الصناعة الثقافية |
23 يونيو 2025 • بواسطة فؤاد العمري • #العدد 1 • عرض في المتصفح |
|
نتحدث هنا عن الثقافة ونعني بها الطرق التي يجعل الناس من خلالها حياتهم ذات معنى عن طريق التواصل بينهم ، فهي كل الممارسات المعاشة التي تسهم في قصص الحياة للناس والتي يفسرون من خلالها وجودهم . |
![]() |
فهل يمكن لها بهذا المفهوم أن "تُصنع" ؟! |
أي تُبنى من خلال طرق منظمة للحصول على شكل محدد "منتج" يلائم مخيلة صانع محدد !! |
كان أدورنو وهوركهايمر أول من استخدم هذا المصطلح , وكلا الفيلسوفين عضوان مؤسسان لمدرسة فرانكفورت ‘ التي كانت مدرسة في النظرية الاجتماعية والفلسفة النقدية . |
طبقاً لأدورنو، "صناعة الثقافة" : هي تلك السلع الاستهلاكية التي تنقل الأفكار والرموز وطريقة الحياة ، كونها تقوم بالإشعار’ أو الترفيه ’ أو المساهمة في بناء الهوية والتأثير على الممارسة الثقافية . |
حيث تُنمّط الثقافة عبر تلك المؤسسات التي تشارك بشكل مباشر في إنتاج المعنى الاجتماعي ، بما فيها الإعلان والتسوق ، والبث الاذاعي والتلفزيوني ، والأفلام ، والطباعة ، والإصدارات الالكترونية ، وصناعة الموسيقى ، والفيديو وألعاب الحاسوب ، وغيرها من السمات الحدودية الفاصلة مثل‘ الأزياء ، والرياضة ، والبرمجيات الحاسوبية . |
فهي نظام من "تنوير خادع للجماهير" تكوّن بواسطة الفيلم والصحافة والراديو والتلفزيون التي أصبحت نظاماً قائماً بذاته ، وتركيزه الكبير كان على السلطة والهيمنة الأيديولوجية المتاحة عبر الإعلام الواسع . |
هما جادلا بأنه في جميع قطاعات الثقافة تبرز "الرتابة والتماثل في الثقافة القائمة" ، فهي تسعى إلى كبح ما هو أصلي وخلق نسخة موحدة ومتجانسة لها ، حيث تفرض طرائق إنتاج تمارس دورها في كل مكان بإنتاج أمور معلبة ومنمذجة تقوم على ما يفترض من حاجات المستهلكين ، رغم أنها تقوم على وحدة جذرية لا يدركها الجمهور ، فنظام صناعة الثقافة يقرر ألا يدع شيئاً ينتج أو يمر ما لم ينسجم مع المعايير التي يضعها ؛ أو مع الفكرة التي يضعها عن المستهلكين . |
وفي الاقتصاد ؛ فهو يشير لجميع الشركات والمشاريع المنتجة للسلع طبقا للطرق الصناعية ، هذه السلع لها قيم أساسية تكمن في محتواها ، مثل الأفلام والموسيقى والكتب . |
إن زيادة التكنلوجيا قاد إلى إنتاج واسع , وإن إنتاج "صناعة الثقافة" لا يعني أي شيء أكثر من سلع ، المواطنون بكونهم مشاهدين للعالم المثالي المتجسد أمامهم بالإعلانات والأفلام ينسون واقعهم الخاص ويصبح من السهل استغلالهم ، لم تعد هناك رغبة للفرد وإنما "وعي فريق الإنتاج" ، وهو الذي يرسم ويضع للمستهلكين الأطر بما يسمح لهم اغتنام الواقع . |
فحبكات الأفلام والموسيقا القابلة للتنبؤ ستشبع جمهوراً سلبياً يفتقد المعرفة أو الوقت أو الطاقة للاستمتاع بأشكال ثقافية أكثر ابتكاراً وتحدياً ، فهي ليست مجرد استجابة لمطالب الجماهير بل صناعة للثقافة تعمل كوسيلة فاعلة للضبط الاجتماعي ، وتوفر التطهير العاطفي والراحة من الملل لتهدئة الجموع الغفيرة . |
