بداية

2 يناير 2025 بواسطة سمير محمد #العدد 1 عرض في المتصفح
من بين الجبال الساكنة ومنبع المياه الخالد ، بداية حكاية ..

بين الجبال الساكنة ومنبع المياه الخالد، بداية حكاية .

في مدينة صغيرة تقع بين جبال ساكنة

وكأنها تحرس سرًا قديمًا، تروي الرمال قصة أم ركضت بين جبلين قبل ٤ آلاف عام، كانت تحمل في صدرها عطشًا أعظم من عطش طفلها الصغير الذي يبكي بين ذراعيها، فقط ريحٌ تصفر بين الجبال كأنها تنوح على غياب الحياة، هناك كانت تقف بين البقاء والفناء . في الركضة السابعة، فتحت الأرض قلبها، وكأن السماء استمعت لصراخ الطفل، وانفجر الماء من تحت قدميه، فصار الماء حياة، وصارت الحياة رسالة .

بعد حين، عاد الأب ليجد الماء قد صار واقعًا في مكان غير ذي زرع، فقرر مع ابنه بناء بيتٍ يحيط بالماء، بيت كان هو النواة التي جعلت الناس يأتون من كل مكان لينظروا إلى هذا البيت العتيق، ويشربوا من مائه الذي لا يزال يروي العطشى إلى يومنا هذا!

في هذه المدينة، كانت مسقط رأس سمير

وُلد بين أزقة ضيقة، من أسرة بسيطة وكونه الأكبر بين إخوته الثمانية حمل منذ نعومة أظافره ثقل الأسرة على كتفيه .

كل صباح كان يبدأ بمشهد الشمس، وهي تقتحم غرفته الصغيرة وكأنها تهمس له: قُم؛ العالم أكبر من مدينتك الصغيرة والحياة أبعد من الشمس .

اضطرّ ليترك الطفولة خلفه، وحمل كيسًا من الأمل والخيبات .

كبر سمير، يدرس في النهار، ويعمل في الليل، وينسج في داخله أحلامًا مثل غيوم بعيدة، كان يراها لكنها تبدو بعيدة عن يده، مع الوقت تزوج وأنجب طفلين، أصبحت احتياجات أسرته الكبيرة والصغيرة تزداد، بينما مواردهم المحدودة بالكاد تكفي الأساسيات.

مع بلوغه الثلاثين

أدرك سمير أن عليه أن يرحل، كما يرحل النهر ليبحث عن البحر، حمل إرادته وسافر إلى الرياض، حيث السماء أوسع والأحلام أكبر .

كان القرار الأصعب في حياته: أن يترك أهله ومدينته المقدسة التي يأتي إليها الناس من أنحاء الأرض، ويتوجه إلى عاصمة السعودية، حيث تُصنع فيها أكبر قصص التحول في القرن الحادي والعشرين.

هناك، التقى صديقه ماجد، رجل ذو قلب واسع وإيمان عميق، يثق بطموح سمير وإصراره على النجاح، استثمر ماجد في سمير مليون ريال "وهو مبلغ كبير يحلم فيه ملايين الشباب في العالم" كان يراه بداية الحلم، ولكن كما يمكن للرياح أن تلتهم الأشرعة، تبخر المال في بداية مشروعهم بجائحة كورونا التاريخية، وسرعان ما أصبح ذلك الحلم كابوسا، وكانت الخسارة موجعة وألم خذلان صديقه يجثم على صدره كصخرة ثقيلة.

في ليلة مظلمة، بينما كان يجلس وحده، انعكست صورة وجهه في كأس ماء بين يديه. رأى وجهًا متعبًا، لكن العينين كانتا تقولان شيئًا آخر. تذكر والدته وهي تخيط الأقمشة بصبر، ووالده الذي لم يتوقف عن العمل يومًا.

حينها، قرر أن يتوقف عن الانكسار. بدأ مجددا في العمل بالتسويق، مهنة تشبه الرياح التي تحمل الأفكار بين الناس ببطء وثبات، عاد الأمل يزهر في قلبه مثل شجرة عتيقة تنبت أوراقًا جديدة بعد الجفاف.

