هوس اقتناء الكتب |
بواسطة محمد الجراح • #العدد 1 • عرض في المتصفح |
أتذكرُ آخِر يوم عزمتَ فيه على عدم شراء كتابٍ آخر، فلم تلبث أن دحضت عزمك؟
|
|
الكتاب وعاء مليء علماً، وظرف حيي ظرفاً.. والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملك، والناصح الذي لا يستزيدك |
الكتب هي قريحة علم كاتبٌ جزل، وفحوى أسلوب دمث، ونتاج علمُ المكترث، فمتى تجد كتاب جيد فأعلم أنك صادفت عالمٍ على مستوى من الدراية راقيها، وقريحة من نسيجٍ مختلف خصيبها، وغَورٌ تقريريّ سليمُ القول عميقهُ، وذوقٌ يكاد يصل إلى مثالية بسيطة؛ فلكل عمل بشريّ حَد يصلهُ جاثيًا على ركبتيهِ وراكعةٌ مساعيه. |
هوس اقتناء الكتب👀 |
ترتاب هذه العادة - غنًا عن الوصب النفسيّ - القارء الشره، فمتى سقطت مُقلتاهُ غفلةً وغِرة على كتابٍ، التحم نسيجه بنسيج الكتاب، وهامت روحهُ إليه، فلا يلبث أن يخرج دراهمه إزاء البائع ويقتفي الكتاب. |
وما يجعل هذا الهوس ضارٌ لنا، هو أن - غالبا - هذه الكُتِب تؤنس العناكب، وتبيت ملاذا صلدًا للأتربة والغبار، ودار ضيافة للنمل، ولا يستفيد منها المُشتري إلا الشراذم والجذاذات!. |
كيف نشأ هذا الهوس |
هوس الكتب وفقًا لتاريخ الأندلس |
لا يغربن عنك، أن الكتب توقَّلت منصبًا عاليًا لدى العرب في الأندلس، بل قيل بأن:- |
إذا خَرَجَ فُلانًا لقضاء حاجة، أو لشراء مقتضى، أو لاستزادة رزقٍ, وصادفَ في طريقهُ كتابًا، لاشتراه وأعرضَ عن حاجته. |
وهذا أمر يفسر نفسهُ، لكون الكتب في ذلك الوقت غاية في الندرة، حيث لم تكن الطباعة متوفرة وكانت الكتب تُنسخ باليد، فكانت باهظة الثمن. |
فلذلك ارتبطت الكتب ارتباط وثيق بالمكانة، وأن صاحبُ أكبر مكتبة لا جَرَمَ في كونه يتوقَّل العُلا ويتسوَّر الشرف، وتتجلى علومهُ ويمتاز عن الأنام. |
بل كانت وصمةُ عار ألا تمتلك بعضة كتب في بيتك، بل كانت أشد وطأة من محاربٍ مغوار سل سيفًا لا تكل غواربهُ ومن ثُم أخمدهُ والسيوفُ دمُ. |
هوس اقتناء الكتب في عصرنا الحالي |
أما في ذرى هذا العصر, ونشأة هذا الجيل، بدت هذه الظاهرة بأن تأخذ منعطفًا آخر فيه يتجلى التسويف، فمبدأ الأمر يشعر الإنسان بريبةٍ إزاء أمر ساء أمرهُ في حياته، فيذهب لشراء كتاب يعالج هذه المشكلة ويهدئ من وطأة بزلاء الموقف العسير، فمتى اشترى الكتاب وجد نفسه على أولى خطوات الطريق، فتخف في لقاءه بعض الوطأة، ويجد فيه بعض العزاء، وتُفرز هرمونات السعادة، ويشعر المشتري بأن المشكلة التي عَزَمَ على حلها ستنقشع غمامتها، وبئس ما حسب وظن, حيث أن الأمر يتطلب قراءة الكتاب، وتنفيذ مافيه، لا بأن تتمسك بالمشاعر الجيدة التي حالفتك وأنت تشتريه. |
التحرر من هذا الهوس |
تكمن الطريقة في طيلة النفس، ومتلازمة الصملة |
فلا تشتري كتابا آخر إلا بعد إنهاء الكتاب الأول، وتعزف كليًا عن شراء ولو صفحة واحدة إلا حينما تنهي ما قبلها |
وثاني الطُرق هي أن الشراء عادة، وما يستثيرها النظر للمكاتب ورفوف الكتب الممتلئة، فتجنبها. |
التعليقات