ماذا تعلمت من تصميم كروت أحذية مشمش و علب البيتزا لمطاعم محطة مصر |
14 يوليو 2024 • بواسطة هالة • #العدد 1 • عرض في المتصفح |
التصميم مهنة غريبة لأن القطاع الذي تخدمه هم تقريبا كل البشر، لكن عليك أن تفكر جيدا في القطاع الذي يخدمه تصميمك الذي تعمل عليه ” في هذه اللحظة“ من هم؟ كيف يفكرون؟
|
|
![]() |
إذا كنت تنتمي للطبقة محدودة الدخل مثلنا فستفهم جيدا المثال التالي: تسير في شارع نظيف وتطالعك واجهة متجر فخمة ، أبواب زجاجية واسعة لامعة ومُغلقة، أضواء المحل من الداخل تكاد تلتهم ظلام الشارع ، لصفائها وقوتها، فاترينة تحتوي ثلاث قطع من “المانيكان” ، تحيط بيها ديكورات أنيقة، تُعجبك قطعة ملابس، تقترب لتفقّد أي بطاقة سعر مُعلّقة عليها لكن بلا جدوى، لا لن تفكر أبدا في الدخول للسؤال عن ثمنها وإحراج نفسك، ربما يمكنك البحث عنها في الانترنت في وقت لاحق لتمتلك توقُّعًا عن مدى مناسبة هذا المتجر لطبقتك الاجتماعية. |
لكن ما علاقة هذا بالتصميم؟ |
إذا عدنا لتقييم تصميم واجهة المحل السابقة، لا يستطيع أحد منّا إنكار نجاحها وجمالها، لكن يبدو عزيزي محدود الدخل أنها لم تُصمم لك أنت (: |
كان هذا المثال أحد الأمثلة التي ضربها لنا أستاذنا في كلية الفنون الجميلة يوما عن تأثير الجمهور المستهدف على التصميم، رسخ المثال في ذهني ورتب الكثير من الأفكار، كان هذا الأستاذ قد صمم واجهة لمحل في منطقة شعبية، وكان التصميم كما وصفه” واجهة زجاجية كبيرة تحتوي الكثير من قطع الملابس المُكدسة، معلق على كل منها ثمنها، قد يسخر البعض ويقول، ماهذا التصميم السيء! لكن من يسخر لا يعرف أن الأم في هذه المنطقة تسحب خلفها أطفالها، تمسك في يدها مبلغًا من المال لتشتري لهم الملابس، وتحتاج أن تعرف وهي خارج المحل ثمن كل قطعة قبل أن تُقدم على الدخول والسؤال وإحراج نفسها، وإذا لم يحدث هذا، لن تدخُل المحل من البداية” |
نعم، لقد كان هذا التصميم الذي سيعتبره البعض تلوثا بصريًا أهم أداة تحول جمهوره من مقعد المشاهدين إلى متسوقين ثم مُشترين. |
![]() مصدر الصورة: قناة يوتيوب مع وفاء محمد |
وفي المقابل، يعرف مصمم الواجهة الفاخرة السابقة جمهوره جيدا، يمتلك جمهوره بطاقات بنكية ذات أرصدة يمكنها الصمود لحد كبير، يُقدِم عميل هذا المحل على الشراء والدفع ربما دون أن يسأل عن السعر، وسيعتقد جمهور هذا المحل أن قطعة الملابس نفسها إذا عُرضت في سياق مختلف أقل إبهارا أنها ستكون بالتأكيد أقل جودة (: |
لا يقتصر هذا على تصميم الواجهات أو الديكورات، إذا كنت تطلق على نفسك الآن لقب “مصمم” يجب أن تسأل نفسك في كل مرة تعمل فيها، لمن تصمم؟ |
ما قصة كروت أحذية مشمش؟ |
