الذهب الرقمي - العدد #3

بالتطور التقني الحاصل تغيرت العديد من الأشياء في حياتنا وعلى جميع الأصعدة، في السابق كان الاستثمار وشراء سهم في شركة ما أمر صعب للغاية، ومن ناحية الصعوبة مازال الأمر كذلك لحد الساعة ومدى الصعوبة يختلف من دولة لأخرى.

لكن وكعادة التقنية تسهيل وتيسير حياة البشر، سهلت التقنية هذا الجانب أيضا وأصبح الاستثمار في شركة ما أو مشروع ما يتم بضغطة زر عن طريق تطبيقات مخصصة لذلك لعل أبرزها تطبيق "robinhood".

وبما أننا في نشرة رسائل مشفرة نركز على العملات الرقمية المشفرة والبلوكشين، فهنا يمكن القول أنه يمكن وببساطة الاستثمار وشراء العملات الرقمية المشفرة لمشروع أو شركة ما، من أي مكان وبأي مبلغ مالي.

حيث يكفي التسجيل في أحد منصات تداول العملات الرقمية المركزية ثم الشراء بالوسائل التقليدية سواء تحويل بنكي أو بطاقات ائتمان.

ما نود قوله هو أن عمليات الاستثمار أصبحت متوفرة ومنتشرة وبوسائل وبطرق مختلفة لم تكن متوفرة من قبل، خاصة بعد ظهور العملات الرقمية المشفرة وتبنيها من الأفراد والمؤسسات المالية الضخمة التي خصصت لها صناديق ومؤشرات خاصة للسماح لمستخدميها بالتعرض لها.

يبقى هنا التركيز على تطوير الذات في هذا المجال والإطلاع، للظفر باستثمار جيد قد يغير الحياة للأفضل.

في هذا العدد سنتطرق لـ:

• البيتكوين ذهب رقمي.
• هل توفر العملات المشفرة سبلا للتهرب من الرقابة؟
• العملات الرقمية للبنوك المركزية CBDC.
  

1. البيتكوين ذهب رقمي:

كثيرا ما يقع الجدل عند تشبيه البيتكوين بالذهب وأن البيتكوين عبارة عن ذهب رقمي.

حيث يرى مؤيدو البيتكوين أن البيتكوين مثلها مثل الذهب تخزن القيمة وليست مرتبطة بالأسواق المالية الأخرى كأسواق الأسهم، ويمكن ووبساطة اللجوء إليها في حالة الرغبة في التحوط من التضخم أو الانهيارات المالية المتكررة.

يرى المتحمسون للبيتكوين أن العملة المشفرة البيتكوين هي ملاذ آمن ويمكن للعملة المشفرة أن تكون بمثابة تحوط ضد عدم اليقين الاقتصادي العالمي وتضخم الأسعار، مما يقلل من القوة الشرائية للعملات السيادية مثل الدولار الأمريكي أو اليورو الأوروبي.

وجرى تشبيه البيتكوين بالذهب الرقمي لاشتراكهما في العديد من الخصائص لعل من أبرزها:

• الندرة.
• محدودية العرض.
• القيمة.

إلا أن الذهب مازال بعيد بأشواط عن البيتكوين حيث أن القيمة السوقية الاجمالية لمعدن الذهب يفوق 12 تريليون دولار.

بينما عملة البيتكوين مازالت تكافح لبقاء قيمتها السوقية فوق 1 تريليون دولار (في الوقت الحالي تقدر بـ785 مليار دولار حسب coinmarketcap).

إلا أن البيتكوين أصل ظهر منذ 13 سنة فقط بينما الذهب منذ عدة قرون.

وعليه وبحسب بعض المحللين فإنها مسألة وقت وحسب حتى تتضاعف القيمة السوقية للبيتكوين أضعاف مضاعفة ما هي عليه اليوم.

كما من المتوقع أن يقل التذبذب الحاصل في سعر البيتكوين بزيادة تبنيه بشكل أكبر وخاصة من طرف المؤسسات الكبيرة التي تفضل الاستثمار طويل المدى عكس المستثمرين الأفراد الذي أغلبهم مضاربون، وبذلك التأثير المباشر في تذبذب سعر البيتكوين.

