نشرة حاتم الشهري البريدية - العدد #99

إدارة الرأي العام تُعَدُّ واحدةً من المسائل الحيوية في البيئة الاجتماعية، حيث يَسعى الإعلام في كثير من الحالات إلى تشجيع وتحريض الرأي العام على دعم بعض المغامرات السياسية غير المحسوبة واتخاذ قرارات قد تثير جدلاً بين الناس. في الحالة العادية، يَرَى الكثير أمورًا مثل الحروب والقتل والتعذيب بأنها غير مقبولة. ولكن تُستخدم الوسائل الإعلامية لتحفيز المجتمع وجعله يؤيدها، سواءً عبر الترهيب أو الترغيب.

على سبيل المثال، في 11 أكتوبر 2023، وفي سياق التأييد الغربي والأمريكي للكيان الصهيوني ومحاولة شحن الرأي العام العالمي لدعم حرب غزة، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: "لم أتوقع أبدًا أن أشاهد إرهابيين يقطعون رؤوس الأطفال. لم أتوقع أبدًا أن يحدث هذا." وأضاف أن مسلحي حماس نفذوا هجماتٍ "مروعة" على المدنيين، مشيرًا إلى أنهم قاموا بذبح الآباء الذين حاولوا حماية أطفالهم وقتلوا شباناً خلال مهرجان للاحتفال بالسلام. وقد انتشر هذا الخبر على نطاق واسع قبل أن يؤكد مسؤول في البيت الأبيض لشبكة "بي بي سي" البريطانية أن بايدن لم يشاهد صورًا لأطفال مقطوعي الرأس، ولكن تصريحاته كانت مبنية على "تقارير من إسرائيل".

كان لهذا التصريح تأثيرٌ خطير، حيث أدى إلى زيادة العنف، ومن ثم تم قتل الطفل الفلسطيني وديع الفيومي، الذي كان في الثالثة عشرة من عمره، بـ 26 طعنة، وأُصيبت والدته بجروح خطيرة على يد رجل أمريكي في ولاية إلينوي.

وتجاوزت تأثيرات هذا التصريح إلى منح الضوء الأخضر للكيان الصهيوني لقتل المئات من الأطفال الفلسطينيين، كما ظهر في مأساة مستشفى المعمداني.

ومن المثير للاهتمام أيضًا أن الصحفية والمؤلفة البريطانية الشهيرة صوفيا سميث جالر نشرت فيديو على حسابها على منصة تيك توك يفيد بأن وزارة الخارجية الإسرائيلية أنفقت 7 ملايين دولار على إعلانات اليوتيوب خلال الأسبوعين التاليين لعملية "طوفان الأقصى"، لترويج روايتها للأحداث. وكانت معظم هذه الإعلانات موجهة نحو بريطانيا وفرنسا وألمانيا! وطرحت صوفيا سؤالاً على متابعيها يقول: "هل تلقيتم إعلانات من هذا النوع؟"، وأكد معظم المعلقين أنهم تلقوا إعلانات من هذا النوع بشكل مكثف.

الاستخدامات السلبية للإعلام وصناعة البروباغاندا ليست وليدة اليوم، بل تمتد جذورها إلى فترات تاريخية بعيدة. فقد اعتادت الحكومات، سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو حتى في ألمانيا خلال فترة حكم أدولف هتلر، على استخدام وسائل الإعلام وفنون البروباغاندا للسيطرة على آراء الناس.

في حروبها الخارجية، اعتادت الحكومة الأمريكية على تشويه صورة الخصم ونشر الأكاذيب وتزييف الحقائق. فعلى سبيل المثال، صُوِّر للناس أن هناك عدوًا داخليًا في فيتنام، وأنهم يحاولون الدفاع عن شعب فيتنام ضد الجنوبيين الذين يمارسون العنف ضدهم. للأسف، صدَّق الأمريكان هذه الكذبة، وبالتالي دعموا الحكومة في قرارها بالحرب على فيتنام، والباقي نعرفه جميعًا.

وفي نفس السياق، اعتمد أدولف هتلر بشكل كبير على وزارة الدعاية النازية في الفترة بين عامي 1933 و 1945. كانت هذه الوزارة، التي كان يشرف عليها يوزف غوبيلز، تدير الإعلام ووسائل الدعاية في ألمانيا وخارجها. تم استخدام البروباجاندا والدعاية السوداء لتحريض الشعب الألماني، مما سهم في توجيه آرائهم وقراراتهم نحو المسارات التي خدمت أجندة الحكم النازي.

وبهذا نكتشف قوة الدعاية في تشكيل الرأي العام ونقل الأفكار المتطرفة، مما يبرز أهمية الوعي بدور وسائل الإعلام وضرورة تقييم المعلومات بحذر ونقد.

التحديات المستقبلية لوسائل الإعلام

مع تقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة، يزداد تحدي الإعلام في المستقبل، حيث تمنح هذه التكنولوجيا الفرصة للمحتوى الوهمي والأخبار المزيفة القدرة على الانتشار الواسع، مما يشكل تهديدًا للمصداقية الإعلامية ويشوش على وعي الجمهور. من هنا، يصبح من الضروري وضع إطار قانوني وأخلاقي صارم للحد من سوء استخدام التكنولوجيا وحماية الجمهور من تأثيراتها السلبية المحتملة، وضمان استخدام التكنولوجيا كوسيلة لنقل المعرفة بدلاً من أداة للتضليل ونشر الإشاعات.

في الختام، أود أن أقول إن سيل الأخبار الملتوية والتضليل لن يتوقف، والسلاح الوحيد الذي بين أيدينا هو الوعي والتفكير النقدي. من خلال تعلمنا كيفية التمييز بين الحقيقة والأخبار المزيفة، وفحص مصادر الأخبار بحذر، والتحقق من صحتها، وتطوير قدرتنا على التحليل النقدي والابتعاد عن العناوين الصادمة، نستطيع بناء مستقبل أكثر إشراقًا ووعيًا.

كن بخير حتى ألقاك في عدد جديد من نشرتي الصباحية بإذن الله. 

يوم سعيد أتمناه لك..