نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي - العدد #9

23 سبتمبر 2025 بواسطة ساجد العبدلي (طبيب، وكاتب، وناشر) #العدد 9 عرض في المتصفح
الكتابة مثل التنفس: شهيق وزفير.لا يكفي أن نكتب باستمرار دون توقف، كما لا ينفع أن نتوقف طويلًا فنختنق.كل كاتب يحتاج أن يتعلّم إيقاعه الخاص: متى يضغط على القلم ليجري بلا انقطاع، ومتى يضعه جانبًا ليترك للنص فرصة أن ينضج في الصمت.في هذا العدد نتأمل فنّ التوازن بين الكتابة والتوقف، وكيف يكون الصمت أحيانًا جزءًا أصيلًا من العملية الإبداعية.

“ليس التوقف عن الكتابة عجزًا دائمًا، بل قد يكون شكلًا آخر من أشكال الكتابة، يحدث في الداخل بصمت.”

- إيتالو كالفينو

كثير من الكتّاب يجلدون أنفسهم عندما يتوقفون عن الكتابة. يظنون أن التوقف علامة على الكسل أو فقدان الشغف. لكن الحقيقة أن التوقف قد يكون ضرورة، مثلما يحتاج القلب إلى نبضة استراحة بين كل نبضتين.

الكتابة فعل يتطلب جهدًا داخليًا كبيرًا: تركيزًا، مشاعر، وربطًا بين الأفكار. ومن الطبيعي أن يصل الكاتب أحيانًا إلى مرحلة يشعر فيها بأن الكلمات لا تتدفق. هنا، بدلاً من إجبار النفس على الكتابة، قد يكون الحل أن نتوقف قليلًا، نقرأ، نتأمل، أو حتى نعيش تجربة جديدة تغذي النص القادم.

لكن، كيف نعرف متى نكتب ومتى نتوقف؟

نكتب عندما نشعر بالامتلاء، عندما تزدحم الأفكار في داخلنا وتبحث عن منفذ. التوقف هنا سيكون خيانة للنص. وفي المقابل، نتوقف عندما نصبح فارغين، عندما يتحول الجلوس أمام الورقة إلى تكرار بلا معنى.

التجربة علمتني أن أفضل النصوص لم تُكتب في لحظة اندفاع متواصل، بل في توازن بين فعل الكتابة ولحظات السكون. كتبت مرة نصًا طويلًا على دفعة واحدة، وحين قرأته لاحقًا وجدته بحاجة إلى إعادة بناء. تركته أيامًا، وعدت إليه بعين جديدة، فاكتشفت أن التوقف لم يكن ضياعًا، بل كان ضروريًا للنص كي يصفو.

الإيقاع إذن ليس قاعدة ثابتة، بل هو معرفة ذاتية. هناك من يكتب كل يوم ساعات محددة، وهناك من يكتب على فترات متقطعة بين صمت طويل. المهم أن يكون التوقف قرارًا واعيًا لا انسحابًا من المعركة.

والحقيقة أن الصمت نفسه نوع من الكتابة. ففي لحظة المشي، أو النظر من النافذة، أو الحديث مع صديق، قد تتشكل الجملة التي تبحث عنها منذ أيام.

لا تخشَ التوقف. ولا تفرط فيه. ابحث عن إيقاعك الخاص، فهو العلامة التي تميزك ككاتب، كما يميز إيقاع النبض كل قلب عن الآخر.

🧠 تمرين هذا الأسبوع:

في الأسبوع القادم، جرّب تجربة مزدوجة:

  • اكتب يوميًا لمدة ٣ أيام متتالية، حتى لو شعرت بالإرهاق.
  • ثم توقف ٣ أيام كاملة عن أي كتابة، واكتفِ بالتأمل وتسجيل الملاحظات العابرة فقط.

في اليوم السابع، اكتب نصًا قصيرًا عن الفرق بين الفترتين. ستكتشف كيف يصنع التوقف فراغًا يمتلئ بالأفكار الجديدة.

مشاركة
نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي

نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي

نشرتك الدورية عن فن الكتابة والتأليف والنشر هل تحلم أن تصبح كاتبًا محترفًا؟ أو تطمح لنشر كتابك الأول باحتراف؟ اشترك في هذه النشرة البريدية لتصلك دوريا خلاصة خبرات عملية، وأفكار ملهمة، وأدوات مجربة تساعدك على تطوير مهاراتك في الكتابة، والتحرير، والنشر الورقي والرقمي. كل رسالة ستمنحك دفعة جديدة على طريق التأليف.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة "فن الكتابة" - يعدها د. ساجد العبدلي