نشرة Ali Al-Asmari البريدية - العدد #1

31 يوليو 2024 بواسطة Ali Al-Asmari #العدد 1 عرض في المتصفح
أنا أتذكر وجهي.. يا “ليلو”..!!

(( انتظر.. عليّ أن أتأكد من…. وجهك…!!)) حيث بدأت بيديها الصغيرتين تتحسس وجهي، شعرت بالخجل يخالج صوتي..

أكملتْ: (( تبدو ملامحك جميلة… هل تستطيع الغناء…؟)) ثم تنهدتْ وغمرتني بحضنها النحيل….

والحقيقة أنه لا شيء في هذه الدنيا كان أكبر من قلبها الصغير..!!

(( سأسميك.. ليلو..!! حتى يتسنى لي تذكرك مرة أخرى..)) قالت

داهمتني الدموع.. كانت حنجرتي تغوص.. وتصرخ صامتةً بشكل مدوي…

قاطعني صوت إنذار جهاز المضخة الوريدية..

من المؤكد أنه قدر إلهي رحيم.. حيث النجاة من الغرق في مرارة اللحظة..

كانت طفلة جميلة بشكل لا يصدق، عاشت حياتها مليئة باللحظات الجميلة، واعتنت الرحمة الإلهية بكل تفاصيلها..

لقد ترك سحرها انطباعًا دائمًا في مخيلتي…

(( هل يمكنك مساعدتي..؟ سأريك حقيبتي السحرية..))  بصوت يغمره السعادة تسأل (( أليست هذه حقيبة أميرة الثلج…؟ ))

شرد ذهني قليلاً فلا شيء على الحقيبة يوحي بذلك.. كانت حقيبة سبونج بوب..!!

قاطعتني نظرات والدتها.. أشارت لي أن أومئ بصوتي…

تحسستْ حواف السرير مع الحائط.. انحنت كما الأميرات فعلا… وفتحت الحقيبة لتحرر أبطالها كما حرر علاء الدين جني المصباح…

(( ممممم هذه باربي… هذا الكلب بااااو… هذا هذااااا سبااااايدر مان.. هذا سبونج بوب حتماً… ))  ثم ضحكت بصوت عالي.. (( هذا بالطبع بسييييييييط ))..

كانت أكثر انسجاماً مع اللحظة.. وكنتُ أحاول جاهداً دخولها.. كنت أغرق بصمت..

 (( ليلو.. سأهديك “بسيط” بشرط أن تعيده لي غداً…!! )) سلمتني العهدة.. ثم اقتربت مني.. وغمرتني بحضنها..

أغمضت عيني لم أعد أرى شيئاً… لمدة طويييلة أنا متأكد من ذلك..

غمرتني اللحظة من رأسي حتى أخمص قدمي… لم أشعر بالوقت إلا بنحنحة الطبيبة جانبي.. (( ما رأيك د. علي…؟))

نسيت.. لقد دخلت مع الطبيبة حتى نناقش الأم قبل عشرين دقيقة… لم أتذكر ذلك….

كنا نحاول أن نكون لطفاء جداً ونخبر الأم أن طفلتها لن ترى مرة أخرى…

تخيل… كنا في غاية اللطف…!!!!!

(( هل ستأتي غداً…؟ )) همست في قلبي…

(( بالطبع..)) بصوت أجش.. كانت الكلمة الأولى لي منذ دخلت تلك الغرفة..

لا زالت الرحمة الإلهية تغمرني كطوق نجاة… الحمدلله نجوت من الغرق مرة أخرى…

كانت الغرفة تضيق شيئا فشيئاً.. كنت سأموت من الغصة…

خرجت ورأسي مليء بغمغمات من أسئلة وجوابات..

كنت أطوف في الممرات في حالة من الانذهال..

كانت تعزيني درايتي برحمة الله وحكمته..

لا يمكنني ادعاء أني أكثر عطفاً على هذه الطفلة من الله..

لا يمكن لدموعي أن تخدعني وتوهمني أنها أقدر على رحمة الطفلة من رب يطلق على ذاته "رحمن رحيم"..

