متى تؤتي القراءة ثمارها؟ 📚 - العدد #16 |
5 يوليو 2025 • بواسطة أحمد زعكان • #العدد 16 • عرض في المتصفح |
في الواقع، قبل أن نجيب عن السؤال، لا بد أن نطرح سؤالًا آخر أكثر جوهرية: لماذا نلجأ إلى القراءة أصلًا؟قد تختلف الإجابات، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن القراءة فعل واحد، لكن دوافعه متعددة.فمنّا من يقرأ طلبًا للمعرفة، ومنّا من يقرأ بحثًا عن التسلية، وآخرون يقرؤون لتلبية متطلبات تخصص معين أو دراسة أكاديمية. وهناك من يجد في القراءة مهربًا من ضغوط الحياة اليومية، فيغوص في عوالم الكتب لينسى واقعه ولو مؤقتًا.ورغم هذا التباين في الأسباب، إلا أن الرابط المشترك بيننا جميعًا هو أننا نمارس الفعل ذاته: نقرأ.قد نعرف سبب قراءتنا، وقد نمارسها دون وعي تام بالدافع، لكن المؤكد أن لكلٍّ منا دافعًا خاصًا يقوده نحو الكلمة المكتوبة.وهنا تكمن عظمة القراءة: في قدرتها على أن تكون شيئًا مختلفًا لكل شخص، ومع ذلك تظل دائمًا نافذة مفتوحة على العالم والذات معًا.
|
|
القراءة ليست مجرد فعل عابر نقوم به في أوقات الفراغ، بل هي أداة معرفية فعّالة، وسلوك عقلي يحتاج إلى وعي وتخطيط. لكن ما لا يدركه البعض هو أن جني ثمار القراءة لا يتوقّف على الكتب التي نقرأها فقط، بل يعتمد بشكل كبير على هدفنا من القراءة والأساليب التي نعتمدها أثناءها. في هذا المقال، سنستعرض بعض التكتيكات الفعّالة التي تُساعد القارئ على تحقيق أقصى استفادة من وقت القراءة وجهده: |
📌التكتيك الأول: لا تهجر قراءة القرآن بسبب قراءة الكتب: |
قد يوهمك الشيطان أن قراءة جزئك اليومي من القرآن هي العائق في انطلاقتك في عالم القراءة، وأنها تأخذ منك بعض الوقت. وأنا أقول لك: دع القرآن يأخذ كل وقتك، ويكفيك أنه الكتاب الذي لا ريب فيه، بخلاف كتب البشر التي تحتوي على صنوف من الأخطاء والنقائص. قراءة القرآن هي حياة تُضاف إلى حياتك، وفيها من الجمال اللغوي والسرد القصصي ما الله به عليم، وتغنيك عن كل كتب الدنيا. عود نفسك أن يكون لك جزءٌ يومي من القرآن تقرأه، وبعده تأتي الأمور الأخرى. |
📌التكتيك الثاني: التوازن بين التخصص والتنوّع المعرفي |
من المهم للقارئ الطموح أن يوازن في قراءاته بين التخصص والاطلاع العام. فحصر القراءة في مجالٍ واحد يُضيّق الأفق المعرفي، بينما التنوّع يمنح العقل مرونة ويُثري التصور. لذلك يُستحسن تقسيم الحصيلة الشهرية من الكتب على نحوٍ يضمن تغذية التخصص وتوسيع المدارك. فعلى سبيل المثال، إذا كنت تقرأ أربعة كتب شهريًا، فمن المناسب أن يكون نصفها في مجالك الرئيسي، بينما تُخصّص النصف الآخر لكتب من مجالات مختلفة، سواء في الأدب أو العلوم أو الفلسفة أو أي فرعٍ آخر. هذا التوازن لا يمنحك عمقًا معرفيًا فحسب، بل يبني فيك قدرة على الربط بين الأفكار واستيعاب العالم من زوايا متعدّدة. |
📌التكتيك الثالث: ليس كل كتابٍ يستحق أن يُقرأ كاملًا: |
