عـمـــــــــق - العدد #11

بواسطة مريم الهاجري #العدد 11 عرض في المتصفح
واضح الهدف حتمًا سيصل

تمر بنا بعض المواقف الحالكة، القاسية، الغامضة، وقد تحجب عنا بعض جوانب النور، فكيف نتماسك ونتشبث بما بقي معنا من ضياء؟ وكيف نبقى صامدين في وجهها فتهزنا ولا تكسرنا؟

يكمن ذلك بمدى تسلحنا بتوكيد عالٍ لذواتنا، ووضوح أهدافنا التي نعمل من أجلها، فإما أن تمر بنا تلك المواقف دون أن تؤثر بنا، أو يكون تأثيرها عابرًا خفيفًا يمكن إصلاحه أو تجاهله، نعم تجاهله!

فهل كل المواقف تستحق أن نتوقف عندها كثيرًا مهما كانت قسوتها، أو شدتها أو تأثيرها؟ إن التوقف هذا يعني أنك تتأخر خطوة أو أكثر عن هدفك بسبب ألمٍ توقفت عنده، لذلك نصيحة من قلب، أعبر ولا تتوقف، تجاوز، الحياة ستمضي ولن تنتظر أحدًا.

في السنة السادسة للهجرة، منع كفار قريش الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة من دخول البيت، وبعد مفاوضات، رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الصلح معهم على شروط، فدعا علي بن أبي طالب رضى الله عنه ليكتب الصلح، وقال: اكتب بعد باسمك اللهم هذا ما اتفق عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو. فاعترض سهيل وقال: والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتب محمد بن عبدالله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم بحنكته العظيمة لعلي: أمحها يا علي، واكتب محمد بن عبدالله. فقال علي رضي الله عنه تأدبًا مع رسول الله: والله لا أمحوك أبدا. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم باستراتيجيته الفذة كان ينظر لما هو أبعد من ذلك فمحاها بيده الشريفة. والقصة مذكورة في الصحيحين.

بكل ثقة تجاوز النبي صلى الله عليه وسلم إنكار قريش لرسالته في ذاك الوقت، لهدف أكبر يطمح إليه، لم يعلمه أصحابه.

رغم مشاعر الحزن التي خيّمت على الصحابة رضوان الله عليهم، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عاد بهم إلى المدينة، وفي طريق العودة نزل قوله تعالى {إنا فتحنا لك فتحًا مبيناً} فسماه الله فتحًا؛ وقال عمر رضي الله عنه: أفتحٌ هو؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم.

لم يتوقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند هذا المنع والنكران من قريش، ولا عصاه أصحابه، بل حلقوا رؤوسهم تأسيًا به وشدوا رحالهم معه متجهين نحو هدفهم بثبات رغم ما ألمّ به من صدمة وألم.

بحكمة القائد قال: امحها يا علي. إنها تجاوز عن الصغائر للحفاظ على العظائم، وهي تحولٌ بالمسار من الجدل الهادر للأوقات الثمينة إلى الانشغال بالأعمال الكبيرة، إنه القائد الذي لا ينتظر الظروف، بل يصنعها!

وإذا تساءلنا عن أسباب هذه القدرة النبوية على التجاوز _عدا الوحي- نجدها في التوكيد العالي للذات، والثقة المتزنة بالنفس، والتقدير المرتفع للذات، ووضوح الهدف؛ فلم يضره أن لا تعترف قريش برسالته إذا كان هذا الموقف سيضمن له نجاح أهداف أخرى ذات مضمون أكبر يصبو إليها، وهذا ما حصل بالفعل.

هناك لحظات لابد أن نتجاوز فيها لاعتبارات أغلى وأثمن.

كم مرة مرّ بحياتك موقف كان الأجدر بك أن تتخذ قاعدة: أمحها يا علي؟

وهل ستتخذها قاعدة فعلاً؟

أما أنا فاتخذتها قاعدة وركزت على أفكاري العظيمة، وأدعوك لتستمع معي بقاعدة التجاوز "أمحها يا علي".

ممتنة لوصولك معي إلى هنا، عسى أن ينفعنا ما قرأت، إن رأيته مفيدًا فكرمًا منك شاركه الآخرين لينتفعوا.

نجلاء الهاجري1 أعجبهم العدد
مشاركة
عـمـــــــــق

عـمـــــــــق

على سبيل الفضول والبحث والطموح كل اثنين ستشرق "عمــق" بها شيئًا من قناعاتي وقراءاتي وعاداتي كي نرتقي معًا

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من عـمـــــــــق