نشرة يوسف البريدية - العدد #2

16 يناير 2025 بواسطة يوسف #العدد 2 عرض في المتصفح
لا تريه منها سوي الفضيلة 

قال المنفلوطي:سيقول كثيرٌ من الناس: "قد غلا الكاتب في حكمه وجاوز الحدَّ في تقديره، فالفضيلة لا تزال تجد في صدور كثيرٍ من الناس صدراً رَحباً، ومورداً عذباً".وإني قائلٌ لهم قبل أن يقولوا كلمتهم: "إني لا أُنكر وجودَ الفضيلة، ولكني أجهلُ مكانها، فقد عقد رياءُ الناس أمام عينيَّ سحابةً سوداءَ أظلمَ لها بصري، حتى ما أجدُ في صفحة السماء نجماً لامعاً ولا كوكباً طالعاً."

انتهى كلامه رحمه الله.

وإني قائل: رحم الله المنفلوطي.كان لا يرى من نفسه سوى الفضيلة، وكانت نفسُه لا تُريه منها سوى الفضيلة.فكيف بمن يرى الفضيلة، ويعرف أنها كامنةٌ موجودةٌ، وأين يجدها، وتصدُّه نفسُه عنها؟!

أحياناً أشعر أن الفضيلة متجذِّرةٌ كلَّ التجذُّر في الإنسان، وأن كلَّ إنسانٍ مهما كان به من سوءٍ وفسادِ خُلُق، إلا أن الفضيلة آخذةٌ في التجذُّر أكثر فأكثر بداخله.

هل الإنسان يعي أنه إنسان؟

سؤالٌ يُحيِّر، وسؤالٌ أُغفِلَ عنه كثيراً:

  • هل الإنسان مَلَكٌ كريم؟ كيف وهو خطَّاء؟
  • هل هو شيطانٌ رجيم؟ كيف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يقولَنَّ أحدُكم خبُثَت نفسي."
  • هل هو إنسان؟ ستظنُّ أن هذا سؤالٌ غبيٌّ من شخصٍ أغبى.

لكن الصيغة الصحيحة للسؤال: هل يعي الإنسانُ أنه إنسان؟
كثيراً ما أرى أُناساً كثيرين يريدون أن يصلوا إلى درجة الملائكة الكرام، وكثيراً ما أرى أُناساً يصلون - بغير وعيٍ - إلى أن يكونوا شياطين، والعياذُ بالله.

لكن ترى، هل يريد الإنسان بوعيٍ أن يكون شيطاناً رجيمًا منبوذاً مطروداً من رحمة الله والأنس بالناس؟

كيف وأصل كلمة الإنسان في اللغة من "أَنَسَ"، على اختلاف الأقوال؟

أشعر أحياناً أني أريد الذهاب ناحية الفضيلة بكل جوارحي، لكن تمنعني نفسي. وأحياناً تُملِي عليَّ نفسي - بدون وعيٍ مني - أن أذهب منقاداً إلى الفضيلة، بدون تفكيرٍ في عواقب الأفعال ولا مآلات الأمور.

نعود إلى نص المنفلوطي:أنا متفقٌ تماماً مع كلامه، رحمه الله. لكن:

  • هل يجهل الناس مكان الفضيلة بالفعل؟
  • أم هو عاش في زمنٍ لم يستطع فيه أن يغطي جانب الرذيلة لينظر إلى الجانب المشرق، "نصف الكوب المملوء"؟
  • هل هو متشائم؟
  • أم هو يصف الواقع الذي لم أعايشْه بعد خير المعايشة؟

أنا الآن شابٌّ في التاسعة عشرة من عمري، ولا أعلم من الدنيا سوى القليل القليل:

  • لا زلت طالباً جامعياً.
  • لم أتعامل في المال بشكلٍ كبير.
  • لم أُخالط بشراً كثيرين.
  • لم أختبر صدق البشر بشكلٍ يؤثر تأثيراً كبيراً على حياتي.

فهل يصف هو ما لا أستطيع رؤيته الآن؟

أرى كثيراً من الناس، وفي نفسي شيءٌ منهم بدون سببٍ أو بسبب.وأُطلق أحكاماً كثيرةً في بعض الأحيان، بل وأحياناً يخرج هذا الأمر من نفسي فأبوح به للورقة والقلم أو للآخرين.

أحياناً أشعر أن الرياء معقودٌ على وجوههم عُقدةً لا تنفكُّ ولا تنقطع.
وأحياناً أراهم مغبونين، ولا يعلمون أن هناك شيئاً اسمه رياء من الأساس.
وأحياناً أشعر أني أستكثر على أحدٍ أن يعلو فوقي.

لا أعلم أيُّ شعـــــــــــــــورٍ صادق.

لكن أحياناً أرى الكثير والكثير من الناس، أشعر أنهم صادقون، لا يريدون غير الحق.فلماذا أرى هذا الصنف هكذا، وذاك هكذا؟

لا أعلم.

كان ابن الزبير يقول: "لا عاش بخيرٍ مَن لم يرَ برأيه ما لم يرَ بعينه."
إلا أن أمي كانت تقول لي: "أحياناً نشعر ببعض الأشياء وتكون صادقة."

قد يكون مرادها: "القرد في عين أمه غزال!"🫣

وفي النهاية أقول:

  • أحسن الظنَّ بأخيك المسلم.

    لاتَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ على بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا. المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التَّقْوى هاهُنا. ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرّاتٍ. بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ. كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرامٌ؛ دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ.الراوي: أبو هريرةمسلم،صحيح مسلم (٢٥٦٤)[صحيح]أخرجه البخاري (٦٠٦٤) مختصراً، ومسلم (٢٥٦٤).•  

  • وهذه وصيةٌ نبوية: "لا تخذُلْه، ولا تكذبْه، ولا تحقرْه."
  • واعلم أن التقوى محلُّها القلب.
  • وبحسب امرئٍ من الشرِّ أن يحقرَ أخاه المسلم.

وقال الشاعر:
وإنِّي لأرجو الله حتى كأننـــــــي
أرى بجميلِ الظنِّ ما اللهُ صانعُ.

Mohamed walidAhmed wasim2 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة يوسف البريدية

نشرة يوسف البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة يوسف البريدية