كيف تستمر في عاداتك الجديدة؟ |
بواسطة مريم الهاجري • #العدد 19 • عرض في المتصفح |
"كي تجعل العادة تدوم، أنت بحاجة إلى الشعور بالنجاح على الفور، حتى ولو بصورة بسيطة". جيمس كلير
|
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. |
أهلًا بكم من جديد.. اليوم نواصل الحديث عن قوانين اكتساب العادات كما ذكرها جيمس كلير في كتابه العادات الذرية، وكنا قد تحدثنا في الأعداد السابع عشر والثامن عشر من نشرتي البريدية عن ثلاثة منها ومعكوساتها، ونكمل اليوم -بحول الله- القانون الرابع والأخير: |
القانون الرابع: اجعلها مُشْبِعَة: |
يرى جيمس كلير أن هذه القاعدة هي القاعدة الرئيسية لتغيير السلوك؛ ويقول: |
إذا لم تكن التجربة مشبعة، فلن يكون لدينا أسباب تدعونا إلى تكرارها |
وهذا حقيقي، إننا نكرر السلوك الذي يعقبه مباشرة أو يتخلله أشياء نحبها، ونتجنب السلوك الذي نعاقب عليه أو نجني ما لا نحب أثناءه. |
إذًا عاداتنا مرتبطة بمشاعرنا، فالإيجابية تُنميها، والسلبية تُدمرها. |
والسلوك ما بين احتمال حدوثه، واحتمال تكراره في المرة القادمة مرتبط بالقوانين الأربعة التي أوردها كلير. |
فالقوانين الثلاثة الأولى لتغيير السلوك: "اجعلها واضحة، وجذابة وسهلة" تزيد احتمالات حدوث السلوك الآن، والقانون الرابع لتغيير السلوك: "اجعلها مُشْبِعًة" يزيد احتمالات تكرار السلوك في المرات القادمة، وهو ما يُكمل حلقة العادات. |
والمرء بفطرته يبحث عن الإشباع الفوري للسلوك الذي يقوم به، وليس أي إشباع. |
الإشباع الفوري ربما كان ضرورة قبل آلاف السنين، حيث كانت الحاجات الأساسية تُقضى في حينها. ومع تطور وتغير الظروف لازلنا نفضل العوائد السريعة على العوائد طويلة الأمد، حتى وإن كانت الأخيرة أفضل، وهو ما يسميه علماء الاقتصاد السلوكي باسم "عدم الاتساق الزمني" بمعنى أن طريقة تقييم أدمغتنا للمكافآت لا تتسق مع الوقت. إذ أننا نهتم بالحاضر أكثر من المستقبل والتخطيط له، وهذا يؤدي إلى مشاكل كبرى في حياة الإنسان. |
وقد شرح الاقتصادي الفرنسي فردريك باستيا هذه المشكلة بوضوح في قوله: |
بشكل دائم تقريبًا، عندما تكون النتيجة الفورية ممتعة، تكون التبعات اللاحقة كارثية، والعكس بالعكس. |
إن ميل الدماغ للاهتمام باللحظة الحالية، يعني أنك لا تستطيع الاعتماد على النيّات الحسنة. فعند وضع أي خطة مستقبلية في التعليم، أو الرياضة، أو الصحة، فأنت تضع خطة لذاتك المستقبلية، وهذا جميل، ولكن ماذا عن تنفيذ هذه الخطة؟! |
إذا لم يكن لديك خطة مشبعة، ولم تكن حازمًا مع نفسك بشأن ذاتك المستقبلية -كما أفعل أنا الآن أثناء كتابة هذا العدد رغم المرض والإرهاق- فسيفوز الإشباع الفوري وتخسر أنت السباق 😨 |
إنك لم تتخذ قرارًا لذاتك المستقبلية التي تحلم بالصحة والرشاقة والثقافة والثراء، واتخذته لذاتك الحالية، التي تريد الشعور بالشبع والتدليل والترفيه. |
القاعدة التي ينبغي إدراكها أنه كلما جلب الفعل متعة فورية، زاد المقدار الذي يجب أن تتشكك به في ما إذا كان يتسق مع أهدافك طويلة المدى. |
إن تفضيلنا للإشباع الفوري يكشف مدى حرصنا عليه، وتقاعسنا عن طرق الإشباع المؤجل -مهما كانت نتائجه أفضل-. |
