نشرة شروق البريدية - العدد #1

20 أبريل 2025 بواسطة Shorook Qassem #العدد 1 عرض في المتصفح
الأمومة

أميل بأذني إلى همسات أمهات يبثثن أناتهن في محافل الشكوى للمعلمات، يروين كيف يعاند أبناؤهن وبناتهن الصلاة، ويرهقونهن في شؤون الدين، والدراسة، وسلوك المعاملات. في تلك اللحظات، يتراقص قلبي المتفائل على أنغام الأمل، يهمس: "آهٍ، لو أنعم الله عليّ بلذة الأمومة!" وينسج من خيوط الحلم خططاً وردية: حين أغدو أماً، سأغزل لأبنائي نسيج تربيةٍ متكامل، يتشابك فيه خيط الدين العطر، والرياضة النشطة، والأخلاق النقية، ليكونوا أزاهير البشر    . سأكون نسمة حانية، لا أدع في قلوبهم ذرة شك بأنني أحبهم بكل جوارحي. لن أسمح لكابوسٍ مظلم أن يدنس حلمهم، كابوس أن يصبحوا ظلالاً تائهة تتبع الغرب بعمى، جاهلين بعبق دينهم، بعيدين عن سجدات المساجد، أسرى شاشات الإنترنت، أو أن يطووا صفحات دراستهم على فشل. سأعمل بتوكلٍ على الله، متسلحة بالأسباب، متشحة بالنصائح الدينية والعلمية، ومعي زوجٌ يرتقي بأبوته إلى مصاف الروعة. لكن فجأة، يقتحم عقلي المشهد كفارسٍ من زمنٍ غابر، يحمل سيف الحقيقة، ويهتف بصوتٍ يُوقظني من سحر الحلم: "ألم تكن كل أمٍ تذرف دموع الشكوى اليوم مثلكِ في سالف الأيام؟ تُزيّن أحلامها كما تُزيّنين، وتنسج خططاً كقصورٍ من رمال الآمال، ثم ها هي تجوب الأرض بحثاً عن نصيحةٍ كمن يبحث عن كنزٍ مفقود، وتبث أحزانها لكل عابرٍ كأنها طائرٌ جريح؟" فتتسلل إلى نفسي سكينةٌ كموجةٍ هادئة تلامس شاطئ الروح، إذ أدرك أنني لست بعدُ أماً تحمل على كتفيها أمانة إنسان، حياته كنجمٍ ينتظر الضياء، مستقبله كبذرةٍ تنتظر المطر، تعليمه كلوحةٍ تنتظر الفرشاة، صحته كزهرةٍ تنتظر العناية، واستنارته بدينه ودنياه كطائرٍ ينتظر أجنحة الحرية. فأرفع عيني إلى السماء، وقلبي يشدو بنداءٍ يفيض عرفاناً: "يا رب، ما أجلّ كرمك، وما أعظم رحمتك التي تظللني!" هل سأملك قوة الإيثار، فأفني نفسي وجسدي وعمري لأربي ذريةً صالحةً، تزهر كالنجوم في سماء التقى؟ أم سأنجرف مع سيل الجموع، أنسج أحلامًا وخططًا، فتتبدد كالغبار في مهب الريح، لأصير أمًا ضاعت آمالها كما تاه الكثيرون؟ يساورني خوفٌ عميقٌ، كظلٍ ثقيل، من أن يغدو أبنائي أسرى الإنترنت، مفتونين بضجيج الكرة، متيّمين بأوهام الممثلين والمغنين، يهتفون للغرب بقلوبٍ غريبة عن نور الدين. كابوسٌ يلتهم قلبي، يجعل ليلي أرقًا ونهاري شوقًا لحمايتهم وهدايتهم.

شروق قاسم1 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة Shorook Qassem البريدية

نشرة Shorook Qassem البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...