عويل القلب في متاهة الزيف

4 مايو 2025 بواسطة شروق #العدد 2 عرض في المتصفح


أيّتها السماء، تنهّدي معي، فكم كانوا مشوهي الروح، كم كانت أرواحهم عتمةً تلبّدت في قبحٍ لا يعرف الجمال! يا لهم من كائناتٍ عارية، عوراتها مكشوفة، لا يسترها إلا رداءٌ من أكاذيب بالية، تنهار تحت وطأة الحقيقة. صفعةٌ مريرة هوت على خدّ قلبي، حين انقشع ضباب التجميل، وحين تبدّت الحقيقة كوحشٍ مخيف يزمجر في الظلام. قبحٌ ينخر الروح، يلوّث النقاء، يخنق الأمل بأنيابه السوداء. وأنا، يا للغباء الذي سكن عينيّ، أنا التي ألقت بقلبها المتوهّج، بثقتها الطفولية، في بئرٍ موحلة، تعجّ بأفعى الكذب ووحوش الخيانة. لم أحسب يومًا، لم أتخيّل أن يكون هذا القبح متجذّرًا فيك، فيهم، فيك أنت، وفيه، وفي كلّ من عبر دربي بقناعٍ من حريرٍ زائف.أنت، يا من مشوه الروح قبل الملامح، روحك جرداء، شخصيتك هشّة كقصبةٍ تتكسّر في مهبّ العاصفة. منافقٌ جبان، مريضٌ بالوهم، تائهٌ في متاهة غرورك. ترسم لنفسك أقنعةً مزيّفة، تتوهّم أنك تملك بحرًا من العمق، وأنت مجرّد سرابٍ يتلاشى عند الاقتراب. أأكرهك أم أرثي لك؟ أبواك زرعاك في أرضٍ قاحلة، لكنك أنت من أغرق نفسه في مستنقع الضعف، بغبائك، بكذبك الذي صار دمًا يجري في عروقك. تظنّ نفسك عارفًا بالحياة، لكنك كحمارٍ متعجرف، يحلم أن يصير جوادًا يصهل في الأفق. كذّابٌ أشر، مخادعٌ رخيص، تتخلّى عن الودّ بسهولة، تلهث وراء راحةٍ لن تدركها أبدًا. أدعو السماء أن يطاردك عذابك كظلٍّ لا يفارق، أنت الذي تذهب بكلمةٍ وتعود بأخرى، خائنٌ للعهد، للحب، للنور. لا أمان في عينيك، لا دفء في يديك، لا شيء فيك سوى كذبك المُحكم، كلوحةٍ مزيّفة تبهر العين وتخفي وراءها الفراغ.أنت، يا من تحمل سريرةً كالليل بلا قمر، ناقص الرجولة، معدوم الهوية، تتدثّر بوشاح العلم والعمق، وأنت صحراءٌ جرداء، لا زهرة فيها ولا ماء. كذبك صار لحنك، غرورك قناعك، تظنّ أن الكون يتربّص بك، وما أحدٌ يلتفت إلى ظلّك. ممثلٌ يتقن دوره، يرتدي أقنعة الرجولة والذكاء، لكنه خائنٌ متعدد الوجوه، منافقٌ يتغذى على دماء القلوب المخلصة، مستغلّ ينحت من ضعف الآخرين تاجه.
أيّتها الرياح الحزينة، احملي شجني إلى السماء، فهناك من كان يرتدي ثيابًا من جمالٍ زائف، كأنها أثواب حريرٍ تخفي تحته جرحًا نازفًا. عضلاته المفتولة كتماثيل رخامٍ باردة، بلا روح، وكلماته المعسولة كعسلٍ مسموم، يغري اللسان ويقتل القلب. كذباته متقنة كلوحةٍ مزيفة، تبدو آسرة من بعيد، لكنها تتحطّم عند لمسة الحقيقة. صوته العذب كأنغام قيثارةٍ منكسرة، وعيناه النعسانتان كبحيرتين راكدتين، تخفيان في قاعهما ظلامًا موحشًا. رسوماته قبيحة كانعكاس روحه، وشخصيته، يا للأسى، مجرّد سرابٍ يتلاشى في مهبّ الريح. رجولته مفقودة، كنجمةٍ طُمست في سماءٍ ملبّدة بالغيوم. حربٌ قاسية، كعاصفةٍ لا ترحم، ألقت بك في غياهب الوحدة، كطائرٍ جريحٍ يتخبّط في ليلٍ لا نهائي. النقص يعتصرك، والدونية كسلسلةٍ تقيّد خطواتك، والقسوة والألم رفيقاك الأبديان، كظلّين يتبعانك في كلّ درب. أبوك، يا للمرارة، ألقاك للذئاب، كمن يترك غزالًا صغيرًا في غابةٍ متوحشة، وأنت، بلا حولٍ ولا قوة، كورقةٍ تتقاذفها الرياح. قصصك التي ترويها كأساطيرٍ ملفّقة، ومالك الذي تنفقه كدراهمٍ ترميها في بئرٍ جافة، وهداياك التي تشتريها كمحاولاتٍ يائسة لشراء قلبٍ لا يُباع. ظننتَ، يا للغباء، أنك تستطيع إخفاء فراغ شخصيتك، كمن يغطّي الهاوية بغصنٍ يابس. رجولتك الغائبة كقلعةٍ تهدّمت أسوارها، ومرضك النفسي كبحرٍ مظلم يغمرك، موجةً تلو موجة، حتى غرقتَ في أعماقه. أدعو ربّ السماء، أن يبعد أمثالك عني وعن كلّ قلبٍ نقيّ. أدعو أن يطاردك الندم بقية عمرك، كشبحٍ لا يفارق، أشفق عليك من غبائك الذي كسفينةٍ تحطّمت على صخور الحقيقة، ومن هشاشتك التي كزجاجٍ يتكسّر بلمسة، فأنت ضعيف كطائرٍ فقد جناحيه. 