الكتب، في جوهرها، تشبه الأشخاص الذين نعبر بهم في حياتنا. منهم من يكون مجرد عابر طريق، ومنهم صديق يبهرك بسطر عميق. وهناك من لا يضيف لحياتك إلا التشويش، فيما يتجسّد بعضهم في صورة صاحب دائم. من الحكمة أن نتعامل مع الكتب بمرونة عقلية ونضج قرائي. ليس من الضروري أن نُتمّ كل كتاب، ولا أن نُخضع كل حرف للتحليل، كما لو كنا نستعد لأطروحة دكتوراه. وفرة الكتب وسعة المعرفة تجعل من الاستغراق الكامل في كل كتاب نهجًا مرهقًا. بعض الكتب يُكفي منها فصل أو حتى فقرة، والبعض الآخر يُغنيك عنه عنوانه أو مقدمته. وقد تقيد بعض نوادي القراءة هذا الحس الحرّ حين تفرض نمطًا واحدًا. القراءة ليست سباقًا ولا اختبارًا، بل علاقة متبادلة بينك وبين النص، فيها من الاختيار كما فيها من الذوق. |
📌التكتيك الرابع: لا تلتهم الكتاب في لقمة واحدة: |
من أكبر الأخطاء أن نبدأ في قراءة الكتاب مباشرة دون تصفّحه تصفحًا سريعًا. تعرّف على المؤلف، دار النشر، سنة الإصدار، واقرأ بعض الصفحات بشكل عشوائي. قد تكون هذه الخطوة التمهيدية سابقة للقراءة الفعلية، أو حتى قبل شرائه. |
📌التكتيك الخامس: إياك أن تقرأ ملخصات الكتب: |
من أشد أمراض هذا العصر اعتماد البعض على التطبيقات التي تقوم بتلخيص الكتب، وللأسف ينكبّ عليها كثيرون بحجة المحافظة على وقتهم واختصار زمن القراءة، ظنًّا منهم أنهم بذلك حازوا الفائدة الأكبر. ولكنهم في الواقع خسروا الكثير من المعلومات والأفكار التي ربما كانوا يبحثون عنها. فلو أعطيت مجموعة من الأشخاص نفس الكتاب وطلبت منهم تلخيصه كلٌّ على حدة، لوجدت النتائج مختلفة بلا شك، وذلك بسبب اختلاف وعيهم وإدراكهم لما يقرؤون. الملخصات قد تكون مفيدة في بعض الأحيان، لكنها ليست الأساس، ولا يمكن أن تكون بديلًا حقيقيًا عن قراءة الكتاب كاملًا. |
📌التكتيك السادس: احمل القلم أثناء القراءة: |
من أكثر العوامل التي تساعد على الاستيعاب والتركيز أثناء القراءة هو استخدام القلم، سواءً لتدوين الأفكار والملاحظات أو من أجل التظليل والتأشير. استخدام القلم يجعل القراءة نابضة بالحياة ويحوّلها من فعلٍ سلبي إلى عملية تفاعلية نشطة، ويمنحك علاقة مباشرة مع النص، بدلًا من القراءة الشكلية العابرة. |
📌التكتيك السابع: استخدم الفواصل: |
استخدامك للفواصل أو أوراق الملاحظات يساعدك كثيرًا أثناء الرجوع إلى الكتاب والبحث عن المعلومة، كما يساهم في الحفاظ على وقتك عند العودة إليه مجددًا. |
📌التكتيك الثامن: اكتب التاريخ: |
عند البدء في قراءة أي كتاب، دوّن تاريخ البدء، وعند إتمام قراءته، دوّن تاريخ الانتهاء. هذا الأسلوب يساعدك على مراقبة تقدمك المستمر في القراءة، ويعزز شعورك بلذة الإنجاز عند العودة إلى الكتاب لاحقًا. |
📌التكتيك التاسع: حاول كتابة مقال: |
بعد إتمام قراءة أي كتاب، جرّب كتابة مقال بسيط يشرح أهم النقاط التي تناولها، والفوائد التي استفدتها، وبعض النقد اللطيف حول المحتوى أو الأسلوب. مشاركة هذا المقال قد تلهم الآخرين لاكتشاف الكتاب، وتساعدك أنت على تعميق فهمك وترتيب أفكارك. كما تُعد الكتابة بعد القراءة خطوة ذكية لتثبيت المعلومات وتحليلها، وهي وسيلة فعّالة لتوثيق تجربتك الخاصة وتطوير ذائقتك المعرفية مع الوقت. |
