العادات الجديدة

بواسطة مريم الهاجري #العدد 18 عرض في المتصفح
"أنت لست بحاجة إلى تَبيَُن كل تفاصيل العادة الجديدة، بل أنت بحاجة إلى البدء في ممارستها وحسب." جيمس كلير

يومٌ جميل متأثر بجمال العدد السابق أرجوه لكم، لقد أحببت عدد الأسبوع الماضي، الذي بدأت فيه الحديث عن القوانين الأربعة لتكوين العادات أو التخلي عنها حسب ما ذكره جيمس كلير في كتابه العادات الذرية، وتحدثت فيه بشيء من التفصيل عن قانونيّ: اجعلها سهلة، واجعلها جذابة.

واليوم -بحول الله- نكمل معًا شيئًا من رسم خريطتنا لتكوين عادات أكثر إثراءً في حياتنا.. ونساعد من نحب أيضًا 🙂

القانون الثالث: اجعلها سهلة:

نحن نعلم أن حياتنا تحكمها عاداتنا، وأن عاداتنا تؤثر على قراراتنا وعلى حياتنا برمتها، لأننا نقوم بها بوعي أو بتأثير من العقل اللاواعي، حيث صرنا نؤديها أوتوماتيكيًا. فما الذي جعلنا نفعل هذا؟ إنه سهولة فعلنا لها. وإذا ما أردنا استحداث عادة جديدة إضافةً لعاداتنا اليومية فيجب علينا جعل ذلك ممكنًا؛ وهذا ما يرشدنا إليه القانون الثالث: اجعلها سهلة.

لكي تبدأ عادة جديدة مهما كانت درجة صعوبتها اجعل بدايتها سهلة، والتدرج فيها من شديدة السهولة إلى شديدة الصعوبة متاح وسهل جدًا. ذلك سيساعدك على تبنيها. وليست المشكلة أن ذلك سيأخذ منك وقتًا طويلًا، المشكلة هي أن تتوقف، أو لا تبدأ من الأساس بسبب صعوبة العادة؛ إذن فالتدرج في ممارستها سيكون مفتاح اكتسابها.

ذكر جيمس كلير مثالًا على ذلك: أنه في بداية الدراسة قسم جيري أولسمان، الأستاذ في جامعة فلوريدا، طلاب قسم التصوير الفوتوغرافي إلى مجموعتين: مجموعة "الكم" ومجموعة "الكيف". مجموعة "الكم" سيقيَّمون في نهاية الفصل الدراسي استنادًا إلى مقدار العمل الذي أنتجوه، فتسليم 100 صورة يعني حصول الطالب على تقدير ممتاز، وتسليم 90 صورة يعني حصوله على تقدير جيد جدًا، وتسليم 80 صورة يعني حصوله على تقدير جيد، وهكذا.

مجموعة "الكيف" سيقيّمون على جودة العمل المقدم منهم. وعليهم تقديم صورة واحدة فقط خلال الفصل الدراسي، وللحصول على تقدير ممتاز يجب أن تكون الصورة شبه مثالية!

النتيجة كانت مفاجئة لـ أولسمان! فأفضل الصور التي قُدمتْ له أنتجتها مجموعة "الكم"! الذين انشغلوا طيلة الفصل بالتقاط الصور لإكمال العدد المطلوب، هذا التكرار أدى إلى ازدياد خبرتهم بكل ما يتعلق بالعملية من ناحية زوايا الالتقاط، وتداخل الألوان والضوء، والتعلم من أخطائهم.. إلخ. وفي كل مرة كانوا يشحذون مهاراتهم، وتكون تجربة التصوير أسهل وأدق.

أما مجموعة "الكيف" الذين لم يقوموا بأي شيء عملي، فما كان معهم إلا صور متواضعة، ومجموعة من النظريات غير المختبرة!

إذا ما كنت تبحث عن المثالية، فلا تستغرب من عجزك عن التقدم خطوة واحدة، لأن الكمال لله وحده، ولكن ابدأ واستكشف أسهل الطرق المؤدية إلى أفعال وعادات تحقق بها النجاح الذي تحلم به. وكما قال فولتير:

المثالية عدو لما هو جيد.

والخلاصة من قصة الطلبة السابقة تكمن في قول جيمس كلير:

الفعل هو نوعية السلوك التي تؤدي إلى تقديم نتائج.

إن مجرد التفكير والتخطيط هو حركة تفتقر إلى الفعل الذي سيغير حياتك، فلابد من دمج الحركة مع الفعل كي تحصل على نتيجة ترضيك، ولتبنّي عادة ابدأ بممارستها.

كم من الوقت نحتاج لبناء عادة جديدة؟

المقصود ببناء العادات كما يقول كلير:

هو العملية التي يصير بموجبها أي سلوك أوتوماتيكيًا بدرجة أكبر مع التكرار.

