القوّة التي أودعها الله بك

20 مارس 2022 بواسطة نواف #العدد 1 عرض في المتصفح


في فترة قريبة ومع اختلاف الكثير من الظروف المحيطة بي والتعرض للرفض والفشل أكثر من مرة وخوض العديد من التحديات والمعارك الخاسرة؛ كل ذلك بدون أي إدراك أدى إلى اهتزاز الإيمان بداخلي كما لم يحدث من قبل. فالتعود على النعمة نقمة ولربما فقداني لجزء كبير منها بسبب تلك الفترات العصيبة التي مررت بها كان بمثابة تنبيه يذكرني بوجودها، فاستئناس النعم يفقدك قيمتها الحقيقة وبالتالي تسيء استخدامها.

أعدت التفكير في أحداث كثيرة في حياتي كانت توضح مفهوم الإيمان الفعلي وكنت أتساءل حول السر الذي يجعلني أحيانا أجزم بنجاحي قبل الإقدام على تحدٍ ما مهما بدت لي صعوبته! ووجدت الإجابة السريعة هي أنه طالما أن لدي المهارات والقدرات اللازمة للنجاح فكيف للفشل أن يحدث؟

على هذا النهج المثالي الطفولي وضعت أهداف كثيرة ولم يحالفني الحظ بتحقيقها، لم يخطر على بالي أبدًا أنني سأفشل يوما ما الفشل الذريع؛ مما عزز لدي الطموح للمزيد والمزيد من النجاح، وهنا بدأت بعض الصفات السلبية في النمو فأصبحت لا أتقبل الفشل وأسعى خلف الكمال الوهمي. أثناء تلك الفترة كنت أستخدم أكثر صفة مزعجة في الأطفال وهي الإصرار على مطالبي مهما كلف الأمر ومهما بدا أنه مستحيل الحدوث. وأيضا لشدة إيماني بقدرات الفرد كنت كثيرًا ما أنزعج من مفهوم الواسطة ومن وضْع الكثيرين أعذار فشلهم عليها وتسليمهم لذلك، وأن فرصهم القليلة هي نتيجة عدم امتلاكهم لهذه الميزة! وعلى الرغم من كل هذا إلا أني لا أذكر بداية ناجحة في حياتي أبدًا، بل معظمها كانت متواضعة وفاشلة، أتعلم الدرس أولا حتى يتسنى لي النجاح بعد ذلك، كل ذلك كان دون تخطيط أو دراية وإنما لطف الله وحكمته.

بعد مواجهة الرفض والخروج من دائرة النجاح وتوالي الفشل مرات عديدة دون جدوى، هذه الأحداث جميعها أبت إلا أن تسلب جزء كبير من تقديري لذاتي وقدراتي وثقتي بهما مما أدى إلى المزيد من الفشل والغرق. عدم انتباهي للمعنى خلفها جعلني أعيش فترة تخبط في البحث عن تعويض النقص الذي خلفته، فتارة أعتقد أنني كنت محفوف بالنعم وحين سلب مني بعضها هويت من أعلى القمة، وتارة أخرى أشعر بالرغبة للاستسلام والعودة فلا حاجة للمزيد من المعارك الخاسرة. قضيت فترة طويلة محاولا كشف الطريق الأنسب للعودة وتحقيق النجاحات من جديد، ولكن كل نجاح أحققه كان يعقبه فشل ذريع، ولا وجود للنهج المثالي الذي كنت أعيش عليه طيل الفترة الماضية، مما أدى لارتكاب المزيد من الأخطاء دون جدوى.

كنت أعتقد أنها مجرد فترة انتقالية في حياتي ويجب أن أتعامل معها بمنطلق أقل جرعة مؤثرة من الفشل والإحباط، فبدأت في تقبل أنني غير قادر على تحقيق جزء كبير من أهدافي وأنها من المستحيل أن تكون مثالية بلا شوائب، فشخص كان يرتوي ويشبع غروره بالصورة المثالية في ذهنه لكل أمر يقدم عليه أصبح يصعب عليه تخيل ذلك بعد الآن. حاولت ملء ذلك الفراغ ولكني لم أنجح، وكانت كل تلك المحاولات بمثابة إبر مهدئة بعضها يدوم طويلا والبعض الآخر يتلاشى مع أول منعطف. صعب علي معرفة الخلل حينها، فكيف لي معالجة مشكلة لا أعرف سببها وكيف أعرف سبب مشكلة لا أقر بوجودها أصلا.

