العائلة؛ طعام، ضحك، لعب

بواسطة مودة #العدد 8 عرض في المتصفح

كنت في زيارة لجدتي في مكة المكرمة، لم تكن النية لأجل العيد هذه المرة، سوى الاشتياق إلى لقاء العائلة، وتبارك ذلك الأسبوع بحضور العائلة من مناطق مختلفة، أعدت لنا جدتي الطبق الشعبي المفضل بخبز يديها "المرقوق"، وكعادة جدتي تشعر بالتقصير دائما أمامنا لعدم قيامها بالواجب، تقول: لو عرفت بهذه الجمعة لأحضرنا ذبيحة، لم يكن الكرم إلا سمة رئيسية في بيت جدتي، فالأبواب مفتوحة ترحب بالضيوف، فحتى بعد وفاة جدي -رحمة الله عليه- استمرّت باستقبال أحبابه وأحبابها، جدتي أو "أمي نورة" كما تحب أن نناديها، فهي لا تفضل كلمة جدة لأنها توحي بمرحلة الشيخوخة، وهي غير ذلك في روحها، وحفاوتها. 

عن الموائد العامرة

حين تأتي منزل أمي نورة، فأنت محظوظ بموائد عامرة بالأصناف، لا نأكلها إلا في بيت أمي نورة؛ فالمرقوق، والجريش، وصينية البطاطس، والمشخول، والفطائر، والكعك، وكريمة الكراميل، وغيرها من الأصناف التي لا نُخبر أمهاتنا بأن أمي نورة "لا مثيل لها" في نَفس أطباقها، كيف لهذه الموائد أن تجمعنا بود، وكم كانت هذه البركة ممتدة، فلا يبقى الطعام لأهل بيتها، وإنما يمتد للمساكين والفقراء الذين ترعاهم، دون أن نعرف عنهم.

أفتقد موائد الطعام في الحياة اليومية، لتعارض أوقات العمل مع أوقات الطعام، أتذكر حديثا استوقفني كثيرا عن بركة البيوت في اجتماع أهلها على الطعام، عن وحشي بن حرب-رضي الله عنه- أن أصحاب رسول الله ﷺ قالوا: يا رسول الله، إنا نأكل ولا نشبع، قال: فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم، قال: (فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله، يبارك لكم فيه) رواه أبو داود.

الضحك شفاء القلوب

عادة ما تحتد النقاشات وسط الاجتماعات العائلية، ينتقل الاستديو التحليلي للأوضاع الاجتماعية، والصحية، وتوصيات الشراء، وانطباعات رحلات السفر الذي يقضيها أحد أفراد العائلة، وتنتقل بعض النقاشات من قروب "العمدة" في واتس أب إلى صالة العائلة فتتعالى الأصوات، والعتابات -أحيانا-، لكن ما يرفع من مستوى المحبة هي الضحكات التي تتداولها الأحاديث، أصبحت أقلل من أرائي وموقفي من القضايا وأزيد من المواقف التي تجعل الضحك سيد الحوار، كم يبدو بديهيا أن نضحك، لكنها تصبح ثقيلة وسط حوارات حادة تأخذها حماسة الحوارات. 

اللعب الجسر العابر بين الأجيال

إحدى لغات الحب التي نتشاركها مع جدتي "اللعب بالورق"، يبدأ النداء باسم اللعبة "مين يلعب كوكنكان" ثم نبدأ بتجهيز المقاعد، وإعادة ترتيب المكان، وأحيانا الجلوس على الأرضية لتهيئة مكان أوسع، ثم تبدأ اللعبة وتذوب حواجز المسافات بين الأجيال، تصبح المنافسة عالية، وتظهر النزوات "الغش اللذيذ"، وندخل في ضحك هستيري حين يجتهد أحدنا بحركة تُفشل كل مخططاته للفوز، ثم يُزاح الخسران لتأتي إحدى حفيداتها، وملكة اللعب "أمي نورة" فهي لا تتعامل مع الأرقام الصغيرة، وتتضايق حينما يحاول أحد مساعدتها، فهي ماهرة في اللعبة، بهدوء وحركات صغيرة تقلب الطاولة علينا وتجعلنا نندب حظنا على هذه الخسارة. 

تدور ذكرياتنا منذ طفولتنا في بيت أمي نورة على اللعب، فلم يكن التلفاز متاحً إلا في أوقات وبرامج محدودة، وكون أعمار الأحفاد متقاربا، كانت وسيلتنا الرئيسية للتفريغ اللعب في ساحات البيت للبنات، والشارع للأولاد، أما صالة المنزل فهي لجميع العائلة. 

أودّع أمي نورة وأحبابي، ودعواتي بأن يجمعنا قريبا بالخير والمحبة، وماذا عن ذكرياتكم مع العائلة في الطعام، والضحك، واللعب؟ 

بسمهمعاذ ..2 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة مودة البريدية

نشرة مودة البريدية

هذه نشرة شخصية أكتبها للأصدقاء حول تأملات تلامس سعينا للحياة الطيبة، وأطرح التساؤلات التي تزعجني أو تلهمني للتفكر بها، أنشر يومي الأحد والأربعاء.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة مودة البريدية