بروح مشتعلة بدأ يزرع بذورًا صغيرة على أرض التجارب، ويسقيها بعرقه وإصراره.

مع مرور الوقت، بدأ الحصاد وبدأت الحياة تبتسم له، فاستقرت عائلته الكبيرة، وأطفاله في مدارس جيدة، وعادت الابتسامة إلى وجه زوجته، يعمل فيما يحب ويجيد ليوفر له حياة كريمة، لكنه مدرك أن هذا ليس كل شيء، الطموح في داخله نهرًا يريد أن يجد مصبه.

العبارة التي أشعلت الحلم

في أحد الأيام، استمع إلى قائد التحول في بلاده الأمير محمد بن سلمان يقول:

“نحاول ألا نعمل إلا مع الحالمين الذين يريدون خلق شيء جديد في هذا العالم.”

شعر أن هذه الكلمات كُتبت له، كأنها هزت الجبال في داخله.

وأن الرسالة دعوة إلى تحدٍ شخصي!

قرر أن يتبع حلمه إلى حيث يجد الإجابات، وتبع الحكمة العربية القديمة: “اطلب العلم ولو في الصين،” حمل حقيبته، وسافر إلى أول مرة.

إلى الصين بلد الجبال الضبابية والأنهار التي تسير بشكل متواصل , بلد الأحلام والعمل الجاد، أمضى عشرة أيام بين أسواق غوانغجو وأبراج بكين. التقى أرواح تحمل قصصًا شبيهة بقصته، وتعرف على ثقافة فيها قواسم مشتركة بين الثقافة الصينية والعربية:

• الأسرة في مركز الحياة والاهتمام بالوالدين.

• العمل الجاد والاجتهاد.

• الكرم والضيافة.

• الاعتزاز بالهوية والتاريخ.

هناك، بين اللقاءات والتأملات،

لمعت فكرة أشبه ببيضة ذهبية

مشروع تسويق الثقافة السعودية العريقة، وجذب الزوار من الشعب الصيني العظيم.

بينما كان يفكر في خطوته المقبلة، تذكر قصة “جاك ما”، الرجل الصيني الذي بدأ من لا شيء. عندما عرض فكرته البسيطة على المستثمر الياباني ماسايوشي سون، قال له الأخير: “لا أدري لماذا أثق بك، لكنني أؤمن بأحلامك.” استثمر سون عشرين مليون دولار في فكرة “علي بابا”، التي تحولت اليوم إلى إمبراطورية قيمتها مليارات الدولارات.

استلهم سمير من هذه القصة، وعاد إلى الرياض بحلم أصيل ليكتب فصلاً جديداً في قصته، التقى صديقه ماجد، وعرض عليه البيضة الذهبية وقال له:

“أعاهدك أن أعوض استثمارك الأول أضعاف مضاعفة في السنوات القادمة، وأن أعمل على مشروعنا بجد واجتهاد، لقد تعلمت الدروس من التجارب السابقة والآن الرؤية أصبحت واضحة "

وكانت هذه مقدمة الحكاية؛

كما بنى أبوه الأول بيتًا عند نبع الماء الخالد قبل آلاف السنين، يأمل سمير أن يبني جسراً جديدًا من القيم والثقافة، يربط بين الشعبين السعودي والصيني من أجل حياة أفضل للأجيال القادمة.

السعودية، كما يراها سمير، ليست مجرد سوق تجارية ضخمة، وليست فقط بلداً عريق إنها قصة عظيمة تُروى، ودعوتها مفتوحة للعالم ليكتشفوا جوهر الثقافة العربية الأصيلة والطموح السعودي العظيم.

دعوة خاصة:

إذا كنت تقرأ هذه القصة في الصين، فتذكر:

الحلم لا يعرف حدود المكان أو الزمان. كما كان الماء بداية حياة في أرض قاحلة، قد تكون زيارتك للسعودية بداية قصة جديدة تُلهم العالم.

السعودية وشعبها المضياف ينتظرون قدومك بشغف.

مشاركة
نشرة سمير محمد البريدية

نشرة سمير محمد البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...