نشرة حوسبة #27: الملكية أم الاحتكار الفكري؟ |
بواسطة فريق حوسبة • #العدد 27 • عرض في المتصفح |
المنصة العربية المعاصرة لعلوم الحاسوب
|
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، |
![]() |
حياكم الله جميعًا مشتركي نشرة علوم الحاسوب من حوسبة. نأمل أن تجدوا في هذه النشرة سلوةً لما تفتقدونه من نقاشاتٍ متعلقة بمواضيع علوم الحاسوب وكافّة تخصصاتها في الويب العربي. |
إليكم محتوى هذا العدد. |
نقاش العدد: الملكية أم الاحتكار الفكري؟ |
![]() صورة مولّدة عبر نموذج Stable Diffusion لـ"قرصان الكتب" |
من أبرز الأحداث هذا الشهر هو خبر اعتقال مؤسسيّ موقع Z-Library لنسخ الكتب، حيث اعتقلا في الأرجنتين وتنوي السلطات تسليمهم إلى الولايات المتحدة ليحاكموا هناك على الرغم من أنهما مواطنان روسيان، وهذا بسبب رفع الشركات الأمريكية صاحبة حقوق التأليف دعاوى قضائية ضدهما في المحاكم. |
وقد كان هذا الموقع معنيًا بتوفير الكتب مجانًا بصيغة PDF للناس، كغيره من مواقع قرصنة الكتب. |
هذا يعود بنا إلى موضوعٍ طويلٍ نقاشه: هل تجوز قرصنة الكتب؟ وهل حقوق الطبع والنشر هي من حقّ المؤلف أو الناشر أصلًا لكي يمنع الآخرين منها؟ |
يقرأ كل طالب أو باحث عشرات الكتب في رحلته الدراسية، هذا بالإضافة إلى بضع عشرات من الأوراق البحثية التي قد يحتاج الاطلاع عليها، وإن كان سيتوجب عليه الدفع لجميع مؤلفيها فلن يتمكن من ذلك. |
هذا يؤدي بدوره إلى احتكار العلم وحصره في أيدي الأغنياء فقط، وهو شرٌّ كبير. هذا فضلًا عن أن الواقع أنه في زماننا، تذهب أكثر من 80% من أرباح بيع الكتب إلى الناشر وليس لمؤلف الكتاب أصلًا [1][2][3]، يعني كل هذا العناء في حقوق الملكية الفكرية وتغليب الناس فقط لينتفع الناشر وليس المؤلف. |
مثل هذه المواقع ومثل Sci Hub (الذي يوفّر الأوراق البحثية بالمجان) هي التي تسمح للناس أن يصلوا إلى المعارف التي يحتاجونها، وحقّ الكاتب أو الناشر (الفرد) ليس مقدمًا على حقّ (جميع الناس) في الانتفاع من العلوم. لكن للأسف حوّلت الرأسمالية العلم إلى مصدرٍ من مصادر المال والعيش، فصار احتكار السلع والأفكار والكتب وطباعتها وسيلةً للثراء، ثم إذا جئت لتعيد الأمر إلى أصله قالوا لك وكيف سنعيش كبقية الناس؟ |
الواقع هو أنه تاريخيًا، العلم لم يكن أبدأ أداةً لجني المال مباشرةً من أفراد الناس. حيث كان الكتّاب في الماضي يكتبون الكتب إما بناءً على طلب الملوك والأمراء والحكّام أو دعمًا منهم بعطايا أو هبات، ثم يوفرونها للنسّاخ (الذين يكتبون يدويًا الكتب ليوفروا نسخًا منها للناس لأنه لم يكن هناك طابعات) ومن هناك يحصل كلٌ على الكتاب، ولم توجد أصلًا فكرة "جميع الحقوق والطبع والنشر محفوظة لفلان الفلاني". |
فالمؤلّف يحصل على المال عند التأليف فقط، سواء من الدولة أو من أصحاب الجاه والمال والنفوذ، وهو ما يساعده على تأليف المزيد من الكتب والتفرّغ للكتابة، ولكنه لا يحصل على الأموال من عمليات نسخ الكتاب مباشرةً من أفراد الناس. |
ومن الواجب التفريق هنا بين مقامين: مسألة الانتفاع الشخصي ومسألة الانتفاع التجاري، وهذه الأخيرة محل خلاف ولربما يكون الحقّ فعلًا مع المؤلفين، لكن لا يجب أن يتحوّل هذا الحقّ إلى منع الناس من الوصول إلى المعارف التي يريدونها إلا بالمال. |
