خطر التزييف العميق: عندما يصبح الواقع اصطناعيًا |
بواسطة د. فادي عمروش • #العدد 96 • عرض في المتصفح |
مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، يتزايد خطر التزييف العميق ليصبح تهديدًا وجوديًا للحقيقة نفسها
|
|
تحياتي |
في كلمته في قمَّة المعرفة، “مفاهيم جديدة للمعرفة في عصر الواقع الافتراضي”، ناقش المستشار والباحث في الذكاء الاصطناعي التوليدي والتر بسكواريلي التأثير العميق للذكاء الاصطناعي التوليدي على فهمنا للمعرفة والواقع، مشيرًا إلى التحديات الجسيمة التي يفرضها التطور السريع لهذه التقنية، خاصة في قدرتها على إنتاج محتوى غير حقيقي لكنه شديد الإقناع، ومن بين أخطر هذه التطورات، حذر بسكواريلي من “التزييف العميق (Deepfake)” ، الذي يهدِّد أسس الحقيقة والمصداقية في العالم الرقمي. |
ما هو التزييف العميق؟ |
التزييف العميق هو تقنية تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء صور ومقاطع فيديو مزيفة لكنها تبدو واقعيةً بشكلٍ مذهلٍ، وكما أوضح بسكواريلي، فإن هذه التكنولوجيا لم تعد مقتصرةً على المختبرات البحثية، بل أصبحت متاحةً للجميع، مما يفتح الباب أمام استخدامها لأغراض غير أخلاقية، مثل نشر الأخبار الكاذبة، والتلاعب بالرأي العام، والاحتيال المالي، وانتهاك الخصوصية. |
مخاطر التزييف العميق |
تطرَّق بسكواريلي إلى العديد من الحوادث التي تجسِّد الخطر المتزايد لهذه التقنية. فمثلًا، في مجال السياسة، يُستخدم التزييف العميق لتضليل الناخبين عبر إنتاج مقاطع فيديو لمرشحين سياسيين وهم يقولون أو يفعلون أشياء لم تحدث إطلاقًا، مما قد يؤثر على نتائج الانتخابات، أما في القطاع المالي، فقد روى بسكواريلي حادثة حقيقية إذ استخدم قراصنة إلكترونيون تقنية التزييف العميق لانتحال شخصية المدير المالي لإحدى الشركات، مما أدى إلى تحويل 25 مليون دولار إلى حساباتٍ وهميةٍ. |
وفي مجال الثقافة والإعلام، انتشرت صور وفيديوهات معدلة لشخصيات مشهورة، مثل صورة البابا مرتديًا سترة بالنسياغا (Balenciaga) ، والتي بدت واقعيةً إلى درجة دفعت الفاتيكان إلى نفي صحتها رسميًا. بالإضافة إلى ذلك، انتشرت مقاطع موسيقية مزيفة تُعيد إنتاج أصوات فنانين راحلين، مثل فريدي ميركوري (Freddie Mercury) ، مما يثير تساؤلات حول حقوق الملكية الفكرية والأخلاقيات الفنية. |
الحاجة إلى قوانين تنظيميةٍ ووعيٍ إعلاميٍّ |
أكد بسكواريلي أن مواجهة هذه التحديات تتطلَّب تشريعات صارمة تضع ضوابط واضحة لاستخدام هذه التكنولوجيا، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي قد بدأ بالفعل في سنِّ قوانين تهدف إلى الحد من إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي. في المقابل، أشار إلى أن الولايات المتحدة تتبنى نهجًا أكثر مرونة، مما قد يسمح بازدهار الابتكار ولكن مع مخاطر أقل ضبطًا. |
بالإضافة إلى التشريعات، شدد بسكواريلي على أهمية الوعي الإعلامي والتفكير النقدي كوسيلة رئيسة لحماية المجتمع من التضليل الرقمي، فمع انتشار التزييف العميق، يصبح من الضروري أن يتمتع الأفراد بقدرةٍ على تحليل المحتوى الرقمي، والتشكيك في مصادر المعلومات قبل تصديقها أو مشاركتها. |
إلى أين نحن ذاهبون؟ |
مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، يتزايد خطر التزييف العميق ليصبح تهديدًا وجوديًا للحقيقة نفسها، وكما أشار بسكواريلي، فإن التحدي الأكبر ليس فقط في تطوير أدوات لاكتشاف المحتوى المزيف، ولكن في تعزيز الوعي المجتمعي ليتمكن الأفراد من التعامل بذكاء مع هذه التقنيات، فهل نحن مستعدون لمستقبل يصبح فيه الواقع والخيال متداخلين إلى حدٍّ لا يمكن تمييزه؟ |
نحن نعيش في عصر يتغير فيه مفهوم الحقيقة والواقع بشكل غير مسبوق.فإذا بدا لكم شيء ما واقعيًا وأثار مشاعركم، فهل يكون حقيقيًا حقًا؟ |
إنَّ الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على قدرتنا كمجتمع على التكيف مع هذه التغييرات، من خلال تطوير سياسات تنظيمية، وتعزيز الثقافة الإعلامية، والتأكيد على أهمية النزاهة الرقمية في عالم تتسارع فيه وتيرة التقدم التكنولوجي. |
دمتم بخير |
فادي |
التعليقات