نشرة نسيم البريدية - العدد #1

13 مايو 2025 بواسطة نسيم #العدد 1 عرض في المتصفح




حين يخونك الشغف
( التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية للعلامة  عبد العزيز الناصر الرشيد )
هذا الكتاب كنتُ أهوى قراءته من سنواتٍ طويلة. جهدتُ في البحث عنه، وكان سؤالي عنه يومَها، وتنقيبي في المكتبات ودور النشر، شغلي وهمّي، وها أنا ذا اليوم أظفر به في حُلّةٍ بهيّة كما أشتهي، خط واضحٍ وورق مصقول وحرفٍ كبيرٍ مريح للعين .
  لكن... كأن الهمّة قد فترت و ذهب ما بها من قوة ، أو بالأحرى توزَّعت على أمور أخرى، وتَشاغَلتْ بأشياء غير هذا الكتاب... ليست هذه أول مرة بل تكرر أكثر من مرة . شغفٌ غير منضبط، أو إن شئتَ قلتَ: شغفٌ كاذب، يُجافي الحقيقة، ويخذل التوّق الذي يحسبه المرء صادق دائما .
كم ذا يطارد أحدنا كتابا أعجبه ، استلب خياله كما يُطارَد السراب، ظنًّا أنّ في صفحاته جوابٌ لسؤلاته ، أو أنّ بين دفّتيه ما يرضي تلك الحاجة المِلْحاح ، التي تسكن جوانحه و لا يحسن أن يسميها. فإذا به بعد الظفر بالكتاب ، في صمتٍ ، وعزوفٍ كبير ، يقلّب النظر في الغلاف، ويتعلّل بانشغالٍ طارئ، أو أن الوقت غير مناسب ألبتة.
هل نحن حقا نهوى القراءة ؟ أم نهوى فكرة القارئ الذي نتخيّل أنفسنا أننا نحن هو ؟  
ثمّة شيء خفيّ في لحظة الشغف تلك، كأنها لحظة توقّف الزمن: نكتب العنوان في مفكّرتنا، نلتقط له صورة في ذهننا، نهمس لأنفسنا "هذا ما كنت أبحث عنه!"، لكن تلك اللحظة تأبى الدوام . تتحوّل بسرعة إلى لحظة نسيان، ثم يتراكم الغبار على الغلاف الجميل، ويصبح الكتاب شاهدًا على رغبةٍ خانها صاحبها .
ليست المشكلة في الكتاب، بل فينا نحن. في هويّةٍ قرائية متقلّبة، وفي طموحٍ ثقافيٍّ لا يسنده انضباط نفسي، وفي قلبٍ يَتُوه بين ألف لذّةٍ ولذّة، ثم لا يستقرّ على واحدة منها . ربّما نحن نحتاج إلى أن نعيد تعريف الشغف، لا بوصفه تلك اللهفة الخاطفة، بل بوصفه بأنه الصبر، والمثابرة، والمضيّ في التعلّق، حتى بعد انطفاء البريق.
فيا أيها الكتاب يا أنيس الوحدة ، لا تؤاخذني على فتوري وتقاعسي، ولا تظننّ بي سوءًا. إنّي عائد إليك، ولو بعد حين، عائد لا بذاك الشغف البارد ، بل بصدق الحاجة، وبخُطى القارئ الحقيقي الذي يريد أن يكون قارئًا حقًّا، لا هاويَ مطاردةٍ عابرة.
نسيم ( أبو شعيب)

مشاركة
نشرة نسيم البريدية

نشرة نسيم البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...