حكايات من ملابس الشرق👘 - العدد #3

8 مارس 2025 بواسطة محمد ابراهيم مهدي #العدد 2 عرض في المتصفح
العاشر من ديسمبر كان نقطة تحول في حياتي، يومٌ تحول من مجرد استعداد للسفر إلى اليابان إلى مغامرة ساحرة حملتني بين طيات الثقافة والخيال✈️.

بدأت رحلتي صباحًا، أستعد للذهاب إلى البلاد التي طالما سحرتني منذ صغري، بفضل تلك "النميات" التي كنا نشاهدها أنا وأخوتي بشغف، نتخيل أنفسنا أبطالها وسط عوالم مليئة بالمغامرات. أقلعت الطائرة في تمام الثانية عشرة ظهرًا، وحطت بي في اليابان، التي شعرت وكأنها كوكب آخر تمامًا.

عند وصولي إلى طوكيو، لم أستطع كبح تلك الذكريات التي جلبتها معي من صفحات رواية "نيون طوكيو". تخيلت شوارع شيبويا المزينة بالأضواء النيونية، والأجواء النابضة بالحياة، والآن كنت أسير فيها بحواسي كلها، أعيش الرواية بين الواقع والخيال.

قضيت أسبوعًا حافلًا بالمتعة والاستكشاف. كنت أتنقل بين المعابد القديمة في كيوتو، أزور ضريح "فوشيمي إيناري" الشهير بأقواسه الحمراء، وأتذوق أطباق السوشي الطازجة في سوق تسوكيجي. ومع اقتراب نهاية الرحلة، قررت أن أحمل معي تذكارًا يحمل روح اليابان.

في أحد أزقة طوكيو، وقع بصري على محل صغير أشبه بجوهرة مخفية. كان تصميمه مستوحى من الطراز الياباني التقليدي: واجهة خشبية مصنوعة من البامبو، أضواء خافتة تتراقص بانعكاسات خفيفة، وزوايا مزيّنة بمصابيح ورقية تضفي لمسة من السكينة.

رحب بي رجل مسن بدا وكأنه خرج لتوه من كتاب تاريخي، وجهه هادئ وعيناه تحملان حكمة السنين. بابتسامة ودودة، قال: "إيراشايماسي" (مرحبًا بك). تجولت في المتجر وكأنني أكتشف كنزًا دفينًا. كانت الرفوف ممتلئة بكل ما يعكس جمال التراث الياباني، من الدمى الخشبية المزخرفة، إلى الأواني المصنوعة يدويًا.

ولكن، أكثر ما لفت نظري كان لباسًا طويلًا بأكمام واسعة ورباط عند الخصر، مزينًا بألوان حمراء جريئة. التقطته بحماس، وشعرت بأنه يناديني ليكون تذكاري المثالي. إلا أن الرجل نظر إليّ بحذر واستغراب، ثم قال بصوت خافت وكأنه يحكي سرًا: "هذا ليس لباسًا عاديًا... إنه كيمونو من نوع فريد يُقال إنه يجذب الأرواح الشريرة. نحن نعرضه فقط احترامًا للتاريخ، ولكنني أنصحك بألا تقتنيه."

ارتبكت، وسألته عن القصة خلف هذا الكيمونو. أخبرني بأن اللون الأحمر الداكن كان يُستخدم في الماضي خلال طقوس خاصة لدرء الشر، ولكنه بات يُعتقد الآن أنه يلفت انتباه الأرواح الشريرة بدلًا من طردها.

ثم أشار إلى كيمونو آخر، بلون هادئ مطرز برسومات زهور الساكورا (زهور الكرز) والكركري (الرافعة اليابانية). قال بابتسامة أهدأ: "هذا الكيمونو يحمل معاني الجمال والحظ وطول العمر. وربما، إذا ربطتِ الأوبي (الحزام) بإحكام، ستبدين كنبيلة حقيقية."

ابتسمت للرجل المسن في المحل وأنا أطلب منه أن يعرض لي المزيد من تراث شرق آسيا، وكان يبدو أنه يفهم شغفي بكل ما هو تقليدي. فبخفة يده، بدأ يخرج المزيد من الملابس التي كانت تحمل قصصًا قديمة وروحًا عميقة.

أخرج أولًا الهانفو، وهو لباس تقليدي صيني مزخرف بأكمام طويلة وواسعة، بدرجات الأسود والأحمر. قال لي بحذر: "هذا الهانفو مزخرف بهذا الشكل ليحمل معاني عميقة، ولكن للأسف، يُقال إن الأسود يرمز إلى الحداد والموت في الثقافة الصينية، مما يجلب الحظ السيء."

شعرت بحزن خفيف في قلبي، حيث أنني كنت أعتقد أن كل قطعة من التراث تحمل معها معاني إيجابية، لكنني أدركت أن كل زي يحمل سحرًا من نوع مختلف، وليس دائمًا بالطريقة التي نتخيلها.

