نشرة خواطر مفكرة البريدية - العدد #33 ماذا لو رافقت في المشفى مع أحدهم؟

بواسطة عبدالعزيز ال رفده #العدد 33 عرض في المتصفح
ماذا لو رافقت في المشفى مع أحدهم؟ 


حينما تكون مرافقا لمريض يعني استعدادك التام للتخلي عن حريتك الخاصة، وأعني بذلك تسليمك كل ما تدخره من طاقة، وتركيز، وجهد في سبيل تحقيق التعافي السريع للمريض.

تجربة المرافقة 

كل شئ في غرفة المريض عند المرافقة يعد مأساويا، حتى وإن كان المريض يرقد في أحد أفضل المستشفيات في العالم، سَتَمُرُّ بتلك التجارب شئت أم أبيت، فنومك لن تنال منه إلا بضع ساعات فقط، وسماعك لتأوهات المريض وآلامه المرة بعد الأخرى  ستصيبك هي الأخرى بمقتل، طلب النجدة الذي تقوم بتلبيته رغبة منك في تخليص المريض من معاناته وسعيك الحثيث في الهدف الأول (تعافيه)، ثقل كاهلك في انتشال وزن المريض قياما، وقعودا، وعلى جنب، صوت دخول الموظفين، والممرضات، والأطباء الذي لا يعرف ساعة ولا دقيقة بعينها للإستئذان، صوت شاشة التلفاز المنخفض، أو عقارب الساعة التي تسمع صوتها في حال الهدوء التام وهي تتحرك على مهل (تيك، تيك، تيك، تيك …)!

لحظات الخبر الأول! 


أتحدث وأنا أعي تماما عن معنى مرافقتك لمريض خلال فترة من الزمن وبعد خوضي لكثير من الليالي والأيام بين جدران المستشفيات والتي صاحَبْتُ خلالها من وافته منيّته، ومنهم من هو حي يرزق، فهي تبدأ من مشاعر القلق الأولى التي تعني بالضرورة تلقيك لخبر لا يَسُرُّك لحبيب أو قريب قد مسه الضُرّ، والذي يتطلب منك الحضور على وجه السرعة لمنطقة طوارئ المشفى، ثم مصاحبتك في ذلك القسم لكل الوجوه التي ستألفها لعدة لساعات بعد ذلك، من قسمات وتعابير المرضى المتأملين، ومرافقيهم المنتظرين، وطاقم عمل المشفى الآخذين جيئة وذهابا في الممرات، بعدها تكون سلسلة طويلة من الكشف الأولي، وطلب الفحوصات، وأخذ الأشعة المقطعية إن تطلب الأمر، ثم قرار الطبيب في التنويم، وبعدها ليلة ستكون طويلة على كلا الطرفين (المريض ومرافقه) تصاحبها معرفة مكان القسم، والغرفة المخصصة، وزملاء الحجرة، لا ينال منك بعدها سوى أمارات الوهن الذهني والجسدي.

صبيحة اليوم الأول! 

وما هي إلا ساعات تفصلك عن زيارة الطبيب الاستشاري وذلك في الصباح الباكر لإجراء تقييم كامل حول عمل الطاقم، ومن ثم تَدخُلِه إن دعت الحاجة سواء في طلب فحوصات محددة، أو إجراء إضافي فات على الأطباء القيام به خلال جولته الصباحية، من ثم تأتيك وجبات الافطار التي لا يستسيغها لا المريض، ولا مرافقه ولكن وكما يقال (مجبرٌ أخاك لا بَطَل) لأن الجوع يأخذ منك نصيبا تأكل على مضض لتسد جوعك فقط، دون النظر لطعم مستساغ أو شراب تستلذ به، بل قد تذهب لأبعد عن ما هو متعلق بالطعام وذلك في مشاهدتك كمرافق لعورة مكشوفة عن قصد أو غير قصد، وهي التي لم تكشف لك إلا عن ضعف مغرق في الوهن والعجز!

ضعف الإنسان وإنكساره!