نعم، إذا كنا نتحدث عن الاستخدام التجاري فمن حقّ المؤلف أن يكون صاحب الحقّ في الانتفاع فيه، لكن مواقع مشاركة ملفات الـPDF هي أصلًا لا تستخدم الكتب تجاريًا بل توفرها بالمجان للناس لمن لا يقدر الشراء، وبالتالي هي لا تنافس على هذا الحقّ أصلًا. |
مسألة (حقوق الملكية الفكرية) في الإسلام مسألة عظيمة وطويلة وما تزال بحاجة لبحث واستيفاض على الرغم من وجود فتاوى هنا وهناك بخصوص الموضوع، وهو موضوعٌ قديمٌ بحثه منذ سنوات طويلة جدًا، ومن أبرز من ألّف فيه الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله (فقه النوازل، ج2) حيث ذكر فيه عدة مسائل بالإضافة لعشرات المصادر العربية والإسلامية التي تحدثت عن الموضوع والتي يمكن الاطلاع عليه للاستزادة، فهو ليس موضوعًا هينًا. |
كل هذا مرتبط بموضوع الملكية الفكرية للكتب، أما موضوع "براءة الاختراع" حيث يمنع الإنسان غيره من الاستفادة من اختراعه أو اكتشافه تجاريًا، فهي موضوعٌ آخر مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسياسة والاقتصاد، ولعله يمكن الرجوع إلى كتاب "براءة الإسلام من براءة الاختراع" للدكتور جميل أكبر، ومشروعه الأوسع منه الذي هو قص الحقّ للاستزادة عنهما. |
![]() من كتاب فقه النوازل ج2 لبكر أبو زيد |
![]() من كتاب فقه النوازل ج2 لبكر أبو زيد |
شاركونا آراءكم عن هذا العدد، أو عن الأعداد السابقة من نشرة حوسبة بشكل عام على تويتر تحت الوسم #نقاشات_نشرة_حوسبة |
أخبار هذا الشهر |
تجد في هذا القسم من نشرة حوسبة أبرز الأخبار المرتبطة بعلوم الحاسوب والمنتجات التقنية، بالإضافة إلى تعقيباتنا عليها وتحليلاتنا لما وراء الخبر. |
1. انهارت شركة FTX، ثاني أكبر منصة في العالم لتداول العملات الرقمية |
انهارت المنصة ومعها نحو 10 مليارات دولارات من أموال المستخدمين الذين لم يتمكنوا من استرجاعها، كما انهارت أكثر من 120 شركة كانت مسجلة كشركات فرعية لشركة FTX. |
مؤسس المنصة الذي كان اسمه Sam Bankman-Fried، والذي كانت تقدّر ثروته بـ16 مليار دولار، صار معتقلًا الآن وصارت قيمة ثروته 0$. |
ما حصل هو أن المنصة كانت لديها شركة فرعية أخرى اسمها Alameda Research، وهي شركة تعمل في مجال إقراض المال واستثماره للشركات والمشاريع الأخرى المرتبطة بسوق العملات الرقمية، وقد كانت صاحبة سام هي المديرة التنفيذية للشركة كذلك. |
كان سام يُخرج أموال المستخدمين من منصة FTX ثم يستثمرها مع صاحبته في Alameda Research، لكن هذه الأخيرة فشلت استثماراتها ولم تتمكن من استرجاع الأموال التي استثمرتها، مما أدى إلى ضعف السيولة في منصة FTX وعدم قدرتها على تلبية طلبات سحب المال من المستخدمين، وهو الأمر الذي بدوره زاد من الموضوع سوءًا حيث انتقل الجميع لسحب أموالهم عند سماع الأخبار والإشاعات فانهارت المنصة على من فيها. |
قبل الانهيار حاولت منصة Binance شراء منصة FTX، وأعلنوا عن نيتهم ذلك. لكنهم لما اكتشفوا انعدام السيولة المالية في الشركة أعلنوا التخلّي عن شرائها فحجم المشكلة كان أكبر من أن يتحملوه. |
اكتُشف لاحقًا أن منصة FTX كانت مُدارة بشكل سيء؛ الإدارة والموظفون كانوا تلقائيًا يحذفون جميع المحادثات التي بينهم كي لا يقرأها أحد مرة أخرى، ولا يوجد سجلات مالية للعمليات التي كانت تقوم بها الشركة، ولا يوجد وثائق تشرح لماذا الشركة تستثمر في الشركة الفلانية ولا تستثمر بالشركة الفلانية، بل كله مجرد رسائل واتساب يتناقلونها فيما بينهم! |