فالصناعة الثقافية ( أو الثقافة المنتَجة) هي تكوين ثقافة تصنع عميقاً جداً التغير الاجتماعي عبر إيجاد نماذج متعددة الأشكال تدفع الأفراد لتقليدها ومحاكاتها من خلال تحفيز دوافع التقليد الغريزية المكبوتة . |
فهي –بحسب منظرين نقديين آخرين- " ثقافة مدارة , وغير عفوية , ومجسدة , وزائفة " وليست شيئاً حقيقياً . |
وأكثر ما يقلقهم بشأنها أمران : |
- الأول : بشأن زيفها ؛ فهي مجموعة من الأفكار المعبأة مسبقا ، التي يتم إنتاجها ونشرها من خلال وسائل الإعلام على نطاق جماهيري واسع . |
- والثاني : من تأثيرها القمعي والمهدئ والمخدر على الناس ؛ فهي الطريقة الوحيدة المتاحة للدول "الديمقراطية" الرأسمالية للتعبير عن ميولها غير الإنساني بأسلوب أكثر رقة ولكنه ليس أقل تدميراً ، وغدا تنظيم الحياة كلها عبر صناعة الثقافة هو الشكل الأشد إتقاناً للشمولية والأسوأ نوعية . |
فهي تقوم على إخضاع "زبائنها" لا خدمتهم , عبر تطبيع يجتاح كل من يقف ضده بأشكال عنف متنوعة ، فالناس يخضعون يومياً للجهاز المتحكم في الإنتاج , والتوزيع , والاستهلاك , والسياسة , والوقت الحر ، فهي صناعة كلية تجعل من جمهورها لا يعرف أي شيء خارج التأثيرات ، حيث صار لزاماً على العالم أن يمر عبر مصفاة الصناعة الثقافية . |
وأهمية ذلك أن السياسة والاقتصاد ؛ وحتى الحرب , إنما تتم اليوم تحديداً من خلال [صناعة] ثقافة الجماهير التي تتحكم في أذواق الناس واستهلاكهم ومتعهم ورغباتهم وتسلياتهم , ومفاهيمهم وتمثلاتهم , وأهوائهم وطرق تخيلهم , قبل التحكم في أفكارهم السياسية وتوجيه أوقاتهم . |
فالفرد بذلك يفوض مسؤوليته أكثر فأكثر إلى منتِج الصناعة الثقافية , حيث يتبعون إرادياً قواعد مجتمع معين لكي يدوم وهو يقترح لهم "العيش الحسن" . |
وهي تنتج رأياً منمذجاً دون منافس ؛ رأيا يصنع صوراً حقيقية عن العالم , فكل ما يقال ؛ كل معلومة أو فكرة .. كل ذلك قد تم إعداده مسبقاً من قبل مراكز الصناعة الثقافية . |
إنها تخضع زبائنها لنفسها , ولا تتكيف مع الطلب بل تخلقه , وكل ما عدا ذلك من الآراء فهو إما خاطئ أو غير محتمل . |
وبحسب قرامشي فعملية الضبط عملية جزيئية تنساب لا كصدام بل بصفتها تبدلات غير مرئية , وبجرعات صغرى , في آراء كل إنسان وأمزجته ووعيه , فالصناعة الثقافية تستند إلى نواة المجتمع الثقافية التي تضم في ذاتها جملة التصورات عن العالم والإنسان , عن الخير والشر, عن الرائع والمنفر ، جملة الرموز والصور , التقاليد والآراء المسبقة , معارف العديد من القرون وتجاربها .. وذلك من خلال التأثير في الوعي الاعتيادي اليومي , في أفكار الإنسان المتوسط "الصغيرة" . |
لقد عمدت الصناعة الثقافية إلى السيطرة على المحيط بتوحيد مقاييس له , وذلك عبر الضغوط الانتقائية على المنتجات الثقافية , التي تتجه نحو دفعها لتصبح أكثر تشابهاً مع مرور الوقت . |
