هل سيجعل الذكاء الاصطناعي التوليدي العثور على وظائف جيدة أكثر صعوبة؟

بواسطة د. فادي عمروش #العدد 99 عرض في المتصفح
أمام الدول النامية فرصة حاسمة لاعتماد الذكاء الاصطناعي، مما قد يعزز مكانتها في القطاعات المتقدمة ذات القيمة الاقتصادية العالية.

لا يخفى على أحدٍ أنَّ الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) تقنية ثورية تزيد الإنتاجية في قطاعات الخدمات المتقدِّمة، لكنَّه في الوقت ذاته يثير بعض المخاوف بشأن تأثيره على سوق العمل، إذ قد يؤدِّي إلى تقليص الحاجة إلى وظائف تتطلَّب مهارات متخصِّصة قبل أن تصل الاقتصادات النامية إلى مستويات دخل مرتفعة، وهذا يجعل من الصعب على الخريجين الجدد تأمين وظائف تتناسب مع مؤهِّلاتهم.

وفي السياق ذاته، دعا البنك الدولي الدول النامية إلى تبنِّي الذكاء الاصطناعي بسرعةٍ للاستفادة من القطاعات المتطوِّرة التي تساعد في تحفيز النمو الاقتصادي، محذِّرًا من أن التأخُّر في التكيُّف مع هذه التكنولوجيا قد يؤدِّي إلى تفاقم البطالة واستمرار الركود الاقتصادي.

تحديات بطالة الشباب: هل الذكاء الاصطناعي التوليدي هو الحل أم جزء من المشكلة؟

تُشكِّل البطالة بين الشباب وضعف فرص التوظيف تحديًا عالميًا متزايدًا، خاصة بين خريجي الجامعات. فقد استثمرت الأسر لعقود في تعليم أبنائها، أملاً في حصولهم على وظائف تتطلَّب مهارات متخصِّصة مثل القانون، والتمويل، والهندسة، والدبلوماسية. ونتيجة لذلك، تضاعفت نسبة الالتحاق بالتعليم الجامعي عالميًا، إذ ارتفعت من 14% عام 1990 إلى 42% في عام 2022.

ومع ذلك، لم تتحقَّق آمال أناس كثر، إذ أظهرت الإحصائيات أن واحدًا من كل خمسة شباب حول العالم كان خارج سوق العمل أو التعليم أو التدريب في عام 2023، وكانت النساء الأكثر تأثرًا، إذ شكّلن ثلثي هذه الفئة، وفي الولايات المتحدة، يعمل أكثر من 50% من الخريجين الجدد في وظائف لا تتطلب شهادة جامعية. أما في الدول النامية، فالأزمة أكثر حدَّة، إذ تعاني هذه الدول من فجوةٍ كبيرةٍ في توفير فرص عمل تتناسب مع مؤهِّلات الشباب. 

يرتكز تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي على الوظائف في قطاعات الخدمات المتقدِّمة، والتي تتطلَّب عادة مهارات عالية ويشغلها خريجو الجامعات. على عكس الموجات السابقة من الأتمتة التي ركَّزت على تسهيل المهمَّات الروتينية، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمتلك القدرة على توليد الأفكار والمحتوى، مما يجعله مؤثرًا على العديد من الوظائف المكتبية.

تشير الدراسات إلى أن الوظائف الأكثر عرضة للتأثر بالذكاء الاصطناعي التوليدي تكون في قطاعاتٍ مثل:

  • التمويل والتأمين.
  • خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
  • الخدمات المهنية (الاستشارات، المحاماة، المحاسبة).

في الواقع، إنَّ هذه القطاعات من أكثر المجالات اعتمادًا على التكنولوجيا، مما يجعلها عرضة لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، ومع تزايد الاعتماد على الأتمتة، أصبح من الصعب تحقيق نمو اقتصادي قائم على التصنيع، مما دفع العديد من الدول النامية إلى الاعتماد على قطاع الخدمات المتقدمة كمحرك للنمو، لكن رغم التحولات الرقمية؛ لم تُحقِّق هذه القطاعات بعد زيادةً كبيرةً في توفير الوظائف.

في الدول النامية، ما تزال نسبة التوظيف في هذه القطاعات منخفضة للغاية، إذ تُشكِّل:

  • 6%-10% فقط في الدول متوسطة الدخل العليا.
  • 0%-4% فقط في الدول متوسطة الدخل والدول الفقيرة.

حتى في الدول التي تُعرف بصادراتها في قطاع الخدمات، مثل الهند والفلبين، لا تتجاوز مشاركة هذا القطاع في التوظيف نسبة 3% من إجمالي الوظائف.

تشير تحليلات البنك الدولي إلى أن التأثير الإيجابي للذكاء الاصطناعي قد يكون أقل من المتوقع على المدى القصير، إذا لم يتم تبنيه على نطاق واسع. وتُظهر البيانات أن:

  • من المتوقَّع أن يتراجع أو يستقر نصيب التوظيف في القطاعات المتقدمة، كما حدث مع الوظائف الصناعية التي تراجعت مع ازدياد الأتمتة.
  • رغم أن ارتفاع الدخل يزيد الطلب على الخدمات المتقدِّمة، فإن الذكاء الاصطناعي قد يقلِّل من الحاجة إلى الموظفين ذوي المؤهلات العالية، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على العمالة غير الماهرة.
  • في الدول النامية، قد يتسبب الذكاء الاصطناعي في "الإقصاء المهني المبكر"، إذ تصل نسبة العمالة في القطاعات المتقدِّمة إلى ذروتها بسرعة، ثم تبدأ في الانخفاض قبل أن تحقِّق الدول مستويات دخلٍ مرتفعةٍ.
  • قد تجد الدول النامية نفسها محاصرةً في قطاعات تصدير المواد الخام والزراعة والخدمات منخفضة المهارة، إذا لم تسرِّع من تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي.

أما في حال تبنَّت الدول النامية الذكاء الاصطناعي بسرعةٍ وفعاليةٍ، فقد تتمكَّن من تعزيز ميزاتها التنافسية في الخدمات المتقدمة والصناعات الرقمية.

لاشكَّ أن أمام الدول النامية فرصة حاسمة لاعتماد الذكاء الاصطناعي، مما قد يعزز مكانتها في القطاعات المتقدمة ذات القيمة الاقتصادية العالية. ففي الوقت الحالي، يدعم الذكاء الاصطناعي زيادة الطلب على الوظائف ذات المهارات العالية، ولكن هذه الفرصة قد لا تدوم طويلًا.ومع دخول 1.2 مليار شاب سوق العمل في الدول النامية خلال العقد المقبل، فإن مستقبل الوظائف يعتمد بشكل كبير على مدى قدرة هذه الدول على مواكبة الثورة الرقمية والاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

دمتم بخير

المصدر: https://social.desa.un.org/sdn/will-generative-ai-make-good-jobs-harder-to-find

مشاركة
نشرة خارج الصندوق البريدية

نشرة خارج الصندوق البريدية

نشرة دورية تصدر كلّ يوم سبت، يصدرها د. فادي عمروش تتضمن فكرة خارج الصندوق مع اغناءها بالروابط وما بين الكلمات، لتقول وجدتّها

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة خارج الصندوق البريدية