الموضوع تحول إلى كارثة أكبر فقد صار الموظفون داخل الشركة أنفسهم يأخذون ما تمكّن من الأموال المتبقية قبل انهيار المنصة، وقد نجح أحدهم بسرقة 600 مليون دولار وتهريبها إلى خارج المنصة. |
اختُرقت المنصة نفسها (الموقع والتطبيق) وصار منصوحًا بإزالة تطبيقات المنصة من الهواتف وعدم زيارة الموقع تجنبًا لاختراق أجهزة المستخدم. |
بالطبع، فقد سوق العملات الرقمية أكثر من 30% من قيمته السوقية بعد سماع الأخبار، فهذه ثاني أكبر منصة لتداول العملات الرقمية في العالم وانهيارها سيؤثر على كامل السوق. وقد حفّزت هذه الأخبار المستخدمين على نقل عملاتهم الرقمية من منصّات التداول إلى المحافظ الشخصية (Hardware Wallets)، مما يمكنهم من الاحتفاظ بأموالهم بأنفسهم دون الحاجة لمنصات. |
ستدفع هذه الأخبار بالمزيد من التشريعات والقوانين للظهور في سوق العملات الرقمية، وهو بدوره ما سيؤثر على السوق مستقبلًا بأشكالٍ شتّى. |
2. أتاح موقع تلجرام خدمةً لبيع وشراء أسماء المستخدمين والمجموعات والصفحات |
صار بإمكان المستخدمين الآن بيع أسماء المستخدمين الخاصّة بهم إلى أي شخص آخر مقابل المال عبر منصة افتتحها تلجرام لهذا الغرض. |
المنصة تتعامل بعملة رقمية اسمها Toncoin طورها مطورو تلجرم أنفسهم، وبالتالي على المستخدم شحن رصيده على هذه المنصة بهذه العملة ثم شراء اسم المستخدم الذي يريده بها. |
تلجرام من أفضل المنصات عندما يتعلق الأمر بتجربة المستخدم، فهو يتيح خدمات الدفع وبيع المنتجات داخل التطبيق نفسه ويدعم الكثير من بوابات الدفع، كما أن ميزة البوتات (Bots) تجعله منصة مرنة يمكن التعامل معها والاستفادة منها جدًا. |
قارن هذا بالمنصات التقليدية كفيسبوك وتويتر التي لا تزال إلى الآن تبلع أرباح الإعلانات لمعظم المستخدمين ولا تفكّر مجرد تفكير في توفير هذه الخدمات التجارية لمستخدميها. هناك تحرّك وتوجّه لتوفير المزيد من الأدوات الربحية لصنّاع المحتوى بالطبع ولكنه بطيء جدًا مقارنةً بتلجرام. |
3. خسرت شركة أمازون تريليون دولار من قيمتها السوقية هذه السنة |
نعم هذا صحيح، فقد خسرت الشركة تريليون دولار وليس مليار أو مليون من قيمتها السوقية. يحصل هذا عندما يرتفع سعر سهم الشركة ثم ينخفض انخفاضًا كبيرًا يؤدي إلى هذه الخسارة. |
يظهر هذا الأمر كيف أن تسعير قيمة الشركات بناءً على حجم سوقها ليس بالأمر السليم؛ فللوهلة الأولى تظن أن القوم خسروا تريليون دولار وذهبت أدراج الرياح و(انخرب بيتهم) بالعامّية، بينما في في الواقع لم يتغير شيء في الشركة سوى تسريح نحو 1% من موظفيها. |
هذا الرقم الكبير الذي يشكّل ميزانية عدة بلدان مجتمعة، خسرته شركة واحدة ثم تابعت عملها وكأن شيئًا لم يحصل، وهذا دافعٌ للتأمل في النظام الرأسمالي المعاصر وتقديره لقيمة الأشياء. |
4. صدر الإصدار 2.0 من نموذج Stable Diffusion المجاني والمفتوح المصدر لتوليد الصور عبر الذكاء الاصطناعي |
يأتي هذا الإصدار بعدة تحسينات على الإصدار السابق، حيث صار أكثر دقة في توليد الصور المطلوبة، كما أنه صار قادرًا على فهم الاستعلامات (Propmts) الطويلة أكثر من قبل. |
