اسطنبول؛ العودة واللقاء |
بواسطة مودة • #العدد 9 • عرض في المتصفح |
كيف للأماكن ألف حكاية وحكاية حين تُملأ بالذكريات، والشعور، والتفكر؟
|
|
اكتشاف روح المدينة |
عادة حين أنوي الخروج لوحدي والتسكع بين أزقة المدينة أبدأ وجهتي باختيار مقهى يقدم قهوة مختصة, أتناول قهوتي مع وقت للرسم أو القراءة أو الكتابة أحيانا، ثم أتوه سيرا بلا وجهة أستكشف المكتبات والمحلات الصغيرة، ولا مانع من مقهى آخر لمشروب بارد وفطيرة، في اليوم الأول كان مليء بالحالات الشعورية المتناقضة؛ مابين فرحة السفر وإرهاق رحلة الوصول، على إثرها أُرهقت أمي ونامت طوال اليوم، ثم يأتيني في منتصف الظهيرة خبر وفاة أخت صديقتي وصديقتي كان مخططا أن يكون زفافها بعد أسبوع -رحمة الله عليها-. |
سافر لتشعر بالبُطءِ في يومك |
أختار بوعي أن أجعل كل شيء في السفر يبدو بطيئا غير مُعد بالخطط و ضرورة اللحاق بكل شيء، استيقظت ذلك اليوم بهدوء، رأيت امتداد شعاع الشمس على مدخل الصالة لم أقاوم اللحظة، مددت السجادة وكشفت ظهري للشمس أستحم بنورها ودوائها وأنا أردد أذكاري، بعدها اتجهت للشرفة أتأمل وأُسبّح باسمه اللطيف. |
خرجت للتسكع لكن هذه المرة بصحبة الألفة، حينما أسافر أختار أن يكون اليوم الثاني على خُطى اليوم الأول، في الطرق ذاتها وأحيانا المقهى ذاته حتى أشعر بالألفة والاتصال بالمكان، ذهبت للمقهى مباشرة الذي لفت انتباهي البارحة وكنت وقتها قد تناولت قهوتي، فخططت هذا اليوم أن أتناول لديهم القهوة مع قطعة كعك شهي مكون من طبقات كعك الشوكلاتة والتوت، لم تغب عن بالي من جولة الأمس، طلبت القهوة وفطيرة كيش سبانخ تذوقتها سابقا شهية جدا، كانت هذه الأطباق بمثابة إفطار ثانٍ، واتفقت مع نفسي أن مايزيد سيصحبني للمنزل. |
جلست أكتب يوميات عابرة، ذهني محشو بالكثير من الأفكار، وهدأته بالرسم، ألهمتني إياه الفنانة التي زينت المكان الذي أقيم فيه هذه الأيام، بعدها بساعتين قمت من مكاني للتسكع وكان مشوارها بمسافة الاستماع لتسجيل حفلة "في يوم وليلة" لوردة الجزائرية، وشعرت بأنني أطلت السير في ذروة الظهيرة، انعطفت بعدها على شارع الاستقلال ومشيت باتجاه المنزل، صادفت محل المكياج؛ طقس من رحلاتي أن أشتري محدد شفاة جديد يعكس الرحلة، وجدت ضالتي مع مسكرة تقول عبارتها التسويقية Too faced better than sex، ضحكت من العبارة وأعترف أني تأثرت بها برغم رغبتي غير الضرورية لها، وتعذرت بأنني لم أحمل معي مسكرة في الحقيبة، ختمت جولة الظهيرة بشراء حاجيات الغداء، لم أتصور أنني في اسطنبول مدينة الطعام واللحم والنكهة الخالدة، ويكون قدري أن أطبخ وجباتي، لكنها متعة بمستوى آخر أن تجرب محاصيل المدينة، اشتريت ٣ حبات كوسة، صدر دجاج، فطر، حبتين بصل، زنجبيل مطحون، علبتين ماء، وولاعة. |
عدت للمنزل وأنا مكتفية، لكن طاقتي عالية، بدأت بتحضير الطعام؛ قمت بتقطيع الكوسة شرائح متوسطة، مكعبات صغيرة من البصل، فلفل أحمر بارد حلقات، أنصاف من الفطر، وبعض البقدونس، بدأت بتشويح البصل مع زيت الزيتون على النار؛ أضفت بعدها الكوسة وبقية المكونات "لا ترغب أمي الملح" لذا عوضت البهارات بالسماق والزنجبيل المطحون، بعدها أضفت الماء الحار لتطبخ كمرقة، على طاوة ثانية شويت شريحتي صدر منكهة بالسماق مع قليل من مكعبات البصل، وفي الخلفية أستمع مع أمي لقاء جوالان مع الضيف حمود الصاهود وهو يحكي عن العباس بن الأحنف وبديع شعره وخصوصية شخصيته، جهزت الأطباق والسلطة التي حضرتها من الصباح، في آخر اللمسات أضفت الخضار مع الدجاج ليجف ماء المرق ويشوى مع الدجاج، الحمدلله الغداء فاق التوقعات في الطعم، والنكهة. |
|
أنت مرهون بتجربتك |
لا تفسد المدينة بأحكامك فليس لها ذنب عثرات حظّك؛ أقول لنفسي بعد أن حظيت بموقفين متناقضين في اليوم ذاته؛ موقف جعل المدينة أجمل محطات الترويح، وموقف ينفضك تريد الخروج منها سريعا، وبين هذا وذاك؛ موقفك الداخلي منها. |
في يومي الأخير للمدينة أقول لها: لقد مررت خفيفة، كافية، متخففة |
تستغرب أمي مني عدم وجود قائمة للأماكن، وهي تريني توصيات انستقرام. لقد تغيرت كثيرا في أسفاري الأخيرة، فلم يعد هوس الفوات يلاحقني، يكفيني من يومي؛ قهوة، صحبة، تسكع طويل بين الأزقة، وراحة بال. |
التعليقات