ورغم تعرض حجج هذه النظرية للنقد اللاحق حول مدى انخداع الناس بمنتجات صناعة الثقافة إلا أن ذلك كان قبل تعاظم أذرع الرأسمالية العالمية ونظام السوق والعولمة ، وأما بعد حضورها الراهن فلا شك أن منظور أدورنو وهوركهايمر يعد استشرافاً تنبؤياً ؛ أثبت أن ما عليه العالم الرأسمالي اليوم لم يعد مثيراً للجدل ، حيث تغلغلت صناعة الثقافة اليوم عبر أدوات وملامح حضور مكينة نشير إلى بعضها : |
- الهيمنة على المجال العام |
المجال العام أو الفضاء العمومي هي تلك الميادين من الساحات التابعة للأماكن العامة التي يمتلك فيها كل الأفراد حق الدخول المشروع ، فهي المجال الذي يجتمع فيه الأفراد كجمهور دون اعتبار الفوارق الاجتماعية ‘ ليناقشوا القواعد العامة والمسائل ذات الاهتمام المشترك ، ويساهموا في تشكيل الرأي العام في جو ينتفي فيه الإكراه والتبعية . |
تقوم أدوات الصناعة الثقافية بالسيطرة الزائفة للحياة الخاصة على المستويات العمومية ، ومن خلال المصالح التجارية والترفيه الجماهيري والتكنوقراط [ الفنيون والتقنيون والاختصاصيون ] . |
وعلى حد وصف هايبرماس فإن الجماهيرية الليبرالية لدول الرفاهية تهدد بتقويض إمكانية الفعل والتأثير للمجال العام , وتحويله للمجال الخاص ، بحيث يعاد تشكل "الروح العامة" من خلال سيطرة الاهتمامات الخاصة ’ ويتحول المواطن في هذه الحالة إلى شخص تابع . |
عدا كون الصناعة الثقافية تخترق وبعمق الدوائر الحميمية والخاصة , فتصبح مشاكل الحياة الخاصة معروضة على العامة . |
- تعبئة أوقات الفراغ والعمل : |
الصناعة الثقافية معنية كذلك بضبط نظام السلوك في عالم العمل ؛ فهو مشبع بالثقافة خاصة في شكل العمل المأجور , وتغطي أخلاقيات الثقافة المنتجة مجال المهنة ، فيحاول أرباب العمل إدارة ثقافات أماكن عملهم ’ لمحو أثر الهويات الثقافية التي قد لا تناسب مقام العمل , فهو شكل جديد من "العقلانية الحكوموية" الهادفة إلى تغيير ذاتيات العمال بحيث يجري تصور حيواتهم نفسها وممارستها على أنها مشروعات . |
توظف الحكومات صناعة الثقافة ليس فقط من أجل تشجيع العمل عبر ربط التمويل بشروط "المحاسبة" وإنما كي تحدد سبل الحياة والقيم .. |
وبحسب أدورنو فإن الكتالوج المعلن والخفي لما هو ممنوع أو مسموح به قد بلغ حداً من الاتساع بحيث لا يترك قطاعاً حراً بل هو يشمل القطاعات كافة . |
- صناعة التسلية: |
" وعلى الرغم من تذمر بعض الحيوانات ، بعيداً عن مسامع الخنازير والكلاب ، إلا ان معظمها يستمتع بهذه الاحتفالات ، ويعدها تعبيراً حقيقياً عن الحرية والسيادة ، وتنسى الحيوانات ولو لبعض الوقت ، أن بطونها خاوية وأرزاقها شحيحة" [مزرعة الحيوان / جورج أورويل ] |
تظل الصناعة الثقافية صناعة تسلية ، فقد حررت التسلية من السذاجة وطورتها كبضاعة تسوَّق ، فهي تمارس سلطتها على المستهلك وينتهي بها الأمر بالعدوانية تجاه ما هو أبعد منها . |
الصناعة الثقافية تمتلك حياة الذوات ؛ حيث إن "الوقت الحر" أصبح مهماً بشكل خاص , فهو أشبه بوقت العمل لأنه مشغول بالترفيه الذي لا يعرف المتعة بل التجلي والمنافسة والنتيجة ، فالرأسمالية المتقدمة تعد التسلية امتداداً للعمل ، إذ أن الأتمته قد بسطت سلطتها على الانسان في وقت فراغه وسعادته . |