جاء الإصدار الجديد بدعم لتوليد الصور بدقتيّ 512x512 و768x768 افتراضيًا، وكما صار يحتوي على محجِّم صور (Upscaler) يسمح بتحويل الصور من مقاس 128x128 مثلًا إلى 512x512 بهدف الحصول على تفاصيل أفضل وجودة أعلى. |
لكن أبرز ميزة في الإصدار الجديد هي ميزة "depth2img" أو "العمق إلى صورة"، والفكرة ببساطة هي أن المستخدم يُدخل صورة تعبيرية كقالب إلى النموذج، ثم يولّد النموذج له مجموعة صور محتملة على حسب القالب الذي أدخله. انظر هذه الصورة كمثال: |
![]() |
النموذج يتطور بشكل كبير وهناك الكثير من الأدوات والمشاريع المرتبطة باستخدامه. |
لقد كان لنموذج Stable Diffusion الفضل في تحريك كامل قطاع الذكاء الاصطناعي إلى الأمام، ومضاعفة عدد المهتمين به. صرنا نرى كل يوم عشرات المشاريع والشركات التجارية التي تخرج لتوفير الخدمة الفلانية عبر الذكاء الاصطناعي، وما كان هذا ليحصل لولا قفزة الاهتمام التي وفّرها هذا النموذج للناس. |
انظر مثل حجم الاهتمام به على منصة GitHub مقارنةً بغيره من المشاريع والقفزات التقنية، وكيف أن نموه يشكّل دالّة أسّيّة (Exponential growth): |
![]() |
إذا كان هناك من طلاب علوم الحاسوب من يفكّر في دخول مجال الذكاء الاصطناعي، أو هناك من المهتمين وأصحاب المشاريع من يفكّر في ذلك أيضًا، فلعل الآن هو الوقت المناسب. لكن احرص على تقديم منفعة وخدمة حقيقية وليس مجرد كلام buzzword. |
5. رُفعت دعاوى قضائية ضد شركة مايكروسوفت (GitHub) بسبب خدمة Copilot |
خدمة GitHub Copilot هي خدمة تساعد المبرمجين على كتابة الشفرات البرمجية أثناء البرمجة عبر الذكاء الاصطناعي، حيث تعمل كخدمة اقتراحات وتقترح شفرات برمجية أو أجزاء من الشفرة لكتابتها بالكامل مباشرةً للمستخدم بدلًا من أن يكتب كل شيء بنفسه. |
جاءت الدعوى القضائية لأن مجموعة البيانات التي دُرّبت عليها الخدمة كانت تشمل جميع الشفرات البرمجية التي رفعها المستخدمون على GitHub، ولكن هذه الشفرات البرمجية الكثير منها لا يسمح أصحابها بالاستخدام التجاري فضلًا عن تضمينها في مجموعة بيانات لأداةٍ ما، وبالتالي يرى أصحاب هذه الدعوى القضائية ضد الشركة أن الشركة قد انتهكت حقوق المستخدمين عبر تحويل هذه الشفرات البرمجية إلى خدمة تجارية يمكنها بيعها. |
من طرفها تعتقد GitHub التابعة لمايكروسوفت أن هذا يندرج ضمن بند الاستخدام العادل (Fair Use)، فنموذج الذكاء الاصطناعي لا ينسخ ويلصق الشفرات البرمجية بل يقرؤها ببساطة ويتعلم منها تمامًا كما كان ليفعل أي إنسان. |
على الهامش بغض النظر عن صحة هذه الدعوى القضائية أو عدمها، فإن نجاحها قد يشكل ضربة موجعة لمجال الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي المرتبط به، لأن هذا سيعني أيضًا بالتالي أنه لا يحق لهؤلاء الباحثين سحب البيانات من مواقع الإنترنت المختلفة وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم عليها، مما يؤدي إلى تراجع كامل القطاع إلى الوراء. |
لعله من الأفضل إذًا ألا تنجح هذه الدعوى، لمصلحة الجميع. |
*** |
هنا ينتهي هذا العدد من نشرة حوسبة، ونلقاكم في العدد المقبل بإذن الله. لا تنسوا مشاركة النشرة مع معارفكم وأصدقائكم ليطّلعوا على المحتوى الرائع الذي نعدّه ❤️ |
تصدر نشرة حوسبة في عيد كل مسلمٍ آخر جمعة كل شهر. وأقسام النشرة البريدية تختلف من عددٍ لآخر، على حسب المتاح. |
التعليقات