أيّتها السماء المتثاقلة بالحزن، تنهّدي مع آهاتي، فهناك من هو أدنى من الأنعام، بل أسوأ مصيرًا، كائنٌ مشوّه الروح، ملوّثٌ بقذارةٍ معنوية وحسية، كوحشٍ يتخبّط في مستنقعٍ لا قرار له. أنت، يا للأسى، بلا أملٍ ينير دربك، كأرضٍ جرداء لا تنبت حتى شوكًا. عقلك معدوم، كبئرٍ جافة لا ماء فيها، وقلبك ميت، كحجرٍ بارد لا يعرف النبض. لا تعقل، كأعمى يتيه في ظلمةٍ أبدية، ولا تشعر، كتمثالٍ من طينٍ يتحطّم تحت مطر الحقيقة. أنت غارقٌ في كدرٍ دائم، كغيمةٍ سوداء لا تمطر إلا رمادًا. ملعونٌ بحماقتك، محروقٌ بنار ضياعك، كشجرةٍ أحرقتها صواعق الغباء.كلمات الشتائم تتضاءل أمام حقيقتك، فلا لسان يستطيع أن يوفيك وصفًا، ولا قلبٌ يتحمّل قبحك. لكنها الحقيقة، عارية كسيفٍ يقطع الوهم، لا ادعاء فيها ولا زيف. أدعو، بقلبٍ مثقلٍ بالوجع، أن تغرق في وحلك الأزلي، ذاك المستنقع الذي لا أول له ولا آخر، الذي نسجته بيديك وغرقتَ فيه باختيارك. لا منقذ لك، كغريقٍ يتوسّل البحر والبحر يبتلعه. كدتَ، يا للرعب، أن تسحبني إلى ظلامك، كمن يجرّ نجمةً إلى هاويةٍ سحيقة. كدتَ أن تغمرني بوحلك، أن أكون أسيرةً لقذارتك، أنت وأقرانك، كذئابٍ تتربّص بفريسةٍ بريئة. لكن الله، يا لعظمته، أنار دربي بنوره، ومدّ يد الرحمة لينتشلني من نفسي ومن نفسك الغارقة في الضلال. يا إلهي، كم أتنفس الصعداء، كطائرٍ تحرّر من قفصٍ صدئ، شاكرةً رحمتك التي أحاطتني كحضنٍ دافئ في ليلٍ قارس.
يا ربّي، يا حبيبَ قلبي النازف، يا منقذي الأزلي من غياهب الخيبة وأنياب الخداع، أنتَ النور الذي يشقّ ستائر الظلام، والحضن الدافئ الذي يأوي روحي المكسورة كطائرٍ جُرحت أجنحته. كن، أتوسّل إليك، درعي المنيع الذي يصدّ سهام الغدر، وسندي الأبدي كجبلٍ راسخٍ لا تهزّه العواصف. احمِ روحي، يا إلهي، من أمثال أولئك الأرواح الملوّثة، كما تحمي زهرةً هشّة من هيجان رياح الخريف القاسية، فلا يمسّها ذبولٌ ولا تنكسر أغصانها.اجعل قلبي، يا رحمن، سماءً نقيةً صافية، لا تعرف إلا بريق النور وسكينة النقاء، كأفقٍ يتلألأ تحت قبّة النجوم. أبعد عني ظلال الخداع وأوهام الكذب، كما تبدّد الشمس سدف الليل بأشعتها الذهبية، فلا يبقى إلا الدفء والوضوح. أغمض عينيّ، ودموعي تنساب كأنهارٍ صغيرة تحمل رجائي إليك، تناجيك بقلبٍ يرتجف شوقًا وحنينًا. أتضرّع إليك، يا الله، أن تكون ملاذي الأوحد، كمرفأٍ آمنٍ يحتضن سفينةً تاهت في بحرٍ هائج. وأرجوك، يا كريم، أن تمهّد دربي بحقولٍ من الحقيقية، كأراضٍ خصبة تفوح بالياسمين وتزهر تحت قبّة السماء الرحبة، حيث تتراقص الزهور مع نسمات الصدق والوفاء. يا ربّي، يا حبيبَ روحي، كن نوري الذي يهديني، كنجمةٍ قطبية ترشد التائهين، واجعلني أعبر هذه الحياة محفوظةً برحمتك، كغيمةٍ بيضاء تحمل المطر لكنها لا تعرف إلا الخير. أتوسّل إليك، يا إلهي، أن تظلّ يدك الكريمة فوقي، تحميني، ترعاني، وتقودني إلى حياةٍ لا يشوبها إلا الحب الصافي والسلام.

شروقسارة محمد2 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة شروق البريدية

نشرة شروق البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة شروق البريدية