لا شيء كان يعزيني مثل ترديدي لهكذا جمل…

بحثت عن زاوية هادئة.. حيث سلالم الطوارئ..نعم هذا مكان آمن جداً جداً على كرامتي..

بكيت كطفل صغير جداً…

في الحقيقة.. لا زلت أبكي الآن.. ومرة أخرى سأبكيها…

(( أنت جميلة حقا.. شعرك ناعم.. لونه برونزي كلون الشمس… أسنانك …..)) كنت جالساً أمامها..

قاطعتني (( صحيح.. أنا أتذكر وجهي “ليلو” لا داعي لتذكيري….. ))

حقاً أنا أسف.. لقد كنت أخشى أن تذعر يوماً ما كما ذعر “دانيال” في رواية “ظل الريح”..

(( لم أعد أذكر وجه أمي.. لم  أعد أذكر وجه أمي )) كان يقول بما تبقى له من صوت..

(( لا تقلق دانيال.. أنا سأذكر وجهها نيابة عني وعنك… ))ضمه والده بشدّة..

مرة أخرى (( تذكر دانيال.. هناك أشياء لا نستطيع رؤيتها إلا في الظلام…!! )).

وهنا تعرج بي التساؤلات..

متى يحق لنا -كممارسين صحيين- أن نفصح عن دموعنا.. أن نسمح لمشاعرنا أن تنهمر حتى تجلي الألفة -الغير محببة- بيننا وبين آلام الآخرين..

هل سنتخلى حينها عن مهنيتنا التي ستصبح مصقولة مكتملة مثالية بتجردها من التعاطف الظاهري أو الداخلي..

بالمناسبة.. لم أجد في قاموسي ((المشاعري)) ما يحاول التفريق بين التعاطف والتعاطف ( empathy & sympathy )…

((تذكر جيداً يا صديقي.. هذا المكان مهم جدا.. هنا مقبرة الدموع.. هنا مكان آمن تستطيع دفن مشاعرك.. هنا تستطيع أن تبكي بـ حرية.. تأكد أن تغلق الباب بإحكام حتى لا تتسرب تنهيداتك ))... كنت أتحدث للطبيب الجديد في جولة التعريف بالمستشفى… كان يرمقني وعلامات الاستفهام تتطاير من رأسه..

كنت أهرب.. أهرب.. تتسارع خطواتي بحثاً عن مكان تختبئ فيه دموعي من لطف طفلة..

أو نظرة أم..

أو كرامة أب وعفته عند سؤاله عن قسم الاعانات المالية….!!

لا شيء أقسى من العمل في المستشفى..!!

بل….

لا شيء أقسى أن تعتاد آلام الآخرين.. .!!

قرأت مرة : (( حينما تتعافى ستروي القصة بشكل مختلف…)) في محاولة للتربيت على ظهري، لجعل الوقت كفيل بعلاج الندوب..

صدقني.. لا شيء أقسى من أن تنسى الأحزان سوى اعتيادها..

(( لقد زرتني بالأمس وأنا نائمة.. أمي أخبرتني.. عدا ذلك لقد استنشقت رائحة عطرك على “بسيط”.. شكراً أنك أعدته لأصدقائه.. “ليلو” هل ستزورني في ...!! ))

ورغم أنني لا أستطيع وصف سعادة الطفلة الدائم.. إلا أنني أستطيع أن أؤكد أنها أسعد طفلة في العالم.. لم أرها تتذمر قط..!!

أنا على يقين أن الله ألهمها كل هذه السعادة.. حتماً بهجتها إعجازية فوق صنع البشر..

دائما ما تسحرني الكتب المفعمة بالتساؤلات.. وليست الإجابات الصارخة..

حيث رواية (العمى) لـ “جوزيه ساراماغو” (( إن الضمير الأخلاقي الذي يهاجمه الكثير من الحمقى وينكره آخرون كثر أيضا.. هو موجود وطالما كان موجوداً.. لم يكن اختراع فلاسفة…… )).. (( العمى هو أيضاً أن يعيش المرء في عالم تبددت فيه الآمال كلها..!! ))

أنا أتذكر وجهي.. يا “ليلو”..!!

بقلم: علي الأسمري AAA

معاذْ1 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة Ali Al-Asmari البريدية

نشرة Ali Al-Asmari البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...