إلا أني أحب أن أبشرك أنك إن كنت مستعدًا لانتظار المكافأة، فإن المنافسة في مجالك ستكون أقل وستحصل في الغالب على عائد أكبر. وكما قيل من قبل فالميل الأخير أقل ازدحامًا. وقد بيّنت الأبحاث صدق ذلك، وهو ما نواجهه في حياتنا، فالذين يجيدون تأجيل الإشباع مستواهم الدراسي أعلى، معدلات وقوعهم في الإدمان أقل، احتمالات إصابتهم بالسمنة أدنى، استجابتهم للتوتر أفضل ومهاراتهم الاجتماعية أعلى. |
إذًا إذا كان عندك هدف تسعى لتحقيقه، أو عادة تسعى لاكتسابها، فعليك أن تتجاهل المكافأة الفورية لتحظى بالمكافأة المؤجلة -وغالبًا هي الأفضل-. |
ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ سأساعدك وأساعد نفسي معك لنتبنّى معًا هذه الطريقة، إننا بحاجة إلى العمل بشكل يتفق مع طبيعتنا البشرية، لا ضدها، وأفضل ما يساعدنا على ذلك هو إضافة القليل من المتعة الفورية إلى العادات التي لها نتائج إيجابية على المدى البعيد، وإضافة القليل من الألم الفوري للعادات التي لن يكون لها مثل هذه النتائج. |
كيف تُسخِّر الإشباع الفوري لمصلحتك؟ |
يقول كلير: |
العنصر المحوري في جعل العادة تستمر معك هو الشعور بالنجاح، حتى ولو بصورة بسيطة. فشعور النجاح يُعد إشارة بأن عادتك قد أثمرت، وأن هذا العمل يستحق الجهد المبذول فيه. |
الإنسان يميل إلى تذكر نهاية كل مرحلة، نهاية كل سلوك، لذلك يُفضِّل أن تكون هذه النهاية مُشْبِعَة. والسبيل لنيل ذلك هو استخدام "التعزيز" أي تقديم مكافأة فورية لأجل زيادة حدوث السلوك. لابد من جعل الانتهاء من العادة أمرًا ممتعًا مهما كانت المكافأة مؤجلة 🤩 |
أذكر لك قصة سيدة تريد التخلص من عدة كيلوغرامات من وزنها، لقد علّقتْ على مرآتها حزامًا، وجعلت هدفها أن ترتديه حينما تحصل على جسم رشيق، وتبنَّتْ عاداتٍ جديدة لذلك، وكانت تراه أمامها باستمرار، قبل وبعد التمرين، وفي المرات التي ينخفض عندها مستوى الحماس للتمرين فإن مجرد النظر له وتذكر هدفها يجعلها تتحفّز لإكمال تنفيذ خطتها وتحقيق الهدف، وبالمواظبة على عادتها في أداء التمارين تحقق حلمها وارتدته. |
قصة أخرى ذكرها كلير في كتابه، أن زوجين قررا التوقف عن الأكل في المطاعم، وتناول الطعام المطهو في المنزل، وفي مقابل ذلك أنشأا حساب ادّخار سميّاه "رحلة إلى أوروبا"، وكلما امتنعا عن تناول الطعام في المطعم وضعا في الحساب 50 دولارًا، في نهاية العام استخدما هذا المال لقضاء الإجازة في أوروبا بالفعل. |
واشتكت لي سيدة أنها لم تؤدِ فريضة الحج، ولا تستطيع ذلك لارتفاع أسعار الحملات، فأشرتُ عليها بأن تقلل السفريات، والأكل في المطاعم، وشراء الكماليات، وتوفر المال الذي تصرفه فيها لأداء الفريضة، فحجّت في نفس العام 😍 |
ومن المهم أن تُدرك عند اختيارك للمكافآت قصيرة المدى أن تكون هذه المكافآت تعزز هويتك ولا تتعارض معها، فإذا كانت مكافأتك لتأدية التمارين هي تناول طبق من البيتزا كما تفعل قريبتي فأنت تخلق صراع هوية في الحقيقة، وقد ينتهي بك الأمر بالفشل في تحقيق مأربك كما فشلت هي 😖 بدلًا من ذلك كافئ نفسك بجلسة تدليك، أو جلسة عناية، أو نزهة في الهواء الطلق، هذه أمور تعتني فيها بجسدك وتدلل نفسك التي عانت أثناء تأدية التمارين أو أيًا كانت العادة المكتسبة، هكذا تصبح المكافأة قصيرة المدى متسقة مع رؤيتك طويلة المدى. |
