الذكاء القرائي يكشف المخبآت - العدد #7 |
بواسطة عبدالله الشهري • #العدد 7 • عرض في المتصفح |
|
الذكاء القرائي يكشف المخبآت |
يختلف القارئ الذكي عن غيره في مساحة استيعابه أثناء القراءة، وفي فهم أفكار المؤلف الواضحة والخفية، وفي معرفة ما تركه من أفكار قصدا ليصل إليها بتأمله .. وأتذكّر كلمة شيخ البلاغيين أبي موسى : " القارئ الذي يحتاج أن يقال له كل شيء لم يَردْ في خواطر علمائنا، وما ورد في خواطرهم هو الذي يؤخذ بيده خطوة ، ويترك ليخطو هو الخطوة التي تليها ". |
كما يمتاز القارئ الذكي بخصائص عالية يتفوق بها على غيره، ومنها أنه ينظر في النص فيقتنص منه ملمحا وفكرة أرادها المؤلف ولم يفصح عنها، وأحيانا يبني من تأمله أفكارا جديدة لم يردها صاحب النص .. |
وهو مع هذا لا يَغْفل عن تلك الفجوات بين النصوص، فيصنع رؤى وافكارا ترتق تلك الفجوات، وتنسخ الخيوط بين المعلومات، وتزيد الجمال والكمال في حقله المعرفي. |
يقول الجاحظ أحد أذكياء الدنيا وكبيرُ قرائها: " الكتاب وعاء ملئ علما، وإناء شُحن حكمة، وظرف حُشي ظرفا، وإن شئتَ كان أعيا من باقل، وإن شئت كان أبلغ من سحبان وائل " أي أن درجة الفائدة تعتمد على اقارئ وفهمه ووعيه وذكائه. |
ويؤكد الطبيب المالطي إدوارد دي بونو هذا المعنى بقوله : " القراءة ليست مجرد أخذ الأفكار كما هي؛ بل يجب أن تكون عملية إعادة تشكيل مستمرة لما تقرؤه لتجعل منه شيئا يناسبك " |
ومن المتقرر أن الذكاء موهبة فطرية، يعوّض كثيرا منها الاجتهاد وكثرة المزاولة. |
وفي هذا الشأن تعجبني هذه الكلمات المحلقة للرافعي، وأرددها كثيرا، حيث يقول:" إن دأبت في القراءة والبحث وأهملت أمر الزمن طال أو قصر = انتهى بك الزمن إلى يوم يكون تاريخا لمجدك، وثوابا لجدّك" ، على قناعة أن الصادق في رغبته لا يثني رقبته لينظر إلى الفائت، بل عيناه شاخصتان ليغتنم القادم، وينتهز الفرص. |
هذه القراءات تحتاج مع كثيرتها ومداومتها إلى إعمال فكر ـ لأن إعمال الفكر هو سر الرسوخ! |
فالقراءة مع التفكير هي التي تعطيك ما كنت تؤمله قبل اقتناء الكتاب، وعليه فالتركيز والتأمل والفحص للأفكار من الغنائم الكبرى للقارئ الماهر. |
يقول التوحيدي : " القراءة ليست بما تجريه العين على الأسطر، بل بما تُديره النفس من تأمل في المعاني ، وتفصيل في المباني " |
يقول أ.د. عبدالله البريدي " في العقل غرف معْتمة، لا يدلنا على كنوزها غير قراءة ماهرة" |
وليس الحال مع كل النصوص، فالنصوص متباينة في قوتها وعمقها، ولذلك ينقل عن فرانسيس بيكون قوله: "بعض الكتب يجب أن تُذاق، وبعضها يُبتلع، وبعضها يمضغ ويهضم"، وهو القائل: " القراءة تصنع الإنسان الكامل، والمناقشة تصنع الإنسان المستعد، والكتابة تصنع الإنسان الدقيق" . |
التعليقات