نشرة حوسبة #29: لماذا لا تنشر الشركات كل نماذجها للذكاء الاصطناعي؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

حياكم الله جميعًا مشتركي نشرة علوم الحاسوب من حوسبة. نأمل أن تجدوا في هذه النشرة سلوةً لما تفتقدونه من نقاشاتٍ متعلقة بمواضيع علوم الحاسوب وكافّة تخصصاتها في الويب العربي.

لقد نشرنا في هذه الصفحة على موقعنا أرشيفًا لنشرة حوسبة، ويمكنكم الاطلاع عليها في أي وقتٍ شئتم لمعرفة تصنيفات مواضيع النشرة التي نتناولها بالإضافة إلى رابطٍ مباشر لجميع الأعداد التي أرسلناها.

إليكم محتوى هذا العدد.

نقاش العدد: لماذا لا تنشر الشركات كل نماذجها للذكاء الاصطناعي؟

خرجت العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة هذا الشهر.

• أعلنت جوجل عن نموذج Muse لتعديل الصور عبر الذكاء الاصطناعي، فهو يسمح لك بتحديد جزء معيّن من صورة تريد تعديلها، ثم تخبره عبر كتابة أي نص عن التعديلات التي تريد عملها على ذاك الجزء من الصورة وهو يعدّلها لك. مثل ترفع صورة لشخص يلبس نظارات عادية ثم تقول له: "استبدل النظارات بنظارات شمسية" فيقوم تلقائيًا بعمل ذلك لك.
• مايكروسوفت بدورها أعلنت عن نموذج VALL-E، وهو نموذج قادر على التقاط صوت الإنسان من مقطع قصير يتحدث فيه، ثم يصبح قادرًا على إخراج صوت لأي كلام نصّي بصوت ذاك الإنسان. أي أنه يمكنك أن تجعل أي إنسان يقول ما لم يقله في الواقع باستخدام هذا النموذج (وهو ما يحمل بدوره بعض المخاطر). ميزته كذلك أنه قادر على التقاط المشاعر أثناء الحديث، فيميّز بين الصوت الغاضب والصوت الهادئ والصوت الضاحك، ونتائجه أفضل من نماذج سابقة.
• نموذج آخر شبيه بنموذج Muse هو نموذج InstructPix2Pix، ويسمح لك بتعديل الصور كذلك. طوّر هذا النموذج أساتذة جامعيون مستقلون.

ستلاحظ أن نموذجيّ Muse وVALL-E ليسا متوفرين للتجريب، حيث أن الشفرة المصدرية للنماذج غير متوفرة، بينما نموذج InstructPix2Pix الأخير يوفّر ذلك ويمكنك استخدامه من الآن.

تتحفّظ الشركات الكبرى على نشر نماذجها لعدة أسباب، من بينها:

• إن نشرت الشركة نماذجها للذكاء الاصطناعي بشكل مفتوح المصدر، فستأتي شركة منافسة لها وتبني فوق جهدها ببساطة. أي أن الأمر له بعد تجاري في المنافسة.
• الذكاء الاصطناعي هو هبّةُ الذهب (Gold Rush) الجديدة، وبالتالي من غير المنطقي لشركة تجارية ربحية أن تطلق هذه النماذج بالمجان وتسمح للآخرين بأخذها واستخدامها تجاريًا، بينما يمكنها هي أن تربح المليارات من ورائها إن أبقتها في غرفها المغلقة.
• هناك بعض المشاكل الأخلاقية المرتبطة بنشر هذه النماذج، فبعض هذه النماذج مثلًا يسمح بانتحال الصوت وتركيبه مما قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية.
• قد تكون هناك بعض المشاكل القانونية في بيانات تدريب هذه النماذج (Dataset)، فهي ممسوحة من الويب (Web Scrapping)، وهناك دعاوى مرفوعة ضد عددٍ من الشركات بخصوص حقوق الملكية الفكرية حيث أن صانعي هذه البيانات (نصية كانت أو صوريّة) يرون أن الشركات انتهكت حقوقهم عندما درّبت نماذجها على أعمالهم. ولهذا فإن الكثير من الشركات ينتظر حلّ الدعاوى القضائية هذه قبل الإعلان عن نماذجها حتى تعلم هل بإمكانها إطلاق هذه النماذج أم لا.

