نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي - العدد #18

حين يقرأ القارئ نصًا غامضًا، لا يعني ذلك دائمًا أن الفكرة معقدة، بل لعل الكاتب لم يُحسن ترتيب أفكاره، وهذا شائع جدا.

الوضوح لا يبدأ من اللغة، بل من الذهن. فإذا كانت الفكرة مشوشة في داخلك، ستخرج الكلمات مشوشة كذلك، مهما حاولت تجميلها.

الكاتب المبتدئ يميل إلى الجمل الطويلة، كأنه يريد أن يضمّن كل أفكاره في جملة واحدة. لكن الجملة التي تحمل معاني كثيرة لا تنجح إلا في شيء واحد وهو أن تُرهق القارئ.

الوضوح يعني أن تُعطي كل فكرة حقّها، وأن تُقسّم المسار بحيث يتمكن القارئ من متابعة خطواتك دون جهد.

اليوم وبعد سنوات طويلة من الكتابة. صرت أدرك تماما أن النص الذي يحتاج شرحه إلى الكاتب نفسه، نصّ سيء.

الوضوح لا يعني أن نشرح كل شيء، ولا أن نبسط الفكرة حتى تصبح سطحية.

إنه يعني أن نحترم عقل القارئ فلا نُحمّله ما لا ضرورة له، فالقارئ يُحب أن يفهم، لكنه لا يحب أن يشعر بأنه يتسلق سلّمًا لغويًا بلا حاجة.

كيف نصل إلى الوضوح؟

بالقراءة البطيئة لنصّنا بعد الانتهاء منه، والبحث عن الأماكن التي يتعثر فيها الإيقاع أو يغيب المعنى. وبطرح السؤال الأهم: هل يمكن أن أقول هذا بطريقة أبسط دون أن يضعف المعنى؟

إذا كانت الإجابة نعم، فافعل.

فالعمق الحقيقي لا يحتاج إلى جدران سميكة، بل إلى باب مفتوح.

في النهاية، الوضوح ليس مهارة تجميلية، بل هو صميم البلاغة، حيث تقدّم للقارئ طريقًا مستقيمًا، حتى وإن كانت الفكرة نفسها طويلة أو صعبة.

---

🧠 تمرين هذا الأسبوع:

اختر فقرة كتبتها سابقًا، لا تزيد عن ٨ أسطر.

اقرأها ببطء، وحدّد ثلاثة مواضع تشعر أنها معقدة أو متشابكة.

أعد كتابة الفقرة كاملة باستخدام جمل أقصر، وتراكيب أبسط، من دون تغيير المعنى.

ثم قارن النسختين: ستجد أن الفكرة نفسها أصبحت أقرب وأكثر قوة بمجرد أن صارت أوضح.