لقد عرف الجمهور تحت تأثير الاستهلاك الجماهيري تحولاً جعل من المتعيّة قيمة مركزية في الثقافة ، فأصبحت المتعة وتحفيز الحواس قيماً مهيمنة على الحياة اليومية . |
وجديد ما أحدثته صناعة الثقافة أنها جعلت من المتع مشروعة أساساً في المجتمع ، وأنها موضوعات للخبر والإثارة ؛ فلم تعد منبوذة بل ارتفعت قيمتها ووضع لها المعايير . |
لقد ذابت التسلية في الثقافة فأفسدتها ، ثم غدت ركيزة ثقافية بالقوة ، وأصبحت غاية امتثالية يمتدح عليها المجتمع : أن تتسلى يعني أن تكون موافقاً . |
لقد أدت إلى سيل من المطالبات بالحرية ، والتي ظهرت في كل المجالات ، في الحياة الجنسية والأسرية ( جنس وفق الطلب ، تربية ليبرالية ، نمط حياة متحرر من إنجاب الأولاد ) ، وفي اللباس والرقص ، وفي الأنشطة الجسدية والفنية ، وفي التواصل والتعليم ، وفي الشغف بوسائل الترفيه وتزايد الوقت الحر .. |
عدا كونها تعني دائمأ ألا تفكر في شيء ، وأن تنسى العذاب حتى حين يبدو ظاهراً للعيان ، إنها توطين للعجز ، وهرب من آخر إرادة في المقاومة ، وما تعِد به من التحرر هو التحرر من التفكير .. ففي عصر الرأسمالية المتقدمة تصبح الحياة طقساً دائماً من الاحتفالات . |
ووفقاً لتشومسكي يعرض علينا التلفاز سلسلة من البرامج الواهية مصممة للترفيه , في حين أن وظيفتها هي تشتيت ذهن العامة لجعلهم غير قادرين على فهم مشكلاتهم الأساسية , أو تحديد مصادر مشكلاتهم , وتعمل مقابل ذلك على تأهيله ليصبح مستهلكاً جيداً من خلال ترفيه خال من العقلانية يدفع الشعب ليتكيف لأن تقوده الانفعالات والاندفاعات , وتصبح طريقة فعالة للتعامل مع حياة خاوية من الإنجاز . |
الإباحية وإثارة الغرائز - |
السياسة الحديثة قامت على استقلال الدولة عن الأخلاق , فاستعاضت عن الأخلاق العامة بمراقبة القوانين المُشرَّعة في الجهات السياسية التشريعية , فالسياسة الحديثة بمختلف أشكالها تخرج السياسة من مفهوم الخطيئة ؛ بل وتخرج الضمير , وتحل محله مفهوم الحق "مسموح كل ما لا يحرّمه القانون" . |
كما أن ضرراً آخر لحق بالسياسة الحديثة من قبل الفرويدية التي أرجعت الجانب الروحي كله إلى مستوى يقع دون العقل , ودون التفكير العقلاني , وعليه فقد فتح المجتمع المعاصر من خلال استبعاد مفهوم الخطيئة فجوات العيب محولاً إياه إلى بيزنس مقبول أخلاقياً . |
أدى انتشار اللاأخلاقية في المجتمع إلى تليين النواة الثقافية التي كانت سداً للتلاعب , فالتلاعب بالإنسان ذي الأخلاق المقوضة سهل . . |
يكاد يكون النمط الإعلاني أحد أكثر الأنماط رواجًا ، إذ يستغل المعلن مساحة الحرية التي يتيحها النظام الليبرالي المهيمن عالميًا في العبث بغرائز المتلقي لتلقينه ما يريد . |
تدفع الإباحية للقفز على النظام القديم القائم على القانون والمحظور , وإلغاء النظام الإكراهي القائم على الرقابة والكبت ؛ في سبيل مشاهدة كل شيء وفعل كل شيء . |
إن الذي أدى إلى الإباحية هو ثقافة " كل شيء مسموح به " والرغبة في الذهاب أبعد في كل مرة ، والبحث عن تدابير لم يسمع بها من قبل ، وتأليفات جديدة في تصرف حر بالجسد ، والمبادرة الحرة في ممارسة الجنس ، يُعَدّ جسمك هو أنت ، وبالتالي ينبغي الاهتمام به وعشقه وإظهاره ، عبر إضفاء كرامة وكمال على الجسد .. |
