نشرة الزبدة البريدية - العدد #1

2 أكتوبر 2024 بواسطة راكان بن ناصر #العدد 1 عرض في المتصفح

طُلب منّا محاكاة مقالٍ للأديب الطنطاوي كتبه ناقمًا على هجوم إسرائيلي بشع راح ضحيّته خمسين فلسطينيًا. وهذه المحاكاة هي لتدريب القلم على الكتابة وصناعة أديب متمكن كما ذكره لنا غير واحد من الأدباء الكبار وأوصى به. وأنا وثلة من الشباب نقرأ الأدب ونكتب عنه ضمن برنامج زبدة الأدب. هذا البرنامج هدفه صناعة أديب يعرف العربيّة الأصيلة وينهج نهج الأوائل في التعبير عن رأيه والتذكير بفنّه والتعقيب على آلام أمّته. ولأن المثقفين الجُدد يكتبون بالحروف العربية ويستعملون النهج الغربي في سكّ الجمل والربط بين الكلمات؛ ظهر من يحمل راية الأدب الأصيل والتذكير به كهجوم ثقافي مضاد وبنّاء. 

وما أشبه الأمس باليوم في الحديث عن فلسطين ودلالة هذا الأمر على قلّة الحيلة وضيق ذات اليد وهوان العرب والمسلمين على الناس وفيما بينهم. و فلسطين لا تطمع بحديثٍ صياغته عربيّة أصيلة بقدر ما تطمع بيدٍ عربية أصيلة، ونخوةٍ عربية أصيلة، ووقفةٍ عربية أصيلة. وبلاغة البيان عند أهل البيان ليست حكرًا على الكلام والكتابة والإيماء؛ الفعل أحيانًا أبلغ من كل بيان. وليس يغيب عن ذهنك قول المتنبي في هذا الصدد؛

السيف أصدق إنباءً من الكتبِ.. وقد صدق لله درّه. 

مضت سنون عديدة على مقالة الطنطاوي رحمه الله، وجمعٌ كبير من العلماء والأدباء سلّطوا أقلامهم على هذه القضية فكانت بليغة وفصيحة ولكنها لم تغيّر من الواقع قيد أنملة ولم تحرّك ساكنا ولم تستنهض غافلًا ولم تفعل شيئًا مما أراده كاتبو تلك المقالات. والحق يُقال، كانت لتلك المقالات مزيّة واحدة وهي أنها كانت بليغةً وفصيحةً تُعجب الأديب والمتأدب. أنا متأدب على مائدة "زبدة الأدب" أجلس، وقد دُعيت إلى مقالة الطنطاوي لكي أحاكيها، وهي عندي على المائدة كالسلطة على طاولة الطعام، يُستفتح بها ولا يعوّل عليها في الإشباع و الإكرام. وأردت أنا بالمحاكاة أن آتي بالعجل السمين وأن أضعه على الطاولة حتى تشبع العيون قبل البطون. و هذه سنة عربيّة أصيلة في إكرام الضيف لا تخفى على آدب ولا مؤدَب. 

وصاحب المقال لم يترك لمن جاء بعد مقالًا. تحدّث عن عدد القتلى ومأساة الأمة وخيبة الأمل وضياع البوصلة، ثم ختم بنداء عريض للأمة الإسلامية وأهمية فلسطين والمسجد الأقصى. وأظن المقال كُتب لأنه كان لابد أن يُكتب؛ تمامًا كـ التغريدات التي تحلّق في الفضاء الالكتروني لأنه كان لابد أن يُغرَّد بها. لأن المؤثرين والمشاهير وطلاب العمل مطالبون بإبداء رأيهم حول قضايا الأمة، وأظن هذا المقال كُتب من هذا الباب. ونحن الآن نكتب من هذا المنطلق، لأنه توجّب علينا الكتابة عن فلسطين وإن كان القائمون على هذا البرنامج مشكورين قد أذنوا بحرية اختيار نوع المقال وموضوعه، إلا أن المقترح له أولوية وأفضليّة. وهذه كما يسمّونها في الغرب "the nudge" حيث تكون الاقتراحات بمثابة دفعةٍ خفيّة لتبنّي رأي أو القيام بأمر يحبّه ويريده القائم على ذلك الشأن مع ترك باب الحريّة مفتوحًا لمن شاء. وأقرب مثال ليتّضح المقال، وضع الأغذية الصحيّة في مقدمة المحلات التجارية ووضع الأخرى في المؤخرة. بهذا التدبير يُدفع المشتري بخفّة وهدوء لشراء المنتج الصحّي والمفيد مع ترك باب حرية اختيار المنتجات الأخرى مفتوحًا. 

وحتى لا يطول الحديث ويسأم القارئ نقف عند هذا الحد حتى وإن لم يشبع المؤدَب من مأدبتنا هذه، ولكنا نعده بـ أجزل منها وأسمن في المرات القادمة، والسلام خير ختام. 

مشاركة
راكان بن ناصر

راكان بن ناصر

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...