مثلًا انظر كيف كانت شركة OpenAI أوّل من أعلنت عن نموذج ذكاء اصطناعي لتوليد الصور (ألا وهو DALL-E)، ولكنها لم تتح تجريبه للناس بل فقط أعلنت عن النموذج وبعض الأوراق البحثية، ثم جاءت شركة Stability AI وأطلقت نموذج Stable Diffusion بشكل مفتوح المصدر لجميع الناس، وهو الذي جعل العالم بأسره يهتم بقطاع الذكاء الاصطناعي مرة أخرى.

تعلّمت OpenAI الدرس وهذه المرة سمحت للجميع بتجربة واستخدام ChatGPT، بل أنها وفّرت اشتراكًا مدفوعًا بقيمة $42 لمن يريد استخدامه على الدوام بإمكانيات أعلى (ومع ذلك هناك عدة منافسين على وشك الظهور لـChatGPT).

هذا القرار كان استراتيجيًا من شركة Stability AI؛ لأنها لم تكن شركة معروفة أصلًا قبل إطلاق هذا النموذج، كما أنها لا تمتلك الموارد الكافية لمنافسة الشركات الكبرى وليس لها منتجات في قطاعات أخرى (مثل جوجل أو مايكروسوفت أو ميتا الذين لديهم منتج في كل قطاع). وبالتالي جَذْب هذا الاهتمام الكبير إليهم ثم ربح ما يمكنهم ربحه عبر خدمتهم التي توفّر نموذج Stable Diffusion (مع السماح للآخرين بعمل خدماتهم المستقلة منه، لأنه مفتوح المصدر) كان كافيًا بالنسبة لهم ليستمروا في أبحاثهم وأعمالهم.

لكن لو كنّا نتحدث عن جوجل فالوضع كان ليختلف بالمرّة.

ما تزال أنشطة الذكاء الاصطناعي التجارية قيد التشكيل ولهذا فإن الشركات الكبرى لا تزال حذرة بخصوص أي خطوة تخطوها، وتحاول إبقاء كل مُخرجاتها الفكرية (أوراق بحثية، خبرة عملية، أدوات داخلية...) داخل الشركة. هناك خطّ دقيق بين أن تعمل الشركة أبحاثًا مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وبين أن تنشرها للعلن على شكل مشروع تجاري، وليس كل ما يُعلم يُقال.

وهناك نكتة أن شركة OpenAI التي اسمها يعني "ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر" هي الشركة الأقل فتحًا للمصدر "Least Open AI" من بين شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى :-)

لكن ما يُمكن تأكيده هو أن الذكاء الاصطناعي سيصبح مستقبلًا في كل ركنٍ من أركان عالم البرمجيات، ولن يعود شيئًا هامشيًا كما كان في السابق.

تعقيبات على العدد السابق

هذه تعقيبات وردت من المتابعين على العدد السابق عن نموذج ChatGPT والفنكوش في علوم الحاسوب:

يقول الأخ مُعتز أن نموذج ChatGPT، على عكس ما وصفناه في العدد السابق، جيد في الواقع ولكنه يحتاج فقط إلى تحديد ما يريده المستخدم وتوضيح السياق أثناء كتابة التعليمة (Prompt).

نحن لا ننكر أن لـChatGPT فوائد واستخدامات ممكنة كثيرة خصوصًا لدى المطورين والمبرمجين أو صنّاع المحتوى، ولعلنا تحاملنا عليه لنبدي جوانب السوء في بادرةٍ لإيقاظ من أخذته الهالة الإعلامية والتسويقية، لكن المشكلة هي أن الناس تنسى شيئين:

1. النموذج غير متوفر بعد، أنت مُجبر على استخدام موقع الشركة وبالتالي أنت غير حرّ بالحصول على ما تريده من معلومات، لأن الموقع غالبًا سيفصل جلستك بعد بضع دقائق بسبب الضغط. وبالتالي هذا نوع من أنواع التسويق للشركة؛ أن توفر نموذجًا بشكل محدود للغاية تجعل الجميع يتقاتل للحصول على بضع دقائق منه ثم تجدهم يغرّدون عنه على تويتر وأنه سيغيّر العالم. لا يمكنك مثلًا أن تطلب منه أن يكتب لك مقالين من 1000 كلمة عن شيء معيّن، غالبًا ستجده فصل معك، ولهذا قد تحتاج البحث عن طريقة للاشتراك المدفوع (42$ شهريًا).

