شاعرية الجمادات! - العدد #18

بواسطة عهد #العدد 18 عرض في المتصفح
اهداء: لكل من يحمّل التفاصيل رِقة المعنى

الإنسان بأطباعة كتلة من العظام والعضلات والمشاعر. تكتسيه المشاعر كما يكتسح الربيع المروج، والخريف البساتين. فنسعد بعضنا ونفرح بعضنا وحتى ببلاهة وغباء نحزن بعضنا. ولأن الإنسان حيّ فبطبعه أن يحيي مكانه، واينما مر مرَّ ذكره وتبقى آثره. فمن قال "يرحلون ويبقى آثرهم" صادق مائة بالمائة. لا شك أن البساتين اخضرّت من وقع البستاني، ولا شك أن المزارع أثمرت بسعي المزارع، وأكيد أن ناطحات السحاب تعلّت بهمة فريق ومهندس! يظن الإنسان أن قواهُ محدود، ولا نعلم أن كل ما يلمسه الإنسان تدبُّ فيه الحياة بشكلٍ أو آخر، لأن الإنسان ببساطة .. كتلة مشاعر! والمشاعر هذه كترياقٍ سحري أو لمسة سحرية تجعل للجمادات وقعٌ وأثر وروح!.

صورة حيّة التقطتها صديقتي بعدما رحلنا في آخر يومٍ دراسي، لما تبدو الكراسي والطاولة بكل هذه الشاعرية؟؟

صورة حيّة التقطتها صديقتي بعدما رحلنا في آخر يومٍ دراسي، لما تبدو الكراسي والطاولة بكل هذه الشاعرية؟؟

شاعرية الجمادات؟!

سؤال يراودني، لما تبدو القطارات دومًا بهذه الشاعرية؟ إنها مجرد سكك حديدة ومقطوراتٍ متصلة، ربما لأنها تحمل في طياتها حقيقة الرحيل ووقوع الوداع. تتشارك ساحات المطارات الفسيحة ذات الشاعرية. وماذا عن القرى المهجورة التي نمرّ عليها في طريق السفر لما يبدو أنين رياحها مختلف؟ ما الذي تحاول جدرانها الهزيلة قوله؟. ولما نجوم الليل قِبلَة كل شاعر؟ وهي اجزاءٌ مشعة عجوز أكبر من عمر الإنسان وكوكبه. ولما القمر دومًا مركزًا للناظرين؟ ولما يبدو الغروب كل يومٍ بهذا السِحر والحزن كأن الشمس تودعنا رغم أننا نعلم أن الشمس غدًا ستشرق.. مجددًا؟!. ومن الذي افترض أن الورد رومانسي؟ رغم حقيقة قطف عنق الوردة من رحِم ارضها لاهداءها، ولما يذكرنا احتراق العود بالمناسبات السعيدة؟ رغم حقيقة احتراقه. ولما ارتبطت اغاني القديرة فيروز ارتباطًا وثيقًا في الصباح؟ رغم القدرة على تشغيلها كل وقت. وماذا عن شاعرية الحدائق وألعابها المحتضرة؟

صورة التقطتها وصفها المناسب أن تبحث عن(قصيدة الغروب) للراحل الأديب غازي القصيبي -رحمه الله- 

صورة التقطتها وصفها المناسب أن تبحث عن(قصيدة الغروب) للراحل الأديب غازي القصيبي -رحمه الله- 

لما تبدو كل الجمادات حولنا مفعمةً بالمشاعر! لم تدب الروح يومًا في جماد. اتذكر دومًا قول محمود درويش:

"وإن اعادوا لنا الأماكن.. فمن يعيد الرفاق؟"

اظن أن هذا البيت من أطلق العنان لهاجس هذه النشرة، وأظن أنه الشرارة التي جعلتني أستذكر شاعرية الجمادات من حولي، ليست الأماكن والجمادات بعينها من تحمل المشاعر بل لعلّها "حُملِت" كرهًا أو حبًا. فكيف ستكون دهاليز المحطات وساحات المطارات بهذه الشاعرية لو لم يفارق أحدهم مُحِبه؟ ربما لن نسمع حينها قصيدة المسافر للأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن:

لا تلوح للمسافر..المسافر راح.. ولا تنادي للمسافر.. المسافر راح.. يا ضياع اصواتنا في المدى والريح.. القطار وفاتنا.. والمسافر راح!

وقطعًا لن يكون لخِفة الورد ثقلها لو لم تهدى للاحبة أو تقارن بمُحِبة مثل اغنية عذبة الأطباع لفنان العرب شاديًا:

لو سألني الورد عنك .. علميني وش أقول.. وأن وصفت أول جمالك .. كيف ابوصل آخره.. و انتِ روضة من حلاها .. كحَّلت عيني الفصول..لرقّتك وردة. 

واخيرًا، لن تموت الجمادات وإن لم تدب الروح فيها إلا عندما نموتُ وتموت مشاعرنا الجيّاشة، وتموت معها لمساتنا الساحِرة، ونتوقف كسو اللحظات من حولنا بأجزاء من أرواحنا. وأقول أنا-ولست أحسن الموصين- لا تتوقفوا عن إعطاء تفاصيلكم صادق احساسكم وعذب مشاعركم، لما لا؟ ما أرق الحياة عندما تتلو النفس طيب اطباعها، وما احلاها النفس عندما يكون القلب مرتعها في الحديث والتصرف. 

إلى اللقاء في نشرة قادمة يكتسيها صادق الحب.

كاتبتكم المعهودة: عهد🌷

May1 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة نَجوى عهد

نشرة نَجوى عهد

نَجوى عهد، نشرة بريدية اسبوعية اشارككم فيها افكاري وتأملاتي وحتى هواجيسي التي ملّت حبس مذكراتي. جسرًا بيننا تغرّد فيه افكاري بحرية!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نَجوى عهد