تمهيد لسلسلة المقالات القادمة في كتاب صمت الأرشيف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

قلة ممن كان يتابع محتواي يعرف أن هذه ليست محاولتي الأولى في الكتابة الطويلة، فقد كتبت في الماضي مقالين؛ الأول كان عن تجربة صوم رقمي عشتها، والآخر كان عن موضوع "من يكتب التاريخ". كلاهما كانا نتاجًا من كتابين قرأتهما وشرعت بالكتابة في مواضيعهما أو مواضيع شبيهة لهما، ولكن حبي للمثالية أوقفني عن إكمال ما بدأت، وللأسف قمت بحذف المقالين ولا أستطيع إيجادهما الآن.

منذ مدة كنت أفكر في ما تعلمت من الكتب غير الروائية التي قرأتها، وخلال هذا التفكير ومحاولة استذكار الفائدة، اكتشفت أني لم أتذكر أي شيء... وأصبحت فكرة العودة للكتابة عن الكتب الحل لهذا النسيان.

وهذه السلسلة القادمة بإذن الله هي أول خطوة - أو بالأحرى خطوات لطول الكتاب ودسامته - لكتابة المقالات بشكل منتظم. مع أني شخصيًا لست بالمميزة أسلوبًا، ولا بالأفصح، ولا بالأفضل، ولا يُعوَّل علي في الكتابة بشكل خاص، لذا هدفي هو البساطة والإيضاح والابتعاد عن أي نوع من التكلف.

وبهذه المقدمة أستطيع الآن الانتقال لموضوع السلسلة وكيف سيكون ترتيبها وتعريف بسيط للموضوع.

الكتاب الذي اخترت التحدث عنه هو "الصمت الأرشيفي"، وهو كتاب مكون من مجموعة مقالات متنوعة لأكاديميين وخبراء مختلفين يتحدثون فيها عن مواضيع مختلفة في الصمت الأرشيفي بشكل خاص، والأرشيف بشكل عام، مع تركيز تاريخي وسياسي. (سيتم شرح كل هذه المصطلحات في هذا المقال ).

لن تكون المقالات تلخيصًا فقط بل مناقشة مني للمواضيع المطروحة، كوني طالبةً في درجة البكالوريوس في إدارة الوثائق وعلم الأرشيف. وهذا هو أحد الأسباب التي دفعتني لاختيار الكتاب، لأني سأستطيع الإضافة والبحث بشكل أعمق عنه وربطه بمجال دراستي الحالي.

الكتاب "صمت الأرشيف: الأرشيفات المفقودة، الضائعة، وغير المُنشأة" الذي ستتمحور المقالات القادمة حوله وحول المواضيع التي يطرحها.

تعريف المصطلحات و شرح للأفكار الرئيسية 

تعريف الأرشيف: الأرشيف هو المركز الذي يتم فيه تخزين المواد الأرشيفية و هي المواد التي تملك قيمة دائمة. المواد قد تكون ذات طبائع و مواد مختلفة فقد يحتوي الأرشيف أوراقًا حكومية ذات أهمية تاريخية, صورًا, خرائطًا, مذكرات شخصية و حتى تسجيلات صوتية! و يحتوي الأرشيف أيضًا على أي مواد أخرى ذات أهمية و يتم تصنيف كل هذه المواد وحفظها لتكون متاحة للأجيال القادمة من للباحثين و المهتمين.

هناك أنواع كثيرة من المنشئات الأرشيفية فقد يكون الأرشيف تابعًا لدولة حيث يركز على تاريخ الدولة و الأوراق الحكومية المهمة فيها مثل الأرشيف و المكتبة الوطنية للإمارات العربية المتحدة. و قد يكون الأرشيف متخصصًا بتجميع الوثائق المتعلقة بموضوع معين, مثل الأرشيف الرقمي للخليج العربي, و قد يكون الأرشيف مدارًا من قبل الشركات أو الأفراد. و لكل نوع من المنشئات الأرشيفية أهدافًا معينة تختلف فيها عن بعضها. 

الصمت الأرشيفي: الصمت الأرشيفي هو الغفلات المتعمدة أو غير المتعمدة للمواد التاريخية أو الوثائق، كأن يتم مثلًا اتلاف أو إخفاء بعض الوثائق و الأوراق التي تثبت افعالًا شائنة قد قامت بفعلها الدول الاستعمارية في الدول المستعمرة.

يولد الصمت الأرشيفي فراغات تاريخية ونواقص في فهم التاريخ، مما يغير السرد التاريخي والنقاشات المتعلقة بالموضوع. فعدم وجود الأدلة، سواء أكانت قد أتلفت، ضاعت، أُخفيت، أو حتى إن لم يتم إنتاجها بالأساس، يغير الطريقة التي يُنظر بها إلى: الصراعات، الأحداث, الدول، الجماعات، الشعوب، وحتى الأفراد.