2. الجهد المبذول لتعلّم صياغة التعليمة المطلوبة لجعل النموذج يفهم ما تريده فعلًا قد يساوي الجهد المطلوب للعمل بنفسك على ما تريده. نعم في الكثير من الأحيان قد يكون بإمكانك توفير بضع ساعات لكن لا تنسى أن تأخذ جهدك في كتابة التعليمة وتعلّم صياغتها في الوقت المحسوب لتحصل على الخرج الذي تريده. هذا أمرٌ مختلف عن نموذج Stable Diffusion لتوليد الصور مثلًا لأنك قد لا تعرف التصميم أصلًا ولا تجيده، وتعلّمك إياه قد يستغرق مئات الساعات، ولكن يمكنك عبر تعلّم صياغة التعليمة (Prompt Crafting) أن توفّر كل هذا الجهد وتكتب وصف الصورة فقط وهو يعملها لك، ولهذا فإنه أمرٌ يستحق التعب على عكس الكثير من الأمور اللغوية التي قد يعملها ChatGPT. 

إن أخذت هذين الأمرين بالحسبان، وجمعت فوقها أن النموذج ليس شيئًا جديدًا بالكلية بل بناءً فوق ما سبق من نماذج وتقنيات فسيزول عنك الكثير من الانبهار الذي يحاول مشاهير مواقع التواصل تسويقه. نعم هي تقنية جميلة وسيكون لها مستقبل مبهر ولكننا لم نصل إلى هناك بعد، وبالتالي فإن كل ما تراه هو عمل تسويقي لجذب الاهتمام والاستثمارات حاليًا.

تعقيب للأخ فهد وتوقعه لمستقبل ChatGPT، وأنه قد يصبح مثل ترجمة جوجل مستقبلًا. ربما الأمر مختلف هنا لأن ChatGPT هو الخطوة الأولى في سلسلةٍ من النماذج الكبرى التي ستصدر مستقبلًا، ولهذا فإنه من المبكر الحكم عليه ومقارنته بترجمة جوجل بعد.

شاركونا آراءكم عن هذا العدد، أو عن الأعداد السابقة من نشرة حوسبة بشكل عام على تويتر تحت الوسم #نقاشات_نشرة_حوسبة

أخبار هذا الشهر

تجد في هذا القسم من نشرة حوسبة أبرز الأخبار المرتبطة بعلوم الحاسوب والمنتجات التقنية، بالإضافة إلى تعقيباتنا عليها وتحليلاتنا لما وراء الخبر.

1. مايكروسوفت تستثمر 10 مليار دولار في OpenAI

أعلنت مايكروسوفت عن استثمار عشرة مليارات دولار في شركة OpenAI لقاء 49% من أسهم الشركة.

يعني هذا أن مايكروسوفت تؤمن بشدة بمستقبل الذكاء الاصطناعي، لدرجة أنها مستعدة لاستثمار هذا المبلغ الكبير في شركة لم تبدأ بعد كامل نشاطها التجاري على الرغم من كوننا في فترة كساد اقتصادي وتسريح للموظفين بعشرات الآلاف.

الشركة أعلنت أيضًا أنه سيكون من الممكن استخدام نموذج ChatGPT عبر Azure API، مما يمكّن مطوري التطبيقات من استخدامه في تطبيقات خارجية أو دمجه في خدماتهم.

2. مقال يشرح طريقة عمل ChatGPT

نشر د. فارس القنيعير مقالًا يشرح فيه طريقة عمل نموذج ChatGPT، وكيف أنه مبني على العديد من النماذج والتقنيات السابقة.