2. هل توفر العملات المشفرة سبلا للتهرب من الرقابة؟

في الأعداد السابقة تحدثنا حول موضوع إمكانية لجوء روسيا للعملات المشفرة للهروب والتملص من العقوبات المفروضة عليها.

حيث تخشى الجهات الفارضة للعقوبة أن تبدأ روسيا في استخدام العملات المشفرة لتجاوز قيود التجارة الغربية بعد عزلها عن نظام SWIFT.

إلا أن العملات المشفرة ليست حلا مثاليا للهروب من الرقابة.

حيث أن المعاملات بالعملات المشفرة التي سميت بالمشفرة والتي هي في الأصل اسم مستعار وحسب، إذ يمكن للحكومة أن تتعقبها بشكل أفضل من الدولار طالما أنها تستطيع ربط عنوان بلوكشين معين بهوية شخص ما.

تعكس البيانات هذا الواقع المروع، حيث وجدت "Chainalysis" أن الحصص الإجرامية من معاملات الكريبتو تتضاءل بمرور الوقت.

أصدرت نفس الشركة أيضا مؤخرا أداة تساعد في تتبع أموال الأفراد الخاضعين للعقوبات، مما يجعل معاملات الكريبتو أقل خصوصية.

بمعنى أن ربط هوية جهة ما بمعاملة على بلوكشين البيتكوين أو الايثيريوم أو غيره تجعل تعقبه أمر سهل للغاية خاصة بعد تطوير العديد من الأدوات المساعدة في ذلك.

هنا يلجأ البعض لخلاطات المعاملات والتي تقوم بخلط المعاملات على البلوكشين واخراجها بأسماء وعناوين جديدة يجعل تتبعها صعب أو اللجوء إلى العملات المشفرة ذات طابع الخصوصية مثل: مونيرو، زكاش...

3. العملات الرقمية للبنوك المركزية CBDC:

البنوك المركزية تسيطر ولمدة زمنية طويلة على الأموال وقيمتها، إلى أن ظهر البيتكوين وجلب معه ثورة مالية رقمية تسببت في ابتكار أكثر من 18 ألف عملة رقمية مشفرة.

هذه العملات المشفرة وخاصة العملات الرقمية المستقرة المربوطة بقيمة العملات الورقية التقليدية أصبحت تهدد وبشكل صريح عمل العملات الورقية التقليدية مثل الدولار.

هنا البنوك المركزية لن تقف مكتوفة الأيدي بل قررت ابتكار العملات الرقمية للبنوك المركزية والتي تختصر بـ CBDC والتي تعمل على مواجهة مد العملات المشفرة التي لا تتقيد بحدود جغرافية وتوفر معاملات أرخص وأسرع.

العملة الرقمية للبنك المركزية CBDC هي شكل رقمي لعملة ورقية لبلد ما، وعلى عكس الطبيعة اللامركزية للعملات الرقمية المشفرة الخاصة، فإن CBDC تخضع لسيطرة كاملة من قبل السلطات.

على هذا النحو، فلا عجب أن العديد من السياسيين والاقتصاديين التقليديين جادلوا بأن المنتج المالي CBDC سيكون خيارا أفضل من الكريبتو.

وهو ما توافق عليه أيضا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي "كريستالينا جورجيفا"، ففي الشهر الماضي، اقترحت أن العملة الرقمية للبنوك المركزية المصممة بحكمة يمكن أن تكون أكثر أمانا من عملات البيتكوين والعملات البديلة، والتي تكون غير مدعومة و متقلبة بطبيعتها.

رئيسة الوزراء الهندية "ناريندرا مودي" حريصة أيضا على إطلاق CBDC الهند، حيث وحسب رأيها، يمكن أن تعزز العملة الرقمية للبنك المركزي الاقتصاد الرقمي في السنوات القادمة وتحدث ثورة في قطاع التكنولوجيا المالية.

وجدير بالذكر هنا أن العديد من الدول أطلقت بالفعل عملتها الرقمية للبنك المركزي CBDC لعل من أبرزها عملة اليوان الرقمي التي طورتها الصين وعملت عليها طيلة السنوات الماضية لتقرر إطلاقها بشكل رسمي في الألعاب الأولمبية الشتوية الأخيرة (يناير 2022).

في العدد القادم سنفصل أكثر في عملة اليوان الرقمي الصينية ونموذج عملها وسنتطرق للبيئة العربية ومدى تقدمها في هذا المجال.