فلسطين وعنوان المعنى

بواسطة احمد ابوطالب #العدد 99 عرض في المتصفح

يقف اليوم الناس أمام المجازر التي تحدث في غزة مذهولين من حجم الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهوني. ومن رحم هذه المعناة تجلت أرقى مفاهيم المعنى والتجاوز.

حينما يشاهد أي إنسان أشلاء الأطفال متناثرة في كل مكان بهذا الشكل فإنه يشعر بأن ارتباكاً شديداً حدث في روحه، وهذا الإرتباك يحتاج الكثير من التأمل.

أنا أب لأطفال؛ حينما أشاهد أب يصرخ قهراً وهو يرى إبنه بين يديه جثة متفحمة أو أشلاء فإني أشعر بمشاعر لا يمكن وصفها، فما بالك بمن هو في قلب الحدث.

أنا جزء من عائلة؛ حينما أعرف أن العائلة في غزة تتجمع في المنزل تسمع صوت القصف المخيف ولا تدري متى سيكون دورها، وهي تعلم أنها حينما تقصف سوف يشطب اسمها من هذ العالم، فإني أشعر بمشاعر لا يمكن وصفها، فما بالك بمن هو في قلب الحدث.

أنا لدي أصدقاء في غزة؛ أحدهم زميل في مشروع برمجي استشهد الأسبوع الماضي هو وكل عائلته، وآخرين كلما أصحوا الصباح أحاول أن أطمئن عليهم هل ما زالوا على قيد الحياة، وأنا اعمل أنهم اذا ردوا علي فهي مرحلة مؤقتة فقط ولا ضامن لبقائهم خلال الساعات التالية. هنا أيضاً أشعر بمشاعر لا يمكن وصفها، فما بالك بمن هو في قلب الحدث.

أنا أعلم أن الكلمات لا تستطيع وصف مشاعر بهذه الحجم، ولا حتى المشاهد المصورة قادرة على نقل الصورة بشكلها الحقيقي، لأن ما يحدث يفوق التصور والوصف.

أطفال غزة ورسالة قوية جداً

حتى الآن يقولون أن أكثر من 3000 طفل ارتقت أرواحهم والأعداد تتزايد كل يوم. أنا أعرف أنهم ذهبوا إلى المكان الأفضل؛ ولكن ماذا يريدون أن يقولوا لنا؟

إنهم يقولون لنا أن هناك ظالمٌ مستكبر ظلمهم وأزهق أرواحهم وحرمهم من فرصة الحياة. هذا الظالم يتكبر ويشعر أنه فوق كل شيء وانه أكبر من الأعراف والقوانين ويحق له أن يفعل ما يريد.

هذا الظالم الذي جثم على صدورهم 75 سنة نراه اليوم بهذه الوحشية والبشاعة، ولكنهم يريدون أن يقولوا لنا أنهم عاشوا معه ومع وحشيته طوال هذه السنين وهم الآن يدفعون الثمن.

يريدون أن يقولوا لنا أن الإنسان يستحق الحياة بكرامة، وحينما لا يجدها فإنه في النهاية يقدم دماءه لعل الأحياء من بعد تضحيته يعيشون بكرامة وحرية.

يريدون أن يقولوا لنا أنهم تحت وطأة محتل أخذ أرضهم ومنازلهم وهجرهم ثم سجنهم وحاصرهم وحينما أراد قتلهم قتلهم وكأن ليس لهم وجود.

لا يمكن حصر كافة الرسائل التي يريدون أن يقولها لنا، ولكن علينا ان نتأمل كل ساعة حتى نستخلص العبر وندرك فداحة ما يحدث.

إرادة المعنى: قيم ومسؤولية ومعناة

تحدثنا كثيرا عن إرادة اللذة والقوة وإرادة المعنى والفرق بينهما.

الكثير يخافون من إرادة المعنى لأنهم لا يريدون تحمل المسؤولية، ولا يريدون عبء القيم، وقد ظنوا أن المعاناة ستختفي من حياتهم.