من الواجب قراءة هذا المقال لأي مهتم بالذكاء الاصطناعي، لأنه يشرح لك كيف يتحول البحث العلمي إلى منتج يُمكن الاستفادة منه حقًا للناس.

3. أرباح نموذجية من قناة يوتيوب

شارك أحد صنّاع المحتوى على يوتيوب تدوينةً بأرباحه وعدد مشاهدات قناته. القناة متخصصة بفيديوهات تقنية عن عمل أشياء صغيرة باستخدام مكعبات Lego وبعض المُتحكمّات التقنية.

حقق الرجل 655 ألف دولار على مدار 6 سنوات من رفع 65 فيديو فقط. ولكن أرقامه استثنائية لأن كل فيديو عمله كان يجلب كمتوسط 10 ملايين مشاهدة، وهو ما يحقق له 9500 دولار صافي ربح على الفيديو الواحد، ولكنه يستغرق 100 ساعة على الفيديو الواحد من وقته.

قد تكون هذه التدوينة مفيدة لمن يفكر في دخول المجال وبدأ قناة على يوتيوب.

4. مواد ماجستير علوم الحاسوب من جامعة جورجيا التقنية

جامعة جورجيا التقنية هي واحدة من أفضل جامعات العالم في علوم الحاسوب، حيث يبلغ ترتيبها في هذا التخصص 13 من بين آلاف الجامعات الأخرى.

نشرت الجامعة جميع المواد التي تدرّسها في تخصص ماجستير علوم الحاسوب مجانًا بالتعاون مع موقع Udacity. والمواد عبارة عن فيديوهات تعليمية مقسّمة حسب كل مساق بالإضافة إلى تدريبات لمساعدة الطلاب على تطبيق ما تعلّموه.

لن تحصل على شهادة ماجستير عند إكمال هذه المواد، لكن إن كان العلم هدفك فستتعلم كمًا كبيرًا منه عبر دراسة هذه المواد.

5. البيانات المفتوحة وحرب أوكرانيا

تختلف الحرب الروسية الأوكرانية التي تجري الآن عم سبقها، فنحن لم نعد في عصرٍ دون إنترنت أو أقمار اصطناعية أو هواتف محمولة، بل نحن بعصرٍ فيه كل هذه الأمور.

يؤثّر ذلك على مجريات الحرب بشدّة، فيمكن حتى للهواة متابعة مجريات الأحداث اليومية عبر اشتراكات مدفوعة بخدمات الأقمار الصناعية، كما يمكنهم مساعدة الأوكرانيين عبر تحليل أي معلومات ينشرها الروس عن أنفسهم.

"Open Source Intelligence" أو استخبارات المصدر المفتوح هو قسمٌ جديد من العلوم - نسبيًا - يجمع فيه مهارات التحليل والاستخبارات بالإضافة لعلوم الحاسوب المرتبطة بها، بحيث يكون المُتخصص في هذا المجال قادرًا على توليد معلومات مهمّة ومفيدة لصنّاع القرار من بين مجموعة ضخمة من البيانات العامّة التي ينشرها العدو.

من الأمثلة على ذلك أن جنديًا روسيًا كان ينشر صورًا شخصية لنفسه في كل منطقة تدخل إليها كتيبته على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تمكن الأوكرانيون من تحليل المناطق التي تظهر في خلفيّة صوره هذه، مما كشف كامل خط الإمدادات العسكري للروس وبدأوا بالهجوم عليه.

المقال المذكور به عدة أمثلة أخرى على ذلك. ومقصدنا من الإشارة إليه إلى أن الكثير من تفريعات علوم الحاسوب والبيانات المولّدة من الأنظمة الحاسوبية صارت مهمة جدًا حتى في الحروب والسياسة، وقد تغيّر مجرى أحداث العالم.

هنا ينتهي هذا العدد من نشرة حوسبة، ونلقاكم في العدد المقبل بإذن الله. لا تنسوا مشاركة النشرة مع معارفكم وأصدقائكم ليطّلعوا على المحتوى الرائع الذي نعدّه ❤️

تصدر نشرة حوسبة في عيد كل مسلمٍ آخر جمعة كل شهر. وأقسام النشرة البريدية تختلف من عددٍ لآخر، على حسب المتاح.