وخلال تلك الليلة من اليوم الأول تبدأ تلاحظ ضعف الإنسان وإنكساره، وهو الذي لا يقبل أن يكون ضعيفا البتة، يجد نفسه مجبورا في لحظة ما أن يضع كل تلك القيود المتشبثة في مخيلته عن الكبرياء، والاستقلالية، والقوة جانبا، ومستعينا بمن حوله من الممرضين، والمرافقين، والأطباء، بشكل كامل، ومسلما تسليما كاملا وخاضعا لحكم الله فيه!

تبدأ أوقات الزيارة ويمرُّ عليك وقتها الكثير من الوجوه المألوف منها والقديم، ولا يدخرون جهدا هم الآخرون في الدعوات، وتسلية المريض، والسؤال عن تطورات حالته، ومشورتهم التي يحفظونها عندما إدلهمت بهم عوارض الدنيا والتي لا يلوون جهدا في إلقائها على المريض ومرافقه الآخرون سواء كانت علمية محظة أو شائعة يتداولها العامة والخاصة، وكميات كبيرة من القهوة، والشاي، والتمر، وباقات الورود، والتي حشرت زاوية حجرة المريض حشرا وغصت فيه عن بكرة أبيه!

من ثم رحيلهم بعد ذلك لتكون المحصلة، فرحة بقدومهم، وتعب إضافي آخر في مجاملتهم، وملاطفتهم، والتركيز لكل شاردة وواردة من تعليق ساخر، وسؤال عن حال، واستحضار لماض، وتنبؤ لمستقبل، ينال منك ما يناله سواء كنت مريضا أو مرافقا!

وبعد أيام أخرى في غرف المشفى وردهاته التي لا تهدأ لا في ليل ولا نهار، تلاحظ استجابة جسم المريض لمختلف الأدوية، أو تحسن طبقات الجلد بشكل ملحوظ ذلك إن نال نصيب مشرط الجراح جزئا منها، لتعجب كثيرا، وذلك في تطور حال المريض، وانتقاله من حضيض أمارات الألم، للتحسن المستمر، والمفضي لتهلل وجهه، والآخذ في نهاية المطاف في قرار الطبيب الآمر بخروجه من المشفى بعد تعافيه الكامل.

ولا يسعني بعد حكاية روتينية تتكرر في المشافي سوى التوصية الحتمية في قضاء وقت مع المريض ومواساته لأنها تشعر المريض بالألفة، والدعم الايجابي، مما ينعكس بحتمية تأثيره الفعّال على المريض في مرحلة الاستجابة للعلاج، وخروجه من نفق الظلمة، إلى نور الصحة، وقد حث ديننا على زيارة المريض في أكثر من موضع:

فعن أبى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ» 

صحيح البخاري

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا». 

سنن الترمذي

أما توصيتي الثانية فهي تطوعك اللحظي متى ما أتيحت لك خوض تجربة مرافقة المريض، لما فيها من مجموعة الخبرات والحكم التي ستبقى في خزينتك العاطفية والدماغية، عن معنى أن تتطوع بكامل إيرادتك لتجربة حياتية ستخبرك عن ضيق الوهن لتعي معنى العافية، والصحة، ناهيك عن فضل أجرها في الدنيا والآخرة لما يدله الحديث:

فعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسْلِمُه ، مَن كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنهُ بِهَا كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ ).

رواه البخاري

أسهب كثيرا في هذه النشرة وأنا أرافق في ليلتي هذه بالمشفى وأرى على مقربة مني زوجتي التي نال منها التعب ما نال، وفي جوارها تنام قريرة العين أميرة لي دخلت العالم في الساعة ١:٣٧ صباحا من يوم السبت ٢٢/٠١/٢٠٢٣ م، وقد أسميناها (جوانا) فاللهم أنبتها نباتا حسنا، واجعلها قرة عين لوالديها، واحفظها وبارك لنا فيها، واجعلها من أهل الصلاح والتقوى، واجعل لكل أم نصيبها من الدنيا الفلاح، وفي آخرتها الجنة، وذلك لقاء صبرهم، وحلمهم، وتغاضيهم، وحنانهم اللامتناهي!

***

مالذي شاهدته مؤخرا! 