📌التكتيك العاشر: احمل الكتاب: |
عوّد نفسك أن تحمل الكتاب الذي تنوي قراءته هذا الأسبوع معك أينما ذهبت، سواءً داخل البيت أو خارجه. هذا الأسلوب يُساعدك على مواصلة القراءة، ويزيد من فرص استغلال الأوقات القصيرة، كما يُضفي لمسة جميلة على يومك ويُشعرك بصحبة معرفية دائمة. فالكتاب حين يكون رفيقك الدائم، يتحوّل إلى جزء من نمط حياتك، ويُذكّرك بلحظات التأمل والاستفادة، حتى وسط زحمة المهام والانشغالات. وجود الكتاب بجوارك هو تذكير صامت بأن هناك دائمًا فرصة للتعلّم، ولو لبضع صفحات. |
📌التكتيك الحادي عشر: استغل الوقت الضائع: |
سر الإنجاز العظيم لا يكمن فقط في تخصيص وقت طويل للقراءة، بل في استغلال الأوقات الصغيرة التي تمر دون أن نشعر بها — كأوقات الانتظار في العيادات، أو الوقوف في طوابير، أو أثناء السفر والمواصلات. استخدم هذه اللحظات الذهبية لتصفح كتاب، أو قراءة بضعة صفحات، أو حتى مراجعة ما قرأته سابقًا. إحمل كتابك لتكون مستعدًا دائمًا. لا تنظر إلى الوقت الضائع بوصفه هامشيًا، فالتراكم الصغير يصنع إنجازًا كبيرًا. |
📌التكتيك الثاني عشر: استمر: |
القراءة ليست رحلة عابرة، بل هي حياة كاملة تمتد ما دام قلبك ينبض. استمر في القراءة مهما واجهتك المعوقات والظروف، فمن المؤكد أن وعيك سيتغير، واهتماماتك ستتبدل، وربما يقل شغفك في بعض الأوقات... لكن قاوم. حافظ على عادة القراءة، لأن جوهرها هو الاستمرارية، لا مرحلة مؤقتة. |
📌التكتيك الثالث عشر: لا تنتظر الوقت المناسب |
لا تنتظر ساعة ذهنية مثالية، أو صفاء ذهني خيالي، أو مكانًا هادئًا ومكتبًا أنيقًا، أو حتى جلسة في مقهى راقٍ... كل تلك الأمور ليست ضرورية كي تبدأ القراءة. الحقيقة أن الوقت المناسب هو الآن، نعم الآن بالضبط! القراءة لا تحتاج إلى ظروف مثالية، بل إلى قرار داخلي بالبدء. فكل مرة تؤجل فيها القراءة بانتظار وقتٍ مثالي، فإنك تبعد نفسك خطوة عن التعلّم والتطوّر. ابدأ الآن، ولو بدقائق قليلة، وستندهش من الأثر التراكمي الذي يصنعه هذا القرار البسيط. |
✨ في الختام |
ليس شرطًا أن تلتزم بجميع التكتيكات التي طُرحت في هذا المقال بحذافيرها، فالقارئ الواعي يُدرك أن كل تجربة قرائية هي شخصية فريدة بطبيعتها. لو تأملت في عاداتك القرائية، لوجدت أنك تطبق الكثير منها بالفعل، سواء عن وعي أو بشكل تلقائي. وقد تكون بعض هذه التكتيكات جزءًا من روتينك اليومي دون أن تُسميها بهذا الاسم. |
خذ من هذه النقاط ما يُناسبك، وما تشعر أنه سيساهم في تعزيز تجربتك القرائية، ولا تتردّد في تعديلها أو حتى ابتكار تكتيكات جديدة خاصة بك. فكل قارئ له ذوقه، وأسلوبه، وظروفه الخاصة. عالم القراءة واسع، وكل منا يصنع فيه طريقه بطريقته الخاصة. |
فالمهم ليس اتباع خطوات محددة، بل بناء علاقة عميقة وحقيقية مع الكتاب، تُسهم في تطور فكرك وتغذية روحك. |
✒️ بقلم / أحمد زعكان |
التعليقات