نشرة ثويني محمد آل عليوي البريدية - العدد #30

14 مايو 2025 بواسطة ثويني محمد آل عليوي #العدد 30 عرض في المتصفح
قصة للأطفال:أول ريال

اصطحبني صديق الطفولة، إلى منزل رجل ثري دعاني إلى العشاء، ولعلي استغربتُ أولًا من روعة قصره، لكن دهشتي بأكملها تحولت إلى ملامحه، التي أخذتني إلى سنوات مضت، ولمعتْ عيناه كذكرى باهتة، حين كان يقف في زاوية الشارع، قرب دكان والده، ينادي بحماس: "بليلة.. بليلة ساخنة!"

كنتُ أشتري منه بعد صلاة التراويح، وأنا مشفق عليه، لم أكن أعرف حينها أنّه سيصبح يومًا بهذا الثراء. تفرقت بنا السنوات، والتقينا اليوم، وهو يرتدي ملابس أنيقة، وعيناه تشعان ببريق النجاح. سألته عن أحواله، فأخبرني عن مشاريعه الكبيرة، وعن حياته المزدحمة بالأعمال.

تذكرتُ أيام طفولتنا، وضحكاتنا. ابتسمتُ، وقلتُ له: أتذكر عندما كنت تبيع البليلة؟ كنتَ تحلم بشراء ثياب العيد من بيعها.

نظر إليّ بدهشة، ثم ابتسم بدوره، وقال: أتعرف بأنّ ما حدث تلك الأيام كان درسًا أعطاني إياه أبي. في يوم رميتُ ريالًا على الأرض ساخطًا؛ لأنني أريد مبلغًا أكبر. فكرتُ في شراء الكثير من الأشياء التي طالما رغبتُ فيها، من الحلويات والألعاب. لكنّه قال لي:" يا ولدي، المال مثل الماء، إذا سُكب هدر، وإذا جُمع نفع". كان في اعتقادي يحاول مغالبة شعوره بالاستياء من تصرفي، ولمّا نصحني بتجربة بيع البليلة؛ لأنّني أجيد طبخها، أدركتُ أهمية كل ريال. لقد علمني كذلك أن أدّخر ما أكسبه.انشغلتُ فيما بعد عن حديثه الماتع، فقد انهمك رأسي بالتفكير فيما أشعر به، فصديقي لم يتغير رغم كل ما حققه. وقبل مغادرتي بدا أنّ الوقت مناسب لحظتها؛ كي يأخذني إلى مكتبته الصغيرة. أخذ من على أحد الرفوف لوحة ذات إطار مذهب، توقعتها شهادة تكريم أو صورة شخصية، ولكنّني تفاجأت بوجود ريال قديم داخلها. قال لي: "هذا أول ريال لي من تعبي وبيعي للبليلة". وكمن تذكر شيئًا جميلًا ابتسم، ثم أردف: " في ذلك اليوم قلت لأبي سأشتري ثوب العيد". 

سألته: ولكنك لم تستمر إلا مدة شهر رمضان.ثم لم أقل أي شيء آخر؛ لأنّني لمحتُ ابتسامته الواثقة، وكأنّها تخبرني بأنّ ذلك كان كافيًا.

مشاركة
نشرة ثويني محمد آل عليوي البريدية

نشرة ثويني محمد آل عليوي البريدية

أكتب هنا: عن الكتابة، شذرات، قصص، نصوص.. أهتدي ببوصلة الكتابة في أمواج هذه الحياة لئلا تضيع مني الاتجاهات..

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة ثويني محمد آل عليوي البريدية