بداية - العدد #1

5 يناير 2025 بواسطة ياسر عبدالله الشهري #العدد 1 عرض في المتصفح
حول القراءات والمقرئين، وعلوم القرآن وحديث الخاطر أكتب .. ولا مانع من الخروج قليلاً عن كل ذلك . 

ضوابط نشر الاجتهادات

في علمَي التجويد والقراءات

إن من المعلوم لدى أهل التجويد والقراءات أن هذا العلم الشريف يتميز بتعدد طرقه، واتساع مدارسه، وتنوع أسانيده المتصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا التنوع يبعث في النفس هدوء  عند اختلاف المدارس في الأداء، ويغرس التسامح في التعامل مع هذه الاختلافات، كما يعزز من تقدير أهل هذا العلم وعلمائه وطرقهم.

لأجل هذا أود أن أعقّب بكلمات يسيرة على بعض المقاطع المنتشرة التي قد تُدخل الحيرة في نفوس طلاب العلم، بل وربما تثير الشبهات عند بعضهم. 

والله أسأله العون والسداد ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون.

انتشرت مؤخرًا مقاطع صوتية ومرئية لأعلام ومقرئين وشيوخ بارزين ، فيها تناول لبعض آرائهم (الاجتهادية) المتعلقة بنطق بعض الكلمات القرآنية أو مقادير المدود والغنن، أو أداء بعض الأحكام التجويدية ، أو اختلافهم في الترقيق والتفخيم ، 

ولا شك أن هذه الاجتهادات لها مقامها العلمي، وقوتها في الرأي، وتبرز وتعظم كلما كان القائل بها حجة في العلم.

ومع ذلك، فإن نشر هذه الاجتهادات بين عامة الناس مجردة من أي توضيح لطبيعتها كآراء اجتهادية قد تؤدي إلى نتائج غير محمودة، وصراعات ضائعة، وتضييق لما جاءت النصوص التوسيع فيه، واضطراب للمتعلم، ونفور للمبتدئ، 

 ولعل من أبرز هذه السلبيات أمرين:

الأول: حصر الصواب في رأي واحد وإضعاف غيره

إن نشر هذه الآراء دون بيان أنها اجتهادات ضمن نطاق الخلاف المعتبر، قد يُوهم البعض بأن هذا الرأي هو الصواب الوحيد، خصوصًا إذا كان الناشر صاحب مكانة علمية بارزة  وشهرة أو إمامة للحرم، وهذا بدوره قد يؤدي إلى تضعيف الطرق الأخرى المعتمدة، بقوة مكانة القائل لا بحجته ، رغم أن القول الأضعف لها أسانيدها المتصلة المتواترة وقوتها العلمية وربما كانت مشهورة بشهرة أهلها . 

الثاني : إثارة الإشكال بين الطلاب والمعلمين

لقد وجدت تعليقات من بعض الطلاب والطالبات على تلك المقاطع ، يلومون معلميهم لعدم التزامهم بمقادير الغنة أو المدود كما وردت في تلك المقاطع ويخطئون معلميهم ، مع أن هذه الأمور تخضع للتقدير النسبي، فليست قطعية أو محددة، أو يتعالمون عليهم في مجالس الإقراء استنادا على المقاطع المنتشرة جاهلا لسعة الخلاف فيها ، 

وكما هو معروف أن المبدأ عند أهل الأداء أن القراءة “سُنَّة متَّبعة” يأخذها الآخر  عن الأول، لا مجال فيها للاجتهاد أو القياس، فإن ترسيخها أولى من نشر الاختلافات الاجتهادية . 

لذلك، أرى من المناسب أن تُطرح مثل هذه الاجتهادات في دوائر النقاش العلمي المتخصص، وليس في النشر العام الذي قد يُفهم منه إلزام الناس بطريقة واحدة دون سواها. 

أو أن يوضح مع النشر النقاط التالية:

 1. تعدد المدارس الأدائية الصحيحة في قراءة القرآن

يجب التأكيد على أن هناك مدارس مشهورة متعددة في تعليم القرآن الكريم، وكل مدرسة لها سندها المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تخرج عن شروط القراءة الصحيحة مما يجعلها صحيحة ومعتمدة.

 2. الاختلاف تنوع لا تضاد

من المهم بيان أن اختلاف المدارس في الأداء هو اختلاف تنوع يُثري العلم، وليس اختلاف تضاد أو تعارض.

 3. بيان أسانيد الطريقة الموضحة عند النشر

عند تعليم القرآن أو الحديث عن طرق التجويد، ينبغي للمعلم أن يوضح للطلاب المدرسة التي يتبعها، والأسانيد التي اعتمد عليها، حتى يرسخ في أذهانهم أن جميع هذه الطرق صحيحة ومتنوعة ضمن إطارها العلمي وبالسند المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي الآخير فإننا بهذه الضوابط، نحفظ الألسنة من الطعن في الأئمة وأهل العلم، ونُظهر سعة علم التجويد والقراءات، كما أننا نحافظ على وحدة الصف بين أهل هذا العلم، مع تقدير للاجتهادات المعتبرة في مواضعها الصحيحة، بما يخدم القرآن الكريم وعلومه وأهله.

وكتبه 

ياسر بن عبدالله الشهري

1 / رجب / 1446هـ

مشاركة
مقالات ياسر عبدالله الشهري

مقالات ياسر عبدالله الشهري

كلمات حول القراءات وعلومه وأحوال المقرئين

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...