الغِلاف الرقيق

7 مارس 2024 بواسطة حُجر #العدد 1 عرض في المتصفح
الغِلاف الرقيق

بعد أن حملتُ حاجات منزلي وخرجت بها من المتجر مطمئناً منتشياً بدوري تجاه زوجتي وأهل بيتي وكأنني أقوم بدوري الذي تقوله الدكتورةآلاء نصيف أنني أساعد أهل بيتي في زيادة الإنتاج القومي ماضٍ إلى مركبتي وفي الطريق إذ بتلك المركبة الصغيرة تحملُ تلك العجوز وإذبها في ميدان المتجر تقدم وتؤخر مركبتها بكل هدوء وسكينة وتدور بمقود سيارتها براحة تامة وأنا ماضٍ بجانب سيارتها ، فلما رأيت هذاالمنظر أعادت لي ذاكرتي السقيمة التي تستحضر كل حدث مشؤوم , وإذ بها تذكرني بتلك التي دخلت بسيارتها المطعم فانتشلت جائعاًيأكل ليسد جوعه وتاجر يسوس رزقه ثم انتقلت بي هذه الذاكرة إلى أخرى دخلت محل تموينات صغير وحطمت زجاجه وواجهته وأطارتبالبائع المسكين وهو على كرسيه يعد نقوده ومكسبه الذي سينفقه على متجره الذي عبثت به تلك الحسناء بعد أن تخرج من سيارتها وتقدم لهالعذر اللطيف المفخخ بصوت ناعم ( آسفة والله ما كان قصدي ) .

تذكرت هذين المشهدين وكم كانت الذكرى مؤرقة فلم أجد نفسي إلا مرتعداَ وَجِلاً كادت حاجاتي أن تسقط من يدي وكم تمنيت أن أفرَّ من هذهالتي تترقبني لأستوي جيداً أمامها بعد أن أصبح بين مركبتي و مركبتها حتى تتمثّل المقولة (عصفورين كبيرين بحجر صغير ) و أنا أنظربعينين عينٌ على الصياد المتوحش المرتقب للفريسة وعين على مخرج الفرار فليس لي حاجة في هذه اللحظة إلا أن أنجو بجلدي ولا أخفيكمأنني كدت وهممتُ بذلك وحدثتني نفسي وشجعتني أن أقف أمام هذه الأم بشجاعة عنترة وبفصاحة سهيل بن عمرو وإقدام عمرو بن معديكرب وبلاغة قس بن ساعدة لأقول لها ما خشيه الأفذاذ من رجالها أن يقولوه ( يا أماه ! أليس لك أبناء تقومين برعايتهم ؟ أو زوج تخدمينه ؟أو بيت تأوين إليه ؟ أو صديقات في بيوتهن تتحدثين إليهن ؟ أبعد هذا العمر تأتين وترعبينني أنا وقُرنائي ونحنُ في أوجِ اليفاعةِ والشباب ؟يا أماه ذهب من العمر الكثير ولم يبقَ إلا القليل فاتركي لنا الشقاء وابقي في نعيم الإعداد للآخرة , وانعمي باطمئنان على حفيد و سؤال عنصاحبة مريضة و قيام بحق جارة مهذبة . 

ولكن , ولا تأتي لكن إلا بعد همة أضعفتها هنة , تأملت في أمري إذا قلت لها ذلك ثم أنهت كل آمالي وطموحاتي وسابق ثقتي في نفسيبقولها ( وما شأنك أنت بي ؟ ) فاستدارت همتي للوراء و ركزت نظري أمامي وحثثت أقدامي في مسيري وشددت بيدي على حويجاتي وإذبي أنجو بعد أن جف ريقي واستقللت مركبتي ومضيت بالسلامة إلى منزلي ثم ألبست الجبن الذي أصابني بلباس الذكاء الاجتماعي وقداطمأنت نفسي لذلك  الغلاف الرقيق .

مشاركة
نشرة حُجر البريدية

نشرة حُجر البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة حُجر البريدية