والمثير أن الدماغ يتأثر بهذا التغيير حتى في تكوينه! فإن بنية الدماغ تتغير لتأدية هذه العادة وهذا النشاط بكفاءة، وهذا ما يطلق عليه علماء الأعصاب "التأييد طويل المدى" فإنك مع تكرار السلوك تُحسّن انتقال الإشارات بين الخلايا العصبية لتعزيز الروابط بينها، وهو ما يُعرف بقانون هيب، الذي ينسب لعالم النفس العصبي دونالد هيب حيث وصفها لأول مرة في عام 1949 وينص على أن: (الخلايا العصبية التي تطلق إشاراتها معًا تترابط معًا).

صورة للخلايا العصبية من موقع قناة 218

صورة للخلايا العصبية من موقع قناة 218

وكمثال على أن تكرار العادة يؤدي إلى تغييرات مادية واضحة في الدماغ ذكر كلير أن العلماء وجدوا أن الحُصين -وهي المنطقة المرتبطة بالذاكرة المكانية في الدماغ- كان أكبر بشكل ملحوظ لدى سائقي الأجرة في لندن مقارنة بغيرهم من سائقي الأجرة! والمدهش أن هذه المنطقة "الحصين" يقل حجمها عندما يتقاعد سائق الأجرة! إذن أقسام الدماغ تتكيف مع الاستخدام حسب حاجتنا، وتضمر حين لا نستخدمها.

لهذا فالممارسة لأي سلوك سيجعله سهلًا ويتم بطريقة أوتوماتيكية وربما لا واعية أيضًا. وكمثال حي على ذلك: أنك عند الاستيقاظ من النوم فإنك تتوجه مباشرة للوضوء لتأدية صلاة الفجر، إنك في كل مرة تكرر هذا السلوك أوتوماتيكيًا، وتنشط الدائرة العصبية المعنية به، مما يجعله سهلًا.

فليس الوقت هو المسؤول عن بناء العادة بقدر المعدل الذي تمارس به هذه العادة، تكرارها هو الذي سيُحدِث الفارق ويجعلها سهلة أيضًا. وكل عادة أو سلوك يتأثر بمدى تكرارك له إلى أن يصير مغروسًا داخل عقلك، ويكون تنفيذك له أوتوماتيكًيا.

قانون الجهد الأقل:

انظر إلى عاداتك اليومية، مثل تصفح هاتفك، إنك تؤديها بأقل قدر من التحفيز، وبجهد أقل، أو بدون جهد حتى، لذلك من المهم أن تكون عاداتك الجديدة التي ترغب في استحداثها سهلة، وبأقل جهد ممكن -خصوصًا في بدايتها- بحيث يمكنك القيام بها حتى وإن لم تشعر بالرغبة تجاهها. إن ذلك سيؤدي إلى الالتزام بها.

وكما في القانون الأول: "اجعلها واضحة"، فإن لتصميم البيئة أثر كبير في ذلك، فيمكنك تحسين بيئتك بحيث يكون ممارستك لعاداتك أسهل وبجهد أقل، فمثلًا إذا كنت تتبع نظامًا غذائيًا معينًا فلا تقبل دعوات العشاء التي ستجعل اتباعك لنظامك صعبٍا، وستبذل جهدًا أكبر في تنفيذه، لابد أن تزيل الصعوبات التي تبعدك عن تنفيذ عاداتك بجهد أقل.

عليك إيجاد بيئة يكون فيها فعل عاداتك الجديدة من أسهل ما يمكن، وبأقل جهد، وتستطيع ممارستها باستمرار.

اعثر على طرق لتقليل الصعوبات المصاحبة للعادات الحسنة، وعلى العكس، اعثر على طرق لزيادة الصعوبات المصاحبة للعادات السيئة، حيث أنه كلما زادت الصعوبة، قلَّ احتمال حدوث العادة. أورد كلير في كتابه عدة طرق يمكنك الرجوع إليه لتنفيذها حسب ما يناسبك، لم أذكرها هنا تجنبًا للإطالة.

مختصر القانون الثالث:

لاكتساب العادات الحسنة:

  1. اجعلها سهلة.
  2. ابدأ في ممارستها.
  3. كرر ممارسة العادة الجديدة.
  4. قلل الصعوبات المصاحبة لها.

وللتخلي عن العادات السيئة:

  1. اجعلها صعبة.
  2. توقف عن ممارستها.
  3. زد الصعوبات في طريق ممارسة العادة السيئة.

أشكرك حيث وصلت معي لنهاية هذا العدد، وليس نهاية حديثنا عن تكوين العادات بالطبع، حيث للحديث بقية في العدد القادم -بحول الله-. إن أعجبك ما أكتب فلله الحمد، وإن رأيته مفيدًا فشاركه مع الآخرين، ولا تنسَ الضغط على  زر الاشتراك حتى نكمل هذه السلسلة معًا.

مشاركة
عـمـــــــــق

عـمـــــــــق

على سبيل الفضول والبحث والطموح كل اثنين ستشرق "عمــق" بها شيئًا من قناعاتي وقراءاتي وعاداتي كي نرتقي معًا

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من عـمـــــــــق