ثم، أخرج لي التشيباو، فستان طويل ضيق مع شق على الجانب. قال لي بابتسامة دافئة: "التشيباو رمز للجمال والأنوثة في الصين. يُقال إن النساء الحوامل إذا ارتدين تشيباو أحمر، فإنهن ينجبن أبناء محظوظين. هذا التقليد يعود إلى الاعتقاد في تأثير الألوان على حياة الإنسان."

لم أستطع إلا أن أبتسم عند سماع هذا، وتخيلت كيف أن الألوان تمتلك قوة في الثقافات المختلفة، وكأنها تكتب مصير الأفراد على مدى الأجيال.

ثم جاء دوره ليعرض الهانبوك، وهو زي كوري تقليدي، وعرفت مباشرة ما هو. كنت من هواة "الكيدراما"، لذا كنت على دراية بهذه الملابس التي تحمل تاريخًا طويلًا من الثقافة الكورية. كانت التنورة طويلة والبلوزة قصيرة ذات الأكمام الطويلة، وكان فيها شيء يعكس النبل والجمال في تنسيق الألوان.

قال الرجل: "اللون في الهانبوك يعكس الطبقة الاجتماعية للفرد. الأبيض، الذي يُعتبر الطهر والبساطة، يرتديه عامة الشعب. الأحمر والأخضر كانا مخصصين للأعراس، أما الأزرق، فيرمز إلى النبلاء."

كنت أستمع بكل حماسة وهو يشرح لي تلك التفاصيل الدقيقة، وأتخيل كيف أن الملابس كانت تروي قصصًا عن من يرتديها. في كل قطعة، كان هناك عالم من الرمزية، والتقاليد التي تحكي عن طموحات وأحلام الناس عبر العصور.

وهناك أيضًا اعتقاد قديم في كوريا، يقول إن النساء اللواتي يرتدين الهانبوك الأزرق أثناء الحمل سيُنجبن أطفالًا أذكياء. الأزرق كان يعد لونًا يُرتبط بالحكمة والنبل، ويُعتقد أن لبسه يمنح الأبناء صفات العقل الراجح."

تخيلت نفسي وأنا أرتدي هذا الزي الأزرق، وأتخيل ما إذا كانت هذه القصص القديمة تحمل حقًا بعض الحقيقة. ولكن هناك جزء آخر من التاريخ الكوري الذي استوقفني أكثر، وهو ما قاله عن الأكمام المفتوحة في الهانبوك: "في الماضي، كان يُعتقد أن ارتداء الهانبوك مع أكمام مفتوحة يمكن أن يسمح للأرواح الشريرة بالدخول إلى جسد الإنسان. لهذا، كان يتم تجنب هذا اللباس في أوقات معينة من السنة، خصوصًا أثناء الحمل أو في المناسبات الخاصة حيث يكون الشخص بحاجة إلى الحماية من الطاقات السلبية.

ثم طرح البائع علي سؤالا قائلا اتعلمين من هو الشعب الذي اتخذ غابات بلاده حصنا و من ارادته سلاحا

ضحكت وأنا أسمع السؤال الذي طرحه البائع، فقد كنت قد تذكرت فورًا تلك اللحظات التي كنت أقرأ فيها عن التاريخ الفيتنامي، فقلت بثقة: "الشعب الفيتنامي العظيم!"

ابتسم البائع بإعجاب وقال: "أحسنتِ، لقد كانوا شعبًا يعشق الحرية والمقاومة، فاستطاعوا تحويل غاباتهم إلى حصون، واستخدموا إرادتهم كسلاح في معركتهم ضد الاحتلال. والآن دعيني أريك شيئًا آخر من تراثهم."

  ثم أخرج من الرف "الأو داي"، زي طويل وناعم مع بنطال فضفاض، وقال بصوت هادئ:"هذا هو الأو داي، كان في القرن الثامن عشر زيًا للمحكمة الملكية في فيتنام. أصبح رمزًا للأناقة في عهد الاستعمار الفرنسي، حيث أُضيفت لمسات غربية مثل الشكل الضيق للجاكيت. والآن، أصبح يُلبس في المناسبات الرسمية ويُعتبر رمزًا للنقاء والكرامة."

  كنت أستمع باهتمام وهو يواصل حديثه عن هذا الزي الجميل:"الطول والأناقة في الأو داي يمثلان اتصال الإنسان بالطبيعة، وكيف أن الإنسان يجب أن يعيش بتناغم مع البيئة التي حوله."

  شعرت بأن هذا الزي يحمل معاني عميقة أكثر مما يبدو عليه للوهلة الأولى. ثم أضاف:"أما الألوان، فهي تعكس الوضع الاجتماعي للمرأة. الأبيض يرمز للطالبات، بينما الأحمر هو لون العروس. ولكن يجب أن تعرفي أن هناك خرافة قديمة تقول إن ارتداء الأو داي في المقابر يجلب الأرواح الشريرة إلى المنزل."

مشاركة
نشرة محمد ابراهيم مهدي البريدية

نشرة محمد ابراهيم مهدي البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة محمد ابراهيم مهدي البريدية