مرت الأيام ولا زلت محاولا الصمود لكي أخرج بأقل الأضرار، وهنا قد عدت طوعا لأقر بأنني بالفعل قد فقدت بعضا من إيماني أو بالأصح تبقى لي بعض منه وما فُقد كان أكبر. حاولت معرفة تعويض هذا الجزء المفقود من جديد وواجهت حينها تحدٍ آخر حيث كيف لي أن أكتسب ما وهبني ربي، فقد جئت إلى هذه الحياة وأنا مؤمن بنفسي وربما الأيام عززت ذلك بداخلي، وأيضا الأيام نفسها هزت تلك الثقة، وإن تركنا القرار للأيام كي تعيد ما سلبته فلن تفعل حتى نأخذ الخطوة الأولى بوعي وإدراك تام بأننا نحن من يتحكم بنا لا هي.

فاصل شعري:

"لا يدرك المجد إلا سيد فطن

لِما يَشقُّ على السادات فعال

لولا المشقة ساد الناس كلهمُ

الجود يُفقر والإِقدام قتال.."

إيماننا بذواتنا وقدراتنا هو العامل الأول الذي يجعلنا نقرر أن نخوض المعركة القادمة أم لا، وأن نقدم على تحدٍ جديد دون غيره، فلا ثقة ولا شجاعة فعلية دون إيمان بالنفس، والإيمان هنا لا يصل لذروته من غير توكل على الله، حيث أنهما الأساس لكل ما وضعه الله بداخلك من ثقة وإصرار لكسب التحديات ومواجهة العقبات والأزمات. فالتوكل هو الخيط الرفيع الذي يفصل بين ذروة الإيمان بالنفس والغرور، وتوكلنا على الله يذكرنا دائما بنقصنا وحاجتنا له مهما تمتعنا من قدرات ومهارات عالية. وحينما تجمع بين الإيمان بنفسك والتوكل على الله تحدث المعجزات وترى النجاح ملازما لعملك مهما بدا لك أنه شاق وليس بمثالي، بل حتى عند وقوع الفشل ستتعرف على سببه سريعا وتعيد التجربة.

أن تؤمن بذاتك يعني أن تواجه التحدي الذي ظن الجميع أنك لست كفؤ له، أن ترى المشاكل بمثابة محطات تزودك بالمهارات اللازمة للوصول، أن تجعل من روحك الوثابة وقود لهمّتك حينما تتوالى عليك الأزمات، أن تصدق مع نفسك فلا تخوض معارك ليست لك ولا تنسحب من معارك أنت بطلها، أن تكون شجاعا متقبلا لأخطائك فلا تمل المحاولة ولا تخجل من الفشل، أن تؤمن بنفسك يعني أن تكون أنت، أنت كما خلقك الله لا كما شكلتك الأيام.

بعد معرفتي للأمر الذي افتقدته في تلك الفترة من حياتي وحين عادت المياه لمجاريها؛ أيقنت أنه بدون أدنى شك فقدان النعمة يُغليها والتمتع بها يُرخصها وربما يُفقد قيمتها. فنعمة الإيمان لا تقل أهمية عن نعم الله الأخرى ولذا يجب علينا أن نشكره عليها بمراعاتنا لها، وحسن التصرف بها، ووعينا بحجم تأثيرها غير المباشر على مجرى حياتنا.

يارب لا أخشى عدم الوصول ولا الذي ينتظرني عند الوصول.. و إنما يعِزّ علي أن أسلك طريقاً لا يشبهني، طريقٌ يفقدني نفسي قبل أي شيء.

كان هنا نواف، إلى اللقاء.

مشاركة
نشرة نواف

نشرة نواف

هنا نتاج التفكير, التعلم, والتجربة

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...