معترك الكتابة - العدد #13

معترك الكتابة

أو مخاض الكتابة كما يعبر عن ذلك د. عبدالجبار الرفاعي ،، هذه الكتابة شديدة متعبة لصاحبها، ولعلكم تتذكرون الكاتب الكبير جبرا إبراهيم جبرا، حين سمّى أحد أجمل كتبه "معايشة النمرة"، وكنت أظن أنه أول من سماها، لكني وجدت غير ذلك ، حيث يقول د. أحمد العساف: "يعود العنوان إلى اختيار الشاعر والروائي اليوناني "نيكوس كازانتزاكيس" في كتابه “ترحال” حين سمى الكتابة “النمرة ورفيقتي أينما ذهبت”، وصوّر صراعه معها غالبًا ومغلوبًا حتى اعتاد عليها وصارت علاقتهما أشبه بالعشق".

 النمرة، المخاض، المعترك..  كلها تدل على شيء من الرهق يجده الكاتب قبل أن يكتب، وحين يكتب، وعندما يعود ليصحح ويدقق ويعدّل.

يقول جبرا: "وهكذا فإنّني كلما حرمتُ من القراءة لأيّما سبب؛ أدركتُ كم عظيمة وملحاحة هذه المتعةُ التي سأنصرف إليها بملء جوارحي حالما يكون وقتي مُلكي أنا، فأستطيع الانغمارَ في الكتاب، وقد تغافلتُ أخيرا عن كل قلق، تناسيت كل جهد آخر تطالبني به شؤون العيش. وليس أكبر من مُتعة القراءة هذه، إلا مُتعة الكتابة. تلك المتعة الأعظم والأعمق والأندر. فالكتابة إذا ما تخلّت عن تمنُّعها وانصاعت للقلم، هي تلك الحوريّة الرائعة، الذاهبة بالنفس في طُرقات الجنة ودَرَكات الجحيم. متعة ولا كأيّة متعة أخرى يعرفُها الجسدُ".

الكتابة – كما يتفق الكُتّاب- بحاجة إلى ذخيرة معرفية، وزمن، وتفرغ ..

وهذا ما جعل كثيرٌ من الكتاب الكبار ينعزلون ويعكفون سنوات لإنتاج الكتب التي خلدتهم.

- ويل ديورانت قرأ ما يزيد عن ٥٠٠٠ آلاف كتاب قبل أن يكتب موسوعته قصة الحضارة في مدة قاربت ٤٠ سنة.

- ماركس نصب خيمته في مكتبة لندن عشر سنين، ثم أخرج كتابه الشهير: "رأس المال".

- ابن خلدون انعزل في قلعة بني سلامة ما يزيد عن ثلاث سنوات قبل أن يتحف المكتبة العربية بل والعالمية بمقدمته الشهيرة.

- أستاذ الجيل المسيري، ثلاثون سنة من الجهد والتفرغ، يمضي ما يقارب ١٥ ساعة يوميا ليخرج للعالم موسوعته الشهيرة.

بعضنا يقرأ مثل هذا فيحبط، والعاقل من تدفعه مثل هذه الأخبار لمزيد من الجد والبذل والعكوف ..

وتيقن أنه لن يشرق قلمك وتؤثر أفكارك وترسخ رؤاك بدون ذلك.