نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي - العدد #16

22 نوفمبر 2025 بواسطة ساجد العبدلي (طبيب، وكاتب، وناشر) #العدد 16 عرض في المتصفح
حين يبدأ الكاتب المبتدئ في تحويل فكرته إلى مقال، يشعر غالبًا بأن الكلمات تتزاحم بلا ترتيب.الفكرة موجودة، لكنها تتقدّم خطوة وتتراجع خطوات؛ وكأن النصّ يعرف ما يريد قوله، لكنه لا يعرف كيف يقوله.في هذا العدد، نقترب من فكرة بسيطة وضرورية: أن المقال يحتاج إلى هيكل واضح، لا ليقيّد الكاتب، بل ليحمل أفكاره بثبات.فالكتابة الجيدة ليست ازدحامًا، بل مسارًا ينضج كلما اتّضح خطّه.

“الفكرة الجيدة تحتاج ترتيبًا جيدًا، وإلا ضاعت في زحمة الجمل.”

جورج أورويل

كل مقال ناجح، مهما بدا بسيطًا، يقف على ثلاثة أعمدة واضحة: بداية تمهّد، ووسط يشرح ويبرّر، ونهاية تغلق الدائرة.

لكن هذا الهيكل ليس قالبًا جامدًا، بل هو خيط يساعدك على ألا تفقد القارئ في منتصف الطريق.

يبدأ كل شيء من السؤال الذي تقصده. فالسؤال هو البوصلة، وكل فقرة لاحقة ليست إلا خطوة نحو الإجابة. حين تعرف السؤال المركزي، يصبح ترتيب الفقرات أكثر سهولة، لأنك تعرف ما يجب أن يأتي أولًا، وما يمكن تأجيله، وما لا علاقة له بالنصّ أصلًا.

في مرحلة البناء، لا تبحث عن الكلمات الجميلة، بل عن الاتجاه الصحيح. اترك اللغة لوقت لاحق، وركّز على أن يمشي النصّ بوضوح من أ إلى ب دون تفرع غير ضروري.

الكاتب المبتدئ يخاف البساطة، فيثقل المقال بأفكار وجمل جانبية. لكن الوضوح ليس فقرًا، بل هو أقرب طريق لإقناع القارئ وإيصال الرسالة بقوة.

أتذكر أنني كتبت يومًا مقالًا بدأ قويًا ثم تشتّت في منتصفه. كنت أظن أن المشكلة لغوية، لكن حين عدت إليه بعد يومين، اكتشفت أن الفكرة نفسها فقدت ترتيبها؛ الجملة التي يفترض أن تأتي في الوسط، وضعتها في البداية، وأهم فقرة جاءت متأخرة جدًا. ما إن أعدت بناء النص على شكل ثلاث محطات واضحة، حتى بدا المقال كأنه وُلِد من جديد. أدركت بعدها أن الكتابة ليست سباقًا مع الكلمات، بل رحلة تحتاج خرائط.

هيكل المقال ليس هندسة معقدة. إنه فقط محاولة لجعل الطريق مرئيًا: مقدمة تفتح الباب، وفقرة محورية تمسك بقلب الفكرة، وفقرة ختامية تمنح القارئ إحساسًا بأنه خرج بشيء.

كلما فهم الكاتب هذا البناء البسيط، أصبح قادرًا على التجربة والابتكار دون أن يفقد القارئ.

المقال الجيد لا يعتمد على جمال الفكرة وحدها، بل على طريقة ترتيبها. فالتنظيم ليس عملًا ثانويًا، بل هو ما يجعل القارئ يشعر بأن النص وُجِّه إليه بعينه.

مشاركة
نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي

نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي

نشرتك الدورية عن فن الكتابة والتأليف والنشر هل تحلم أن تصبح كاتبًا محترفًا؟ أو تطمح لنشر كتابك الأول باحتراف؟ اشترك في هذه النشرة البريدية لتصلك دوريا خلاصة خبرات عملية، وأفكار ملهمة، وأدوات مجربة تساعدك على تطوير مهاراتك في الكتابة، والتحرير، والنشر الورقي والرقمي. كل رسالة ستمنحك دفعة جديدة على طريق التأليف.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي