نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي - العدد #10

كثير من الكتّاب يتعاملون مع المسودة الأولى كأنها منتج نهائي، فيحتفظون بها كما هي. لكن الحقيقة أن النص يحتاج أن يُعاد النظر فيه أكثر من مرة ليكشف أجمل ما فيه. المراجعة ليست عبئًا، بل هي مرحلة ولادة ثانية.

حين تكتب أول مرة، فأنت تفتح الباب لعالمك الداخلي ليتدفّق كما هو. لكن المراجعة تطلب منك أن تتحوّل من كاتب إلى قارئ ناقد. أن تبتعد قليلًا عن النص لتراه بعيون جديدة. أحيانًا يكفي أن تترك النص يومًا أو أسبوعًا قبل العودة إليه، لتشعر أنه ليس ملكك وحدك، بل نصٌ مستقل يحتاج عناية.

ما الذي نبحث عنه في المراجعة؟

أولًا: وضوح الفكرة. هل الرسالة التي أردت إيصالها تصل فعلًا؟ أم أن النص يدور في دوائر؟

ثانيًا: الاقتصاد في الكلمات. النص الجيد لا يُقاس بعدد صفحاته، بل بقدرته على قول الكثير بأقل كلمات ممكنة.

ثالثًا: الانسجام. هل الفقرات تتتابع بسلاسة؟ هل الجملة الأولى في كل فقرة تمهّد لما بعدها؟

تجربتي الشخصية علّمتني أن الحذف أحيانًا أهم من الإضافة. كتبت ذات مرة مقالًا من ٧٠٠ كلمة، وحين راجعته وجدت أن نصفه كان حشوًا. بعد الحذف والمراجعة، خرج المقال في ٣٥٠ كلمة فقط، لكنه أصبح أوضح وأقوى وأكثر تأثيرًا.

المراجعة أيضًا فرصة للبحث عن صوتك. اقرأ النص بصوت عالٍ، ستكتشف ما إذا كان يشبهك أو يبدو غريبًا عنك. وإذا شعرت أنك تقلّد أحدًا، فهذه علامة لتعيد الصياغة حتى تعود كلماتك إلى طبيعتها.

في النهاية، المراجعة ليست خصمًا للإبداع، بل ضمانة له. هي التي تحوّل النص من مسوّدة عابرة إلى قطعة أدبية تعيش طويلًا.

⸻

🧠 تمرين هذا الأسبوع:

اختر نصًا قديمًا كتبته منذ شهر أو أكثر، وأعد قراءته اليوم بعين ناقدة.

• ضع دائرة على كل جملة يمكن حذفها دون أن يختل المعنى.

• ضع خطًا تحت الجمل التي تشعر أنها صادقة وقوية.

• أعد كتابة النص في نسخة ثانية.

ستندهش من الفرق بين المسودة الأولى والنسخة المنقحة.