نشرة نبض القيم، أجاويد ٣

في شهر رمضان، حين تنساب أوقاتنا بين الصيام والقيام، يتنفس القلب برائحة جديدة، رائحة التسامح التي تجعلنا نلتقي مع أنفسنا ومع الآخرين في سكينة عميقة. لا شك أن التسامح ليس مجرد كلمات نتداولها، بل هو شعور يحيي الروح ويجعل الحياة أكثر نورًا وصفاء. هو جسر نمده بين الماضي والحاضر، وبين القلوب التي كان بينها جفاء. في رمضان، ينساب هذا النهر العذب من التسامح ليغسل ما علق في النفوس من ضغائن، لنعيد بناء ما تهدم من علاقات، ولنجعل من كل لحظة فرصة جديدة للسلام الداخلي.

مبادرة أجاويد 3

يحكى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عن من أساء إليه، فعندما تُسأل عن معنى القوة الحقيقية، تجد أن القوة في التسامح، في أن تختار أن تسامح من أساء إليك، وأن تترك للنور مجالًا أن يتسلل إلى أعماقك. العفو ليس علامة ضعف، بل هو الشجاعة الحقيقية التي تجبر القلب على أن يكون أكثر اتساعًا، وأقدر على العيش في هدوء.

التسامح لا يعني فقط أن نغفر للآخرين، بل أن نغفر لأنفسنا أيضًا. في هذا الشهر المبارك، نحن بحاجة لأن نلتفت إلى الداخل، ونغسل آلامنا وأخطائنا التي قد تكون تراكمت بمرور الزمن. نحتاج أن نعلم أن كل خطأ يمكن أن يكون فرصة للتعلم، وأن كل لحظة ألم يمكن أن تكون بداية لشفاء النفس. في رمضان، يصبح العفو عن النفس أمرًا ضروريًا، لنغلق الأبواب على الماضي ونتجه نحو الفجر الجديد الذي لا يعترف إلا بالسلام.

قال جبران خليل جبران: “التسامح هو الزهور التي تنمو في أرض القلب، فتغطي الجراح وتفتح أبواب السلام.” كأن التسامح زهرة تنبت في أرض قلوبنا، وتزهر بعبيرها في كل مكان، فتجعلنا قادرين على العيش بسلام في عالم مليء بالضغوط. عندما نزرع التسامح في أرواحنا، فإننا نحرر أنفسنا من قيود الألم، ونفتح أمامنا مسارات جديدة مليئة بالفرح والطمأنينة.

ربما حان الوقت لنسأل أنفسنا: ما الذي لا يزال يعلق في قلوبنا من أحقاد وألم؟ ما الذي نستطيع أن نتسامح معه لنبني السلام الداخلي؟ لنعطِ لأنفسنا وللآخرين فرصة جديدة، لنعبر من خلال التسامح إلى أفق أرحب وأجمل.

في الختام، نكون قد بدأنا معكم أولى خطواتنا في “نبض القيم”، حيث كانت البداية مع التسامح، تلك القيمة التي تفتح لنا أبواب السلام الداخلي وتجمعنا في رمضان حول معاني أكبر. هذه هي أولى نشراتنا الرمضانية، التي تأتيكم في إطار مبادرة “اجاويد 3”، لتكون مصدر إلهام وتأمل، ولنعمل معًا على نشر القيم الإنسانية العميقة في حياتنا اليومية.

انضموا إلينا في كل عدد جديد، وكونوا جزءًا من هذه الرحلة الرمضانية المليئة بالتغيير والنمو.