نشرة في سياق أخر البريدية - العدد #1 |
15 أكتوبر 2024 • بواسطة في سياق أخر • #العدد 1 • عرض في المتصفح |
قراءة لكتاب اختراع العزلة لبول أوستر
|
|
كتاب "اختراع العزلة" للكاتب الأمريكي بول أوستر هو عمل أدبي يجمع بين السيرة الذاتية والتأمل الفلسفي، حيث يسعى الكاتب إلى استكشاف موضوعات العزلة والفقدان والذاكرة. ينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسيين: الجزء الأول يحمل عنوان "بورتريه لرجل غير مرئي"، بينما الجزء الثاني بعنوان "كتاب الذاكرة". |
![]() اختراع العزلة - بول أوستر |
القسم الأول: بورتريه لرجل غير مرئي |
في هذا القسم، يروي أوستر قصته الشخصية مع وفاة والده المفاجئة. يتناول الكاتب علاقته المتوترة والمعقدة مع والده، حيث كان والده شخصية غامضة، بعيدة وغير متفاعلة عاطفياً، مما ترك لدى أوستر إحساسًا بالعزلة منذ الطفولة. من خلال محاولته لفهم هذه العلاقة، يبدأ أوستر في تفكيك شخصية والده ورثاء فقدانه، لكنه يدرك في النهاية أن والده كان شخصًا غير قابل للإدراك بالكامل، مثل شخص "غير مرئي". |
الجزء الأول يحمل طابعًا سرديًا شبه روائي، حيث يحاول أوستر إعادة بناء صورة والده من خلال استحضار الذكريات المبعثرة واللقطات البسيطة من الحياة اليومية. هنا نجد أن العزلة، سواء الذاتية أو المفروضة، تتحول إلى موضوع رئيسي ينعكس في سلوك الأب، الذي عاش حياة منفصلة إلى حد كبير عن أسرته. |
بطبيعة الحال هنا نجد أن كتابة أوستر فيها حده تجاه والده وهذا أمر قد لا نقبله نحن العرب ولا نحبذه إطلاقاً وهو أسلوب كتابة غربي بامتياز .. وأعتقد أن أكثر كاتب عربي مارس هذا الأسلوب في الكشف عن المحظور أو ما لا يجوز كشفه هو لويس عوض في كتابه "أوراق العمر". |
القسم الثاني: كتاب الذاكرة |
هذا الجزء أكثر تأملاً وفلسفة، حيث يغوص أوستر في موضوعات أوسع مثل الطبيعة الإنسانية، العزلة الفردية، وكيفية تشكيل الذاكرة لهويتنا. يستخدم الكاتب نصوصًا فلسفية وأدبية وفنية لمناقشة كيفية فهمنا للذاكرة والعزلة، وكيف أن الإنسان يسعى دائمًا إلى إيجاد المعنى في الأشياء، حتى في فقدانه. يمكن اعتبار هذا الجزء محاولة لفهم العزلة ليس فقط من منظور شخصي بل من منظور وجودي، حيث يتناول موضوعات مثل الذاكرة والهشاشة الإنسانية والحاجة إلى الانتماء. |
... |
1. الأسلوب السردي: يتسم أسلوب أوستر بالوضوح والبساطة، لكنه مشبع بتأملات عميقة. النص مليء بالاستعارات والتشبيهات التي تضفي على العمل طابعًا فلسفيًا. ورغم أن الكتاب يبدو في جزء منه سردًا شخصيًا، إلا أن أوستر يحول تجربته الخاصة إلى تجربة عامة، تتحدث عن حالة إنسانية مشتركة وهي العزلة. |
2. التأمل الفلسفي: جزء كبير من قوة الكتاب يأتي من تأملات أوستر الفلسفية حول العزلة والذاكرة. هذا المزج بين السيرة الذاتية والفكر الفلسفي يجعل من "اختراع العزلة" نصًا متعدد الطبقات، حيث يمكن قراءته من زوايا مختلفة: كعمل أدبي، أو كنص فلسفي، أو حتى كتأمل في طبيعة العلاقات الإنسانية. |
3. الطابع الحميمي: على الرغم من أن النص يتناول موضوعات فلسفية واسعة، إلا أن هناك طابعًا حميميًا فيه. أوستر يشارك قراءه بأكثر لحظات حياته خصوصية، مما يجعله يتواصل مع القارئ على مستوى عاطفي وإنساني عميق. |
4. العزلة كموضوع مركزي: العزلة في هذا الكتاب ليست مجرد شعور فردي، بل هي حالة وجودية. يعالج أوستر العزلة من خلال علاقة الابن بوالده، ومن ثم ينتقل إلى مستوى أوسع يعالج فيه العزلة البشرية بشكل عام، مما يمنح الكتاب طابعًا تأمليًا عميقًا حول ماهية الحياة والذاكرة. |
أخيراً .. |
"اختراع العزلة" عمل مميز في مسيرة بول أوستر الأدبية، يجمع بين العمق الفلسفي والتأمل الذاتي. إنه نص يعكس تعقيدات العلاقات الإنسانية والهشاشة التي تتخللها، وفي نفس الوقت يتناول مسألة العزلة التي تبدو محورية في التجربة الإنسانية. من خلال استكشافه للذاكرة والفقد، يقدم أوستر للقارئ تجربة أدبية ثرية تستحق التأمل. |
رابط الكتاب على تطبيق أبجد: |
أختراع العزلةwww.abjjad.com |
التعليقات