نشرة مِـدخنه - العدد #1

عندما وقعت عيناي  لأول مرةٍ على لوحة الفنان الفرنسي جان فيكتور والتي تصور لحظات الوداع الأخيرة للفيلسوف الروماني بوثيوس مع عائلته قبل إعدامه لم استطع نسيانها.

كانت اللوحه مليئة بالعواطف الجياشه وتعكس الحزن العميق والتأمل الهادئ في آنٍ واحد , قصة هذا الفيلسوف تستحق الوقوف عندها فهي قصة صمود وإبداع في أحلك الظروف , فقد قضي بوثيوس عاماً كاملاً في السجن لم يثنه ذلك عن مواصلة التفكير والتأليف , بل ألف خلال تلك الفترة كتاباً يعد من أعظم الأعمال الفلسفية في التاريخ الغربي "عزاء الفسلفة".

في القرن السادس الميلادي برز أربعة رجال كان لهم تأثير كبير على الثقافة الغربية , وكان بوثيوس أحدهم , عاش في إيطاليا خلال حكم الملك ثيوريك , وفي عام 523م وجه الملك ظروفاً سياسية صعبة , خشي الملك على نفسه ومن الم}امرة التي تحاك ضده فقرر إلقاء القبض على وزيرة وعضو مجلس الشيوخ بوثيوس , ثم أصدر أمراً بإعدامه لكن السجن لم يكن نهاية بوثيوس بل كان بدايةً لتأليف عملٍ فلسفي خالد.

كتاب عزاء الفلسفة هو حوارُ فلسفي عميق بين بوثيوس وإمرأة تجسد الفلسفة , يتناول الكتاب أسئلةً جوهريةًحول العدالةِ والمصير والسعادة ويجمع بين الشعر والنثر بإسلوبٍ آخاذ , يبدأ بوثيوس كتابه بالإشادة بفلاسفة مثل سقراط و أفلاطون وأرسطو , معتبراً إياهم الفلاسفة الحقيقيين بينما ينتقد الرواقيين والأبيقوريين واصفاً إياهم بأدعياء انخدع فيهم الناس , يري بوثيوس أن السعادة هي الخير الأسمي وأن الصداقة هي قيمةً سامية كما يستعرض العديد من المبادئ الأفلاطونية التي استقاها من الفيلسوف سينيكا.

مايميز بوثيوس هو قدرته على تحويل محنته إلي مصدر إلهام , لقد أظهر كيف يمكن للفلسفة أن تكون ملاذاً للإنسان في أوقات الحزن والألم , يؤكد بوثيوس أن الإنسان سيد نفسه وقادراً على مواجهة تقلبات الدهر بقوته الداخلية معتبراً العقل ركيزةً أساسية لتجاوز الألم النفسي ويحذر من الوقوع تحت سيطرة الحزن وهي رسالةً قويةً لايستكيع نقلها إلا فيلسوف متمكن.

أعود إلى لوحة جان فيكتور والتي تصور بوثيوس وهو في سجنه إنها تحمل العديد من الرموز الفنية العميقة , المرأة التي تحمل طفلاً والكلب , الشخص الجالس في الأسفل كلها عناصر تعبر عن الحياة داخل السجن: الحرمان والخسارة والألم , وأيضاً تحمل نوعاً من الصمود والأمل في مواجهة الظلام. 

أخيراً يعتبر كتاب عزاء الفلسفة الذي كتب في عام 524م , من أهم الأعمال الفلسفية في العصور الوسطي الغربية وقد وصف بأنه العمل الأكثير تأثيراً في تلك الفترة ولا يزال حتى فى تاريخنا الحاضر , من أفضل الترجمات العربية التي قدمت هي ترجمة الدكتور عادل مصطفي الصادر عن دار رؤية , هذا الكتاب ليس مجرد عمل فلسفي بل شهادة على قوة العقل والإرادة في مواجهة المحن وهو مايجعل قصة بوثيوس وكتابة خالدين ليومنا هذا.

فلم وثائقي شاهدته مؤخراً ..

ككل الكوارث التي حلت بنا مع دخول الرأسمالية وماجنت علينا من ويلات أصبح عالم اليوم أكثر نهماً من ذي قبل على إجبارك للدخول في دوامةٍ لاتنتهي من الإستهلاك وجعلك إنساناً متعطشاً دوماً للشراء وفي كل مرحله يستوحش أكثر هذا العالم ويخرج لنا باختراع يدمر البشرية .. وثائقي يكشف لك كيف تتلاعب بنا الشركات وتغضط أكثر على الجانب النفسي وتوهمنا بأننا بحاجة للشراء ونحن لسنا كذلك.

مقطفات من عالم الإنترنت ..