عالم السوما - عالم جديد شجاع |
كان الواقع المرير الذي صوره ألدوس هكسلي في روايته "عالم جديد شجاع" هو الشمولية التي تنكرت بقناع حرية الاختيار ، انعكست هذه الفكرة القوية – بأنه إذا كان عامل ما يلبي حاجاتنا فإننا نصبح عبيداً له . |
يشرح هكسلي طبيعة المجتمع المستقبلي ، وكيف تتم السيطرة على البشر عن طريق المتعة ، حيث يلغى الزواج فلا تتكون حياة عائلية ولا توجد ولادة طبيعية بل يتم تلقيح البويضات الصناعية وخلق الأجنة في داخل الأجهزة ، وما بعد الولادة الاصطناعية يتم تحديد مصير كل طفل منذ نعومة أظافره في المجتمع ، حيث يتم إجباره على التصرف بشكل محدد بالاعتماد على مبدأ الثواب والعقاب ، ككره الأزهار عن طريق صعقهم عند الاقتراب منها ، أو قتل الفضول لديهم بالعقوبة ، ومنعهم من قراءة الكتب المستقبلة ، وفي مرحلة المراهقة يجبر الجميع على الاختلاط بين الجنسين ؛ من أجل رفع الخجل وإباحة الجنس . |
هذا المجتمع الذي وصفه هكسلي بالتفصيل منغمس في الملذات بحيث يعجز عن التفكير، ويعتمد بشكل كبير على تعاطي عقار يسمى السوما ؛ والذي يجبر الجميع على تناوله كوسيلة للهروب من الواقع وإعطاء نشوة مصطنعة . |
في الأجيال القادمة لهكسلي ستكون المجتمعات عبارة عن معسكرات اعتقال بلا تعذيب ، لكنها ظاهراً تسمى بتجمعات مدنية ، ستسلب الحريات الفردية من الجميع لكن الجميع سيرضون بالعيش من دونها ، حيث ستعجز الغالبية عن فهم معنى الحرية .. كل ذلك ستضمنه المتعة واللهو أو استعمال العقاقير . |
والانحراف الجنسي وسيلة أخرى لصناعة الثقافة حيث الحفلات الماجنة والانحلال الأخلاقي المنظم تحت شعار "الكل ينتمي للكل" ، حيث تشبع الرغبات الغريزية للأفراد بمعزل عن مؤسسة العائلة أو الزواج ‘ والتي يجبر الجميع على كره الفكرة منذ سن مبكرة . |
فما كان يخشاه هكسلي ليس منع تداول الكتب بل عدم وجود داع لنشر الكتب ، وليس الخوف من حجب الناس عن الحقيقة ولكن غرقهم في حقائق تافهة بعيدة عن المشكلة الحقيقية ، وليس السيطرة على الشعوب عن طريق الألم ؛ بل عن طريق المتعة ، وليس الخوف هو الذي سيحطمهم بل الشهوة هي التي ستحطمهم . |
وكما ألمحنا قبلاً عادت نظرية "صناعة الثقافة" للواجهة بعد تفاقم إدارة الثقافة من قِبَل السوق ، واستعادها زيجمونت باومان ، مؤكداً على الهدف الأسمى للنقد الاجتماعي الذي قاده أدورنو ورفقاءه هو التحرر الذي يرمي إلى تنمية الأفراد المستقلين الذين يحددون اتجاهاتهم ويقررون اختياراتهم بأنفسهم وبكامل وعيهم . |
كما حاججت حنه أرندت أن الثقافة تضطلع بالعلو فوق الوقائع الراهنة ، فهي لا تنشغل بما ينشغل به الناس اليوم من أولوية اللحظة وضرورتها ، بل تصارع من أجل تحرير نفسها من ضروراتها ومقتضياتها . |
كما تؤكد أن الاستعمال الفوري والذوبان في عملية الاستهلاك الآني ليسا غاية الأعمال الثقافية ولا معيار قيمتها . |
التعليقات