ولكننا نكتشف كل يوم أن من يهرب من القيم والمسؤولية والمعناة سيدفع ثمن هذا التجاهل إما بدخوله في دائرة الأمراض النفسية بسبب القلق والإكتئاب، وإما بدفع ثمن أكبر من يتخيل.

مهما كان ما يحدث مرهقاً بالنسبة لك فتذكر أنه جزء من المعنى. لا تهرب منه ولا تقف عاجزاً خائفاً، بل إعرف أن الحزن مسؤولية، وهي المسؤولية الأقل على الإطلاق.

الرؤية الغربية الوظيفية للإنسان

قد تظن أن الغرب انفضح في تعامله مع ما يحدث في فلسطين بهذه الطريقة. في الحقيقة الغرب لم ينفضح بل هو يمارس قيمه بكل انسجام.

الرؤية الغربية للإنسان هي رؤية وظيفية. هذا الإنسان يجب أن يستهلك، ولكي يستهلك يجب أن يعمل بكفاءة وبإستمرار. فهو يُدخل الإنسان في هذه الدوامة وبكل قسوة.

قد يحتاج توظيف هذا الإنسان كأداة في الحروب، كأداة يستخدمها للضغط، فالمديين في قاموسه مجرد أدوات يستخدمهم بحسب ما تقتضية المصلحة.

اقتضت مصلحة الغرب بأن يتم ارتكاب هذه المجازر في أهل غزة، بكل برود وبلا أي تردد ينفذون، ويعملون كل ما يمكن اعلامياً لتحقير الضحية وايهام الناس بانها لا تستحق الحياة.

ومن قرأ التاريخ فإنه يعرف هذا وبوضوح، فإبادة 100 مليون من السكان الأصليين في أمريكا الشمالية لم يكن أمراً عادياً.

الفلسطينيون والتجاوز

لم تستطع الرواية الغربية أن تسلب الفلسطينيون من إرادة المعنى. هم يعرفون أنهم بصمودهم أقوى من كل الماديات، والأسلحة.

رغبتهم في الحياة أظهرت المعنى الكامل للحياة. استطاعوا أن يتجاوزوا كل المعاني المادية ويصبحوا أعلى من كل الماديات. وأصبح المعنى لحياتهم هو كيفية انتصار الضعيف والمظلوم على القوي الظالم.

وكلما زاد الاحتلال الصهيوني في القتل، زادت ارادتهم في الحياة رغم الموت، وهذا بالضبط أرقى أنواع التجاوز للإنسان الباحث عن المعنى.

لذلك تجد اليوم الكثير منا يقول: لم أعد اعطي أهمية كبيرة للمشاكل الحالية التي أوجهها في حياتي كما في السابق. لأني آمن في وطني، ولدي قوت يومي، ومعافى في جسدي، وهذا يكفي حقاً.

وهنا تأتي إرادة المعنى لتحقق التعالي على تحديات اليوم العادية والمادية، ولتقول لكل واحد فينا: إن ما تعانية في حياتك أقل بكثير مما تتخيل.

وهنا رسالة أخرى يقولها لنا شهداء فلسطين.

لا تيأس ولا تتوقف

هناك من يشعر بان طعم الحياة اختلف، لا قدرة له على فعل شيء، وشعور كامل بالإحباط.

الحزن أمر طبيعي وهذا أدنى أنواع المسؤولية، ولكن لا تيأس، وتذكر أن أهم ما يجب أن تفهمه اليوم أن قوانين المعنى والتجاوز التي يمتلكها الإنسان بما لديه من روح إلهية أرقى وأعمق بكثير من القوانين المادية والواقعية الفارغة.

أحمد أبوطالب

نوال1 أعجبهم العدد
مشاركة
نظام التخطيط العبقري

نظام التخطيط العبقري

المخطط التقليدي لديه أهداف ويخطط ولكنه لا يحقق ويشعر بالقلق واللاجدوى وغير راضي عن حياته. مع "نظام التخطيط العبقري" ستتحول إلى المخطط العبقري الذي ينجز بشغف وانغماس، ولديه تركيز عالي ويعيش حالة من الرضا.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نظام التخطيط العبقري