أعجبني ما ختم به جيمس كلير هذا الفصل حيث يقول: |
وفي النهاية، مع ترسُّخ المكافآت الداخلية مثل الحالة المزاجية الأفضل، أو الطاقة الأكبر، أو التوتر الأقل، ستصير أقل اهتمامًا بمطاردة المكافأة الثانوية. فالهوية نفسها ستصير مصدر التعزيز. وستفعل الأمر لأنه متسق مع هويتك، وأنك تشعر بشعور طيب نتيجته. وكلما صارت العادة جزءً من حياتك، قلَّ احتياجك إلى التشجيع الخارجي كي تتمسك بالعادة الحسنة. فالمحفزات يمكن أن تبدأ بالعادة، غير أن الهوية هي ما يبقيها.وخلاصة الأمر هي أن أي عاد يجب أن تكون ممتعة كي تستمر. |
معكوس القانون: اجعلها غير مُشْبِعَة: |
إذا كنت تريد التخلص من عادة سيئة، اجعلها غير مشبعة، واربطها بشيء من الألم الفوري عند فعلها، لأننا نتجنب تلقائيًا العادات والخبرات التي تكون نهايتها مؤلمة. فالألم معلم كفؤ كما يقول كلير. وكلما كان الخطأ فوريًا ومكلفًا ستتعلم منه بشكل أسرع، لأن ألم الفشل لا ينمحي من الذهن بسهولة. فإمكانية أن لا يعود الزبون تجبر المطعم على الطهو الجيد، والخدمة الجيدة، وكذلك البائع، وغيرهم ممن يتلقى نتيجة فورية لخطئه. |
فكلما كان الألم فوريًا صار ترجيح حدوث العادة أو السلوك بدرجة أقل. إذًا فإضافة تكلفة فورية للعادة السيئة أو السلوك الغير صحي طريقة عظيمة لتقليل احتمالات وقوعه مستقبلًا. ومثلها زيادة سرعة العقاب المرتبط بالسلوك يساعد على تجنبه. |
إن وجود عواقب فوريه تساعد في تغيير السلوك، ألا ترى أن الطلاب يحضرون قبل الأساتذة الذين يعاقبون على التأخير، إننا "مستعدون لبذل كثير من الجهد من أجل تجنب قدر يسير من الألم الفوري" كما يقول كلير. |
في نهاية العدد نسترجع معًا القوانين الأربعة لتكوين العادات: |
كيف تغرس عادة حسنة؟ |
القانون الأول: اجعلها واضحة: |
|
القانون الثاني: اجعلها جذابة: |
|
القانون الثالث: اجعلها سهلة: |
|
القانون الرابع: اجعلها مُشْبِعَة: |
|
كيف تتخلص من عادة سيئة؟ |
عكس القانون الأول: اجعلها خفية: |
قلل التعرّض لها. أزل الإشارات الخاصة بعاداتك السيئة من بيئتك. |
عكس القانون الثاني: اجعلها غير جذابة: |
أعد صياغة عقليتك. أبرز منافع تجنب عاداتك السيئة. |
القانون الثالث: اجعلها صعبة: |
|
عكس القانون الرابع: اجعلها غير مُشْبِعَة: |
واربطها بشيء من الألم الفوري. |
وإذا كنت قد عزمت على تكوين عادات حسنة جديدة والتخلص من عاداتك السيئة فإليك هذا العدد من نشرة لورشة عمل افتراضية أقامتها د. كريستين بالمر حول كتاب العادات الذرية لجيمس كلير. مع قوالب دعم، لتنزيل ورقة العادات التي ستساعدك في خطتك الجديدة. |
أشكرك حيث وصلت معي إلى نهاية هذا العدد الذي ختمنا فيه القوانين الأربعة ومعكوساتها، ونستكمل -بحول الله- بقية الحديث عن هذا الكتاب في الأسبوع المقبل. إلى ذلك الحين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
مشاركتك لهذا العدد -إن رأيته مفيدًا- تعني لي الكثير. |
التعليقات