وهم الغنى |
14 مايو 2025 • بواسطة عبدالعزيز البشري • #العدد 1 • عرض في المتصفح |
|
|
![]() |
الغنى بالافتقار |
الفقـــــــــر لي وصف ذات لازم أبدا كمــــــــــــــــا الغنى أبدا وصف له ذاتي |
صاحب هذا البيت رجل أغناه الله بعقل بلغ الآفاق صداه، وسطرت الكتب أنواع الإجلال له.. اجتمعت فيه كل دواعي وهم الغنى: الذكاء الحاد، وقوة الرأي والشخصية والتأثير، وسعة المعرفة.. خرج هذا الرجل يوما بعد أن قرأ وتعلم، أراد أن يُحكم ما تعلمه، ويعود إلى مصدره الحقيقي.. اتجه نحو مكان خالٍ من تمثيلات الغنى الزائفة. عندما وصل، رأى أمامه ترابًا فاستبشر بأنه اقترب من مراده.. |
ماذا فعل؟ ولماذا؟ |
هناك خواطر اختلجت في صدري حول "ماذا ولماذا": معانٍ متكاثرة، مشاعر تقودها الدهشة، تتمرد عليها الحيرة، ومحرضها الخفي؛ الحزن.. |
لطالما تساءلت: ما هو باعث تلك الخطيئة؟ تلك الخطيئة التي أودت بخلائق جمة في وادي الجحيم.. التي حالت بين إبليس وسجوده.. بين الجبين والنجاة: خطيئة الكِبر.. ما هو باعثها؟ ما الذي يجعل مخلوقًا -فقره ذاتي- يستعلي بفقره على افتقاره.. بجبينه على من علا على العالم..؟ |
وهم الاستغناء |
ببساطة، إنه وهم الغنى.. وهم بالاستغناء عما هو فقير إليه.. يوهم صاحبه بإنكار حقيقة -لولاها لما كان له حقيقة-.. حقيقة أن وجوده لم يكن إلا بـ "كن" من الغني الواحد الأحد.. وهم القوة، وهم المال، وهم السلطان.. وهم بامتلاك ما يوصل لجميع الأوهام: الذكاء والعلم.. وقد ارتفع ذكر عقل.. خرق ناموس إبليس في الجبين والنجاة.. كان نموذجًا فريدًا في تحقيق حقيقة الافتقار.. |
يتجلى الافتقار، وتهتاج الدهشة لما حصل عندما رأى التراب.. "ماذا؟" |
قبل أن يصل لذلك التراب كان قد قرأ في آية واحدة مئة تفسير.. إرادة التعلم لم تفارقه، وإنما بعثت فيه أمرًا ما.. خرج قاصدًا مسجدًا مهجورًا، رأى أمامه ترابًا فاستبشر بقرب مراده..ولكنه تراب! |
خر ساجدًا، مرغ وجهه في التراب، ودعا مناجيًا: "يا معلم إبراهيم فهمني" دعا مناجيًا، بجبينه على التراب.. ناجيًا من باعث تلك الخطيئة.. عقلٌ عاقلٌ لحقيقة افتقاره، مستغنٍ عن أوهام الغنى.. خرج ليزداد علمًا بآية، فكان آية العبودية والافتقار.. |
الحيرة تباغت دهشتي حين أردد داخلي: "لماذا؟" |
لماذا، وكيف لمن امتلك قوة – أي قوة – تهفو إليها نفوس الفقراء، أن يتوجه إلى المساجد التي هجرها الفقراء.. خاليةً من أصوات التضرع والمناجاة، ويضع جبينه على التراب.. ويناجي بما يظنه الفقير الموهم أنه يملكه من الأساس..؟ |
كأن سرّ قوته يكمن في اعترافه بفقره، ويقينه بأن القوة الحقيقية تنبع من خضوعٍ وحبٍ لمن بيده خزائن الغنى، وكل ما سوى ذلك زيف.. كلما أتفكر أزداد حيرة.. ربما لأني أسلك طريق وهم الغنى للفهم والاستيعاب.. وهنا ينتابني الحزن على وهمي الذي لا يفتأ من إغفالي.. وتضيق بي العبارة.. |
اللهم يا معلم -الإمام ابن تيمية- علمني وفهمني.. |
التعليقات