عملت في بداية مسيرتي الفنية “ معلش عدوها لي وخلينا نسميها مسيرة فنية” في مطبعة قديمة داخل شارع متفرع من شارع السبع بنات في المنشية، شارع قديم كل بناياته من الطراز العالي، ويقع بالقرب من سوق كمال سعد، جنة المطبوعات والورق في الإسكندرية، عملت في المطبعة والتي كانت يدوية على تصميم كروت شخصية لسباكين ومُصلحي أجهزة كهربائية ولافتات لمحال خضار وبقالة وعلب بيتزا لمطاعم شعبية. |
قد أخجل الآن من عرض هذه التصاميم ، ذلك أن المطابع القابعة في هذا الجزء من الكوكب تمتلك طرازًا خاصا في التصميم، لقد كنت - وبلا فخر- عند عملي في هذه المطبعة أحد المسؤولين عن اللافتات التي تحتوي كتابة حمراء عريضة على خلفية زرقاء بجانبها صورة ابن صاحب المحل. |
علّمني العمل في هذه المطبعة أن للتصميم وظائف أخرى غير التي يفكر فيها المصممون الحالمون أمثالنا، يريد صاحب المحل أن يكون اسمه مقروءًا، أن تقف لافتته بألوانها الساطعة وسط زحام اللافتات حوله، وأن يُعبّر فيها عن حبه الكبير لابنه المولود حديثا دون سياق. |
![]() .تصميم “شعبي” لكارت شخصي، فُقدت النسخة الأصلية لكن هذا المثال مشابه للأصل لحد كبير، الأرقام والتفاصيل غير حقيقية |
علّمني كذلك أن هذا الرجل يعرف جمهوره جيدًا، أحذية مشمش هو محل في قلب المنشية يبيع لوازم الأحذية كالأربطة والنعال -أكرمكم الله- وإذا قام مصمم فزلوك مثلي الآن بتصميم كارت شخصي غاية في الأناقة والشياكة والفخامة والغموض أوالمنيماليزم لمحل مثل هذا فإن هذا قد يكون سببا في صورة ذهنية خاطئة عنه. |
لا يحتاج هذا الرجل أن يظن زبائنه أن محله راقي أو أنه يمتلك بضاعة نادرة، ولكن أن يعرفوا عبر التصميم الشعبي جدا لكارته الشخصي أنه مثلهم، من قلب أزقة المنشية يبيع بسعر الجملة ويقبل الفِصال عادي جدا. |
الآن أعرف أن ثمة مجالات كاملة يدرسها الناس ليعرفوا الفئة المستهدفة من المشاريع، ويُجروا أبحاثًا على مستخدمي المنتجات ويُجروا اختبارات للتأكد من أن التصاميم التي أنتجوها تناسب هذه الفئة، لكني رغم هذا، وعندما أبدأ في شرح الأمر لأحد ما، لا أتذكر كل هذا، وأتذكر فقط مثال واجهة المحل الشعبية وتصميم كارت مشمش للأحذية. |
لا يعني الحديث عن أهمية هذا النمط من التصاميم في إيصال فكرة للجمهور عن مستوى الخدمة المُقدمة وثمنها أن أسس التصميم غير مهمة ويمكننا أن نضرب بها عرض الحائط، بل إن هذا يمكن أن يفتح بابًا كبيرا يتحدى فيه المصمم نفسه ويختبر قُدرته على إنجاز تصاميم توصل نفس الروح البسيطة “الشعبية” -مجازا- مع المحافظة على قدر مقبول من جودة الكتابات والخطوط وتناسب الكتل والفراغ والتراتب البصري وتناسق الألوان، وهو ما لم أحققه بالطبع عند تصميمي كارت أحذية مشمش، بس كنت بحاول. |
في المستقبل، قبل الحكم على أي تصميم، اسأل نفسك: من الذين يُخاطبهم هذا التصميم ويحتاج أن يلمس قلوبهم، ومن الذين يمكن أن يُبعدهم هذا التصميم دون أن ينزعج أحد، كما أبعدتك واجهة المحل الفخمة لأن جيوبك فارغة، ولم ينزعج أحد. |
شكرا لأنك وصلت للنهاية ! ✨ |
اشترك في نشرتي البريدية |
التعليقات