علاقة الأرشيف بالتاريخ: يعتمد الباحثون والمؤرخون على المواد التاريخية في الأرشيف لفهم التاريخ. وأي نقص في المواد الأرشيفية يغير الطريقة التي يُفهم بها التاريخ، وسيتم نقاش هذه العلاقة بين الأرشيف والتاريخ بشكل مفصل في المقالات القادمة بإذن الله.

علاقة الأرشيف بالسياسة: تستعمل الكيانات المحتلة و تستهف الأرشيف في عملية احتلالها فإن تدمير أرشيف الدولة المستعمرة يحذف دليل وجودها و حق شعبها بأرضها, اضافة إلى ذلك قد يستعمل الصمت الأرشيفي المتعمد و التحكم الشديد بالأرشيف للتحكم بالشعب المظلوم و دفن أي دليل عن الظلم. 

أهمية الموضوع للجمهور العربي 

 آمل أن تساعد المقالات القادمة القراء على إدراك الأبعاد المختلفة للصمت الأرشيفي، سواء كان ذلك في سياق تاريخي أو سياسي، وأن تشجعهم على التفكير النقدي في كيفية عمل الأرشيفات وتأثيرها على ذاكرتنا الجماعية و كيف نفهم التاريخ. هذه السلسلة ليست مجرد استعراض لفصول الكتاب، بل هي محاولة لفتح حوار حول المواضيع التي يطرحها و قد تكون بداية لنقاش أكبر عن الصمت الأرشيفي المتواجد أو الذي وجد في منطقة الشرق الأوسط على مر الحوادث و التوترات المتواجدة في المنطقة لهذا اليوم.

هيكلة المقالات و طريقة تقسيم المقالات

سيتم تقسيم الكتاب إلى مقالات لكل فصل من فصوله

في  نهاية كل مقال سأدرج - إن وجد- بعض المراجع التي استعملتها في مناقشتي للفصل أو كأقتراحات للقارئ إن أراد التوسع و الإستفادة أكثر

مبدئيا هذه هي مواضيع الفصول - بالترتيب- التي سأشتق لكل فصل منها مقالًا خاصًا     

    (قابل للتغيير, الزيادة أو النقصان)

•  نظريات حول الصمت الأرشيفي – مايكل موس وديفيد توماس
• ما هو الصمت: المثال الأسترالي – مايكل بيغوت
• السجلات الصامتة المعاصرة: الوصول إلى أرشيف لجنة التحقيق الخاصة في أيسلندا – إيريكور غ. غودموندسون 
• الضوضاء في الأرشيف: الاعتراف بالحاضر الذي تم إسكاته في ذاكرة أرشيف الكاريبي – ستانلي هـ. غريفين 
• الذكريات المُسكتة وغير المُسكتة: الأرشيفات الخاصة بشرطة البرازيل السياسية – ريناتو ب. فينانسيو وأدالسون أو. ناسيمنتو
• كشف الصمت الأرشيفي من خلال الصور والاستماع: تصور الأرشيفات كمساحة ديمقراطية – إيرا س. بوينروسترو
• الصمت في أرشيفات مالاوي – بول ليهوما
• الصمت في الأرشيف التركي: من الإمبراطورية العثمانية إلى الجمهورية الحديثة – لالي أوزدمير وأوغوز إيسيمسوي
• الأرشيفات المُسكتة والأصوات المؤرشفة: المصادر الأرشيفية لتاريخ الهند بعد الاستقلال – سوان تشاكرابورتي
• أصوات الأطفال والمراهقين في الأرشيفات – ميتي سيديلين وكريستيان لارسن
• اليوميات والصمت – بولي نورث 
• سد الفجوات – مايكل موس وديفيد توماس
• كلمة ختامية: حكايات من الأرشيفات التي تكون أحيانًا "صامتة" – ديفيد د. هيب

الخاتمة

وبهذا أختم هذا المقال بوعد ودعوة. أعد بتقديم مقالات قيّمة تهدف إلى إفادة القارئ، مع الإشارة إلى أنني قد لا أتمكن من تجنب الأخطاء تمامًا، لكنني سأبذل قصارى جهدي لتكون قليلة. وأدعو القارئ لمتابعة المقالات القادمة وأن يناقشني في أي نقاط لم يفهمها أو وجد فيها الخطأ, فإن هدفي الأول من السلسلة هو التعلم لكلينا: كاتبَا و قارئَا معََا.