الجميل في الأوقات العادية، ولها أثرها العظيم في الأوقات العصيبة؛ فالغاية أن تخفف عن قريب أو صديق أو ربما حتى غريب. ويجري التقدير بإعطاء المساحة الكافية للشخص أن يعبر عن حزنه/غضبه، ومهما أخذتك العاطفة بعجل على التخفيف والتلافي فورًا فإن الانصات بحد ذاته مواساة، ثم التضامن فيما يشعر به الشخص «ايه والله صادق.. الموضوع صعب» / «منجد شيء يخوف وشعور مقلق». لا تحاول تكون الذيب أو المغوار الذي يعارض الشعور فورًا-ترى العجلة شينة- بل انصت وتضامن ثم أبدي كلمتك سواء كانت نصيحة أو توصية أو حتى فقط طبطبة. وتعلمك لكيفية التعامل مع مشاعر الآخرين سينعكس عليك لا محالة، وستتعلم كيف تتعامل أنت مع مشاعرك دونما العجلة لنقد نفسك ولوم ذاتك.

ما يجعلني حريصة على تهذيب نفسي وتصرفاتي هو -ربما- حاجتي لأن أقابل بذات التصرف.. وقِس على نفسك. كم مرة وقعت في كدر وشكيت لأحد -وبطيب نية- زاد رده الطين بلّه أو حتى أشعرك بتفاهة موقفك وشعورك وأنك «مكبر الموضوع على قل سنع». وتذكر أنت كم مرة ربما -بطيب نية- قللت من شعور أحدهم؟ متأكدة أننا بغير قصد قد أحبطنا أحيانًا من لجأ إلينا؛ ولهذا أهذب نفسي على الركادة والانصات الجيد، حتى أنني كلما كبرت كلما قدرت أهمية الانصات، فهو فرصة للعقل أن يستوعب ويفكر وألا يتعجل الأمور «في السرعة ندامة». 

في نهاية المطاف أنا -وربما أنت معي- لسنا بـاخصائيين نفسيًا لنحمل على عواتقنا مشاعر الآخرين، ولكننا لسنا كذلك من حجر، بل بشر من طينٍ رقيق ترويه الكلمة الطيبة والابتسامة الحسنة والرفقة الصالحة، نحب وننحب، ونقدم جل أوقاتنا إلى أحبابٍ نشاركهم الفرح والحزن على حد سواء. 

إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام.

الرسول صلّ الله عليه وسلم

للاستزادة أكثر عن التقدير العاطفي

هنا
youtu.be

وهنا
youtu.be

إلى اللقاء في نشرة أخرى.

كاتبتكم المعهودة التي تشارككم تأملاتها: عهد🌷

مشاركة
نشرة نَجوى عهد

نشرة نَجوى عهد

نَجوى عهد، نشرة بريدية اسبوعية اشارككم فيها افكاري وتأملاتي وحتى هواجيسي التي ملّت حبس مذكراتي. جسرًا بيننا تغرّد فيه افكاري بحرية!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نَجوى عهد