بالتأكيد بأنني سأشير للفيديو الذي قام بنشره (بندريتا) وهو الذي ذاع صيته من خلال ألعاب الفيديو، وتَمَسُكِه الكامل بلهجته (الجيزانية) الجميلة قام مؤخرا (بندريتا) في تصوير حلقة جديدة في قناته على اليوتيوب كان قد تحدث خلالها عن صراعه الذاتي مع (الإكتئاب) وهو مقطع نال الكثير من الاستحسان لقاء جرأته وصراحته، وفي نفس الوقت ناله بعضا من الانتقادات جرّاء شفافيته الحقيقة، وبين كل هؤلاء أقف له احتراما لما بدر منه، فلا بد من شيوع ثقافة الطبيب النفسي واللجوء له ما دعت الحاجة، فالقلق، والاكتئاب ما هما إلا مرضين ويعالجان خصوصا إن كان التشخيص في بداية أعراض المرض فيسهل عندئذ علاجه من قبل الطبيب المختص! 

قصة بندريتا - YouTube

نشوفكم بإذن الله بعد شهر وبالتوفيق لكم جميعاًموقع مجمع عقل سليم الطبي : https://maps.app.goo.gl/rZetv65yZRh93tyL6رقم الحجوزات : https://wa.me/message/XDF5HXL...
youtu.be
***

مالذي  شاهدته مؤخرا! 

وثائقي (النقطة الفاصلة) على منصة Netflix كان رائعا، بعد نظريتي في عدم مشاهدة أي بطولة تتعلق بكرة القدم وإنعدام إهتمامي بها بعد تحصل الاسطورة (ميسي) لقب كأس العالم، واعتزال (روجر فيدرير) ملاعب التنس، وبكاء (رفائييل نادال) المُرّ حزنا على فراقه وهو الغريم التقليدي له، سيخبرك الوثائقي في جزئه الأول عن الجيل القادم في ملاعب التنس، وعن الضغوطات التي يواجهها لاعبوه، عن المرحلة التي تلي (فيدرير، ونادال، وجوكوفيتش) في ملاعب التنس العالمية. 

***

مالذي قرأته مؤخرا؟ 

كتاب (قوة الدماغ) لجون مدينه، كان كتابا لا بأس فيه، على الرغم من الحشو الذي لم يوفق فيه كاتبه، فلقد تحدث جون في صفحات الكتاب عن الشيخوخة وعن العلاقات المنطقية في إطالتها، من الرياضة، والتعلم، والنوم، والعلاقات الايجابية، ولعل أكثر ما علق في ذهني تلك الفكرة التي أوردها الكاتب عن أهمية العلاقة الايجابية بين كبير السن (الجد) مثلا و أحفاده، وكيف أن كلا الطرفين يخدمون بطريقة فعالة، فالمُسن يتجدد شبابه مع حفيده الصغير، بينما ما زال في أول خطوات حياته (الطفل) يستفيد استفادة قصوى من حِكَمِ جده وحلمه، مما يسهم في نمو عقل الطفل، وإطالة عمر المُسن! 

***

مالذي أقرأه هذه الأيام؟ 

اقرأ خلال هذه الفترة رواية (أناس عاديون) لكاتبتها -سالي روني- وهي رواية تدور أحداثها عن علاقة غرامية تبدأ بالإعجاب، وتتطرق لمفاهيم مثل (الطبقية، والتنمر، والحب) أحداث الرواية يظهر فيها التقنية بمختلف أشكالها، وحضور وسائل التواصل الاجتماعي وهي التي تبدأ فصولها في شهر يناير من العام ٢٠١١ م، ومثل هذه الروايات لم أعتد قراءة ما يشبهها والمتعلقة بالتقنية وبالعالم المعاصر، وربما لأن معظم قراءاتي للراويات هي تلك التي تقبع في تواريخ زمنية بعيدة وسحيقة في التاريخ!

***

مقالة مميزة قرأتها! 

مقالة حسين الضو في نشرة (أها) البريدية، بعنوان (التدوين علاجك للتصالح مع الذات) والتي تطرق فيها لمفهوم التدوين في كونها ترتيب لأفكار عشوائية تستحق أن تُحلل على مهم، وأن تُنتقد إنتقادا ذاتيا، أعجبتني بالفعل وهو مفهوم لو بودي أن يُعمَم ويستفاد منه كطريقة ذاتية، وخطوة أولى للعلاجات النفسية وتخطيّها وذلك عبر ملاحظة أفكارنا، ومشاعرنا، وإنفعالاتنا، وقد أعجبني النص الآتي في المقالة: 

القيمة الأكبر للتدوين هي في تمكين المدوّن على التبصّر وفَهم ذاته، وتفسير مواقفه بوضوح، وخاصة ما يتعلق بفهم الأحاسيس والمشاعر. إذن التدوين أقرب إلى أن يكون توثيقًا داخليًّا أولًا، نفهم فيه مشاعرنا ونحلّلها.

