نشرة فسحة صبا الزيود البريدية - العدد #2

21 مايو 2025 بواسطة صبا الزيود #العدد 2 عرض في المتصفح
 السلام عليكم، يصلكم العدد الثاني من هذهِ النشرة البريدية في يوم الأربعاء الموافق الواحد والعشرين من شهر آيار اليوم لسنة 2025م.

في بحثي عن فسح أستريح فيها من سرعة الحياة وسطوتها علي، تذكرتُ حادثة قد حدثت لي مع أم لطفل "توحدي"، تقول هي إن تشخيص طفلها "متلازمة أسبرجر"، والحق يُقال لا أحد اليوم يستطيع الجزم بأن متلازمة أسبرجر قد تظهر لوحدها بدون أعراضٍ وتشخيصاتٍ أخرى، ولكني أعرف من نفسي ومن خبرتي أن الأمهات، لأنهن يشعرن بالنقص من وجود طفلٍ ذي احتياجٍ خاص بين أطفالهن أو أطفال العائلة، يُحببن أن يُسمين أطفالهن بأسماء أخف وطئًا أو هكذا تظن.

نعود لحادثتنا، جاءت تلك الأم تقود صغيرها البالغ من العمر التاسعة، طويل القامة، كان أطول مني، أشقر، ذو عينين مائلتين إلى الخضرة، لا ينظر أبداً في العينين بشكلٍ طبيعي، وهذا ما نسميه "نقص التواصل البصري أو انعدامه"، ومن دخول الطفل عليّ عرفتُ بأنه طفلٌ توحدي، نعرف ذلك من طريقة تواصله وحركاته والكثير من الأعراض التي يطول شرحها هنا، بطبع لا نجزم بأنه توحدي أو غيره إلا بتشخيص من دكتور نفسي.

قالت الأم: طفلي حركي جداً لا يستقيمُ على حال، ولا يجلس لمهام أو لأكل أو لغيره، ويسهر كثيراً ولا ينام إلا في التاسعة صباحاً، وهي تتحدث ركض طفلها خارج القاعة التي كنا فيها، وتوجه لساحة المدرسة يقفز ويقفز دون هوادة، ركضت الأم خلفهُ وأحضرته، لم أركض بالطبع لأن بطني لم تكن تحملني فكنتُ حاملاً في الشهر السادس، وبالطبع لأنها المرة الأولى ونريدُ أن نرى الأعراض بجميع حالاتها، عادت ومعها الطفل وهي تلهث، قالت لي: هل رأيتِ ذلك؟ إنه لا يهدأ أبداً، كيف لكِ أن تضبطيه في الفصل وهو سيهرب منكِ كل دقيقة؟ قلت لها ببساطة: سأغلق الباب بالمفتاح مبدئياً، وبعدها لكل حادثٍ حديث. استغربت الأم من تبسيطي للأمور، والظاهر أن أسلوبي الهادئ استفزها، فقالت: كلكم تقولون ذلك ولا أحد يستطيع فعل شيء!

شرحتُ لها تالياً عن الطرق والأساليب التي نعدّل بها السلوك، وإلى ما ذلك، حتى اقتنعت، ولم تكن جلسات مدفوعة، الجلسات مقدمة من المنظمة التي أعمل معها بشكلٍ مجاني بالكامل، لذا ما كان منها إلا أن بدأت الجلسات، تتأخر أيام، تغيب أيام أكثر، تتعذر بالكثير من الأعذار، عدّلتُ موعد جلساتها العديد من المرات ليناسبها ويناسب نوم طفلها، اضطررتُ أحياناً للتواصل معها عن طريق برنامج الزوم ساعات وساعات، ولكن لا فائدة.

هل تنتظرين مني أن أقول لكِ بأن الطفل تغير وأصبح عالم زمانه واستقامت أحواله؟ كلا عزيزتي، فلم يتغير أبداً، فعدم التزام الأم بالجلسات جعل من المستحيل تغيير سلوك الطفل وتحسنه، مع أنه طفلٌ ذكي وقد يتحسن جداً إذا ما اعتُني به أكثر.

ما أريد قولهُ لكِ اليوم: الالتزام بالمكروهات هو ما يجعل المحبوبات متاحة، لا تنتظري فسحًا وأطفالًا أسوياء دون التزام بروتين معين، ودون إجبار نفسك على مهام معينة في اليوم. هذه الأم كرهت إيقاظ طفلها صباحاً خشية ألا تحظى بنومٍ أكثر، فذهبت جلسات الطفل هباءً. أعلم تماماً بأنها لم تكن تحظى بالنوم الكافي، ولكن التزامها بالجلسات واتباعها تعليمات ذهابها لطبيب يعالج مسألة النوم، كان من الممكن لطفلها أن يتغير وينام بشكلٍ طبيعي، ويعلم ربي بأني تألمت جداً لحاله وأردتُ أن يتحسن، ولكن ما الفائدة إن لم تكن الأم واعية بما يكفي بما سيعين طفلها ويجعلهُ أقوى وأفضل؟ لا أقول هذا وأنا غير مطلعة على ظروف الأم، بل كنت مطلعة جداً وأعرف ما يدور في منزلها، ولكنها اختارت الأريح على الأفضل والأهم، أريد أن أوصل لك هذهِ الفسحة التي سوف تحمدين الله عليها ليلاً نهاراً، ولا أريدك أن تحصلي على راحات منغصة متقطعة مستنزفة.

الروتين، الروتين عزيزتي الأم، هو ما يجعل يومكِ أفضل، وفسحتكِ أجمل، وطفلكِ سليمًا معافى صالحًا كما تحبين إن شاء الله.

أخبرينا بروتين اتبعتيه ونجح في تحسين جودة حياتك.

إلى لقاء إن شاء الله في فسح أكبر الأسبوع القادم، أنتظركم بشوق.

Farah ezzeaAmnaaj2 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة صبا الزيود البريدية

نشرة صبا الزيود البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة صبا الزيود البريدية