حسين الضو

وفي نفس السياق أتفق مع الكاتب في طريقة تعريته للنقد في كونه سهم يخترقك إن كان لاذعا أو حتى لطيفا، وهذا لكوننا لم نعتد على تلك الثقافة، والتي نظن أنها تهديد وجودي لكينونتنا الداخلية، سبق وأن أفردت نشرة بريدية بعنوان (الأفكار الخلّاقة، والتفكير النقدي)  عبر الرابط. 

حلقة بودكاست مميزة! 

وفي تكملة لأهمية التدوين صادف بأني استمعت لحلقة بودكاست (الكاتب) لمُقدمه فيصل آل عمر، وفيها تحدث في حلقته السادسة عن تجربته في التدوين بعنوان (ليه لازم يكون عندك دفتر مذكرات) وقد استمتعت بأسلوب فيصل في طريقة سرده، وإيصاله للفكرة بقالب جميل! 

***

مقالة مميزة أخرى قرأتها! 

مقالة ثمود بن محفوظ أيضا على (نشرة أها البريدية) بعنوان (أنا وتيك توك ودموعي) تحدث فيها عن خوارزميات تيك توك، وأثره المباشر عليه، وعن تجربته في كفكفت دموعه في تغيير خوارزميات تيك توك لجهة أخرى مختلفة، وبالفعل إنطلت على تيك توك الخُدعَة، ولم يكفكف دموعه بعد ذلك! 

وهنا ما زالت معضلة حقيقة تظهر دوما، في كوننا مسيطرين على التقنية، وبإمكاننا التحكم في مدى تعرضنا لها، ولكن يبدو بأن آثارها متعدية، لتصيب بذلك القريب والبعيد شاء أم أبى! 

سبق وأن نشرت في بودكاست (خواطر مفكرة) حلقة بعنوان (حكاية مغترب) تحدثت فيها عن مفهوم الإغتراب الحديث والمقترن بالتقنية! 

***
كواليس كتابتي لهذه النشرة في غرفة المستشفى 

كواليس كتابتي لهذه النشرة في غرفة المستشفى 

ومن خلال هذه الصورة أنهي نشرتي لهذا العدد، والتي آمل من خلالها بأنها نالت من استحسانك، يمكنك مشاركتك هذا العدد وغيره من الأعداد السابقة بالضغط على الرابط ونشره لمن تظن بأنها سَتُلهمه وتُفيده، وفي نهاية النشرة أختم بالدعاء لمن لا زالوا في الأسِرّة يصارعون فيه أمراضهم بهذا الدعاء (اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين شفاءً لا يغادر سقمًا، اللهم يا من تعيد المريض لصحته، وتستجيب دُعاء البائس، اشف كل مريض يا رب العالمين).  

إليك أيضا: 

نشرة خواطر مفكرة البريدية - العدد #32 هل تدعو موظف مرسول أو جاهز لبيتك؟ عن الفرد والمجتمع والنفعية! | هدهد

هل تدعو موظف مرسول أو جاهز لبيتك؟ عن الفرد والمجتمع والنفعية!
gohodhod.com

نشرة خواطر مفكرة البريدية - العدد #31 الكتاب الذي تتمنى لو قرأه أبواك! | هدهد

الكتاب الذي تتمنى لو قرأه أبواك! 
gohodhod.com
ممدوح نجمReem2 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة خواطر مفكرة البريدية

نشرة خواطر مفكرة البريدية

هنا أستعرض لك آخر ما أقوم به من تدوينات، لاشاركك آخر قراءاتي 📚 أفكاري 💭 استماعاتي 📻 مشاهداتي 📺 آرائي الخاصة 💡 أنقلها لكم بأسلوبي وبشكل مبسط، واضح، ومفهوم، اشترك الآن لتصلك هذه النشرات فور إصدارها 🙏